دروس في التفسير الموضوعي قصَّة موسى عليه السلام في القرآن الكريم-29-

 

الشيخ مجد مكي
 
من فوائد قصة موسى عليه السلام:
تضمَّنت قصَّة موسى عليه السلام في القرآن الكريم في أحداثها المختلفة ووقائعها المتعددة جملة من الدروس والعبر والعظات، نذكر بعضها فيما يلي:
 
1. في جوٍّ مليء بالظلم والاستعباد، يريد الله تعالى إنفاذ أمره وإرادته للمستضعفين، بأن يجعلهم قادةً وأئمة، وأن يورثهم الأرض ويمكِّن لهم فيها. فحريٌّ بنا أن نتأمّل خفيّ لطف الله تعالى بعباده.
2. أمُّ موسى عليه السلام مثال رائع في التوكل على الله تعالى، إذ استوفت كلَّ الأسباب، وفوَّضت الأمرَ لله، واستسلمت لحكمته وإرادته.
3-أن الله سبحانه إذا أراد أمراً هيَّأ أسبابه، ويسَّر له وسائله، وأن رعايته إذا أحاطت بعبد من عباده صانته من كل أعدائه، مهما بلغ مكر هؤلاء الأعداء وبطشهم. فرعاية الله لموسى جعلته يعيش بين قوى الشر والطغيان آمناً مطمئناً.
 
4. إذا بلغ الفتى قوة البدن والجسم واعتدل العقل، آتاه الله العلم والعزم والإقبال على الخير: [وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آَتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا].
5. من كان في محبة الله وكنفه فمن ذا يملك أن يمسَّه بسوء؟!: {وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي}.
6. الإنسان يجزع عند المصيبة لولا أن يتداركه لطف الله، فيربط على قلبه بالإيمان والصبر: {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغاً إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}.
 
7-قصة موسى عليه السلام -وكذلك قصص غيره من الأنبياء- تدعو كل مسلم في كل زمان ومكان إلى المداومة على ذكر الله تعالى في كل موطن بقوة لا ضعف معها، وبعزيمة لا فتور فيها.
8-أن الأخيار من الناس هم الذين في شتى مراحل حياتهم يقفون إلى جانب المظلوم بالتأييد والعون، ويقفون في وجه الظالم حتى ينتهي عن ظلمه، وينهضون لمساعدة كل محتاج، وهم الذين يقفون إلى جانب الحق والعدل ومكارم الأخلاق في كل المواطن، وأمام جميع الأحداث.
9- شاء الله الحكيم الخبير نقل موسى عليه السلام من حياة القصور وما فيها إلى حياة الرعي، لتستكمل نفس موسى عليه السلام التجارب والأحاسيس لمعرفة مستويات الناس وأحوالهم، وليكون ذلك عوناً له على أداء رسالته.
 
10- لم يخَيِّب الله رجاء موسى حين قال: {إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى}، فلقد وجد الهادي، وعاد بالضياء: نور النبوَّة والرسالة.
11. الرسالة والنبوة منّة كبرى، وهي لا تكون اكتساباً، بل هبة من الله تعالى: [ وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى].
12. خلاصة رسالة موسى عليه السلام: الاعتقاد بالوحدانيَّة، والتوجُّه إلى الله تعالى بالعبادة، والإيمان بالساعة والمعاد: [ إِنَّنِي أَنَا اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي].
13. إن بني إسرائيل حين استمرؤوا الذلَّ والعبوديّة، أصبحوا لا يعرفون معنى للحياة بدونه! لذلك أرسل الله إليهم موسى عليه السلام لإعادة بناء الأمة، ولإنشائها من جديد على أساس الإيمان.
14. القول اللين في الدعوة مطلوب، وهو لا يعني المداهنة ولا النفاق، ولكنه أسلوب العرض لهذه الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، إضافة إلى اللفظ الجميل والعبارة الواضحة.
15- أن على الدعاة إلى الله أن يعتمدوا في دعوتهم أسلوب اللين والملاطفة، وأن يتجنَّبوا أسلوب الشدة والغلظة؛ فإن الله سبحانه أمر موسى -وهو من صفوة الله في خلقه- ألا يخاطب فرعون -وهو سيد العتاة والطغاة- إلا بالملاطفة واللين
 
16-أن الباطل قد يسحر عيون الناس ببريقه لفترة من الوقت، وقد يسترهب قلوبهم لساعة من الزمان، حتى ليخيَّل إلى الكثيرين الغافلين أنه غالب وجارف، ولكن ما إن يواجهه الحق الهادئ الثابت المستقر بقوته التي لا تُغَالب، حتى يزهق ويزول، وينطفئ كشعلة الهشيم، وإذا بأتباع هذا الباطل يصيبهم الذل والصَّغار، والضعف والهوان، وهم يرون صروحهم تتهاوى، وآمالهم تتداعى، أمام نور الحق المبين.
 

 

 

17-أن الإيمان إذا خالطت بشاشته القلوب ضحَّى الإنسان في سبيله بكل شيء، وأثر الإيمان عندما تخالط بشاشته القلوب الواعية يصنع المعجزات؛ فقد قال سحرة آل فرعون لفرعون عندما تبيَّن لهم الحق الذي جاء به موسى:  [لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا فاقض ما أنت قاض]طه:72}. قال الزمخشري: "سبحان الله ما أعجب أمرهم! قد ألقوا حبالهم وعصيَّهم للكفر والجحود، ثم ألقوا رؤوسهم بعد ساعة للشكر والسجود، فما أعظم الفرق بين الإلقاءين!".


جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين