الشيخ مجد مكي
قال تعالى: [اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى(24) قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي(25) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي(26) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي(27) يَفْقَهُوا قَوْلِي(28) وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي(29) هَارُونَ أَخِي(30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي(31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي(32) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا(33) وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا(34) إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا(35) قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى(36) ]. {طه: 24-36}.
ومعنى الآيات: اذْهَب ـ يا موسى ـ إلى فرعون ملك مصر إنَّه جاوز الحدَّ في العصيان والتَّمرُّد على ربِّه حتى ادَّعى الإلهيَّة.
قال موسى: يا ربي وَسِّع لي صَدري؛ ليكون قادراً على تحمُّل المزعجات والمكاره، بصبر وحِلْم، دون اندفاع بغضب سريع.
وشرح الصدر نورٌ في القلب، وقوة معنويَّة يَستعين بها نبي الله موسى على أداء تلك المهمَّة الكبرى، فإنَّه مدْعاة للصبر واحتمال المشاق والإقبال على الدعوة؛ حتى لا يبقى للقلب التفات إلى الدنيا لا بالرغبة ولا بالرهبة.
ثم طلب تيسير الأمر فيما كلفه به في تبليغ الرسالة إلى فرعون ، فإنَّ كل شيء في هذا الكون إذا لم يصاحبه تيسير الله وعونه لا يمكن أن يسير، ومَنْ ذا يملك تيسيره من بعد!.
ثم طلب حلَّ عقدةِ لسانه، وهو ما كان في كلامه من حبسة كالتمتمة والتردُّد في النطق، أو أن يعجل بكلامه فلا يكاد يفهم (الفتح 6/425).
والمعنى: وأزل وارفع عقدةً تحبس من نطقي، فإذا أزلتَها بقُدرتك وحِكمتك، صرتُ قادراً على إفهام الذين أبلِّغهم رسالاتك دقائق المعاني التي أقيم بها عليهم البراهين والحُجَج.
وصيِّر لي مُعيناً من أهلي وأسرتي الأقربين، هارونَ أخي، قوِّ به ظهري، واجْعله شريكي في أمر النبوَّة وتبليغ الرسالة التي كلَّفتني بها.
طلب موسى ثلاثة أمور خارجية: أن يكون له وزيراً، وأن يكون من أهله، واختصَّ أخاه هارون ليساعده في البيان والإفصاح، لما يعلمه من صفات أخيه فهو أفصح لساناً وأوسع صدراً وليس عليه ذنب عند القبط، مما يجعله قادراً على محاورة فرعون وقومه ـ لاسيما وأنَّه عايشهم أثناء تلك السنوات التي قَضَاها موسى في مَدْين.
والهدف من الأدعية السابقة كلِّها: [كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا] {طه:33}أي: من أجل أن نَتَساعد ونتساند على تنـزيهك عمَّا لا يليق بجلالك وعظيم صفاتك، تنزيهاً كثيراً، ونذكرك ونُثني عليك ونستحضر عظمتك وعونك بما أَوْلَيْتَنَا من جميل نعمك، ذكراً كثيراً، إنَّك كنت وما زلت ولن تزال بنا بصيراً.
والذكر والتَّسبيح يحيي القلوب، ويوثِّق الصلة بالله، والداعية إلى الله تعالى لابد أن يكثر من الدعاء إلى الله تعالى، بأن يُيسِّر أمره، ويشرح صدره، للقيام بالدعوة على أكمل وجه.
استجابة الدعاء:
لقد استجاب الله دعاءه عليه السلام كله حين قال له:[قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى] {طه:36}أي: قد أُعطيتَ جميعَ ما سألته ـ يا موسى .
فكانت الإجابة شاملة من شرح للصدر، وتيسير للأمر، وحلٍّ لعقدة اللسان، بحيث يفهم عنه المخاطبون مُراده أوضح الفهم.
أما عن الشق الثاني من الدعاء:
فاستجاب الله تعالى له، فقال سبحانه: [وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا] {مريم:53} وأجَبْنا دعوته، وَوَهبنا لموسى من رحمتنا أخاه هارون نبياً، يُؤيِّده ويُؤَازره.
وقال تعالى:[قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بآياتنا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الغَالِبُونَ] {القصص:35}.
قال الله تعالى لموسى عليه السلام: سَنُقَوِّيك بأخيك هارون ونُعينُك به، ونَجْعَل لكُما حُجَّةً وبُرهاناً، وقوة غيبيَّةً معنويَّةً تحجُزُ فرعونَ وجنوده عن أن يصلوا إليكما بما فيه ضرٌّ أو أذىً لكما، فلا يَصِلون إليكما وصولاً بشيءٍ يضرُّكُما أو يُؤذيكما؛ بسبب ما نعطيكما من المعجزات وما نريهم من الآيات التي تُخيفهم بها، فيحذرون أن يهلكوا إذا كادوكُما كَيْداً يُؤْذي أحداً منكما. أنتما ـ يا موسى وهارون ـ وَمَن اتَّبعكما واهتدى بكما واستجاب لدعوتكما الغالبون المُنْتَصرون على فرعون وقومه.
وقد حقَّق الله عزَّ وجلّ هذا الوعد في نهاية مسيرتهما الدعويَّة، فأغرق فرعون وملأه وجنودهم في البحر، وكانوا عبرةً لمن يعتبر.
إنَّها المنّة العظمى أن يتحقق المراد كله في لحظات النداء مُباركةً، ووحياً، ونبوة، وإجابة دعاء، ثم تتويج لهذا الأمر كله بقوله: [أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الغَالِبُونَ] {القصص:35}.
جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين
التعليقات
يرجى تسجيل الدخول