إيمان سحرة فرعون وثباتهم أمام تهديده
الشيخ مجد مكي
اتهام فرعون للسَّحرة وتهديده لهم:
أدرك السَّحرة الحق فآمنوا بالله وخرُّوا على الأرض سَاجدين دون تلكُّؤٍ ولا تريُّثٍ، وقالوا: آمنَّا بربِّ العالمين، ربِّ هارون وموسى، فاتهمهم فرعون بعدم الصدق في إيمانهم، وأن هذا الإيمان جزء من مؤامرة يُستهدف فيها حكمه ومجده.
قال الله تعالى في سورة الأعراف:﴿قَالَ فِرْعَوْنُ آَمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي المَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ(123) ﴾ قال فرعونُ للسَّحرة: أآمنتم بموسى وصدَّقْتموه قبل أنْ آمركم وآذَنَ لكم فيه، كيف تفعلون هذا وتعصُونَني؟! إنَّ هذا لتدبير أمر في خفاء دبَّرتُموه أنتم وموسى في مدينة «مصر» قبل خروجكم إلى هذا المكان المختار للمباراة؛ لتُخرجوا أهل مدينتكم منها إلى الصحراء، وتستولوا عليها أنتم، فسوف تعلمون ـ أيها السَّحرة ـ بعد إمهالكم مُدَّةً، ما أُنزل بكم من عقاب إذا لم ترجعوا إلى ملَّتي وطاعتي.
﴿لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ(124) ﴾ لأُقطِّعنَّ أيديَكُم وأرجُلَكُم من خلافٍ: بقطع اليد اليُمنى والرِّجْل اليُسرى، أو بقطع اليد اليُسرى والرِّجْل اليُمنى، ثمَّ بعد مدّة أدعكم تتعذّبون فيها، أُقسم لأصلبنَّكم أجمعين على جُذوع النخل؛ لتكونوا عبرةً لكلِّ مَنْ تُحدِّثه نفسُه بمخالفة ديني ونظام حكمي.
وقال تعالى في سورة طه: ﴿ قَالَ آَمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى(71) ﴾.
قال فرعون للسَّحَرة متوعِّداً لهم: آمنتم بما دعاكم للإيمان به موسى منقادين له قبل أنْ آذنَ لكم بذلك؟ إنَّ موسى لرئيسكم ومُعلِّمكم صناعةَ السحر، فلذلك تابعتموه، فَلأُقطِّعَنَّ في الحال دون تأجيل أو تسويف أيديَكُم وأرجُلَكُم مُخالفاً بينهما، يداً من جهةٍ، ورِجْلاً من جهةٍ أخرى، وَلأُصَلِّبَنَّكُم بتسمير أطرافكم بمسامير حديديَّة في جذوع النَّخل؛ فتموتون تعذيباً وصبْراً، وتكون مواقعُ تصليبكم أماكن تُعرضون فيها لمشاهدة الناس، تشهيراً بكم، وعبرةً لمن تحدِّثه نفسُه بأن يسْلك طريقتكم من القبط، ولتعلمنَّ في العاجل الحاضر ـ أيُّها السَّحَرة ـ أيُّنا أشدُّ عذاباً في إيلامه، وأبقى في دوامه: أنا، أو ربُّ موسى؟
وقال تعالى في سورة الشعراء: ﴿قَالَ آَمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ ﴾ قال فرعون للسَّحَرة مستنكراً: آمنتم بموسى مسلمين له قبل أن آذَنَ لكم بذلك ،كأنما كان عليهم أن يستأذنوه أن تنتفض قلوبهم للحق وقبل أن يستجيبوا لنور الله وهو يملأ القلوب.. إن الطواغيت المتجبِّرين لا يدركون كيف يتسرَّب الإيمان إلى قلوب البشر, فهم لطول ما استعبدوا الناس يحسبون أنهم يملكون تصريف الأرواح وتقليب القلوب فلا تميل ولا ترغب إلا فيما يسمح لها ويرضى.
﴿إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴾
إنَّه موسى لكبيركُم الذي علَّمكم السحر، وقد اتَّفقتم معه على أن تكونوا شركاء في حكم مصر بمؤامرة مُدبَّرة بينكم وبين موسى، فَلَسَوْف تعلمون وَبَالَ ما فعلتم.
وتمضي بنا الآيات إلى المشهد الأقوى والأعظم والأكثر رهبة.. تمضي بنا الآيات إلى نهاية القصة.. إنه المشهد الذى تقف فيه الدنيا بأسرها إجلالاً وإكباراً للسَّحَرة وقوة إيمانهم وثبات يقينهم بالله عز وجل..
قال فرعون مهدِّداً ومتوعداً لما رأى إيمان السحرة وتسليمهم لموسى وسجودهم لله عز وجل: ﴿ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ(49) ﴾
لأُقَطِّعَنَّ أيديَكم وأرْجُلكم من خِلاف: بقطع اليد اليُمنى والرِّجْل اليُسرى أو عكس ذلك، ولأُصَلِّبنَّكم أجمعين تشهيراً بكم أمام الشعب المصري؛ لتكونوا عبرةً لكلِّ مَنْ تُحدِّثه نفسه بمخالفة ديني ونظام حكمي.
وهكذا كل طاغية في كل عصر.. عندما يفلس من الحجج الباطلة ولا يجدي الترغيب شيئاً لا يجد أمامه من سبيل إلا البطش والتعذيب والتنكيل وسفك الدماء وإهدار الحريات والكرامات في سبيل الحفاظ على السلطان والعرش.
جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين
التعليقات
يرجى تسجيل الدخول