دروس في التفسير الموضوعي قصَّة موسى عليه السلام -11-

 
 
الشيخ مجد مكي
 
 
أحوال العصا وتحوُّلاتها:
لقد كان لعصا موسى - عليه السلام - دور كبير في حياته، قبل الرسالة، وبعدَها، كما كان لها دورٌ كبير في حياة بني إسرائيل وحياةِ فرعون ومماته.
قبل الرسالة كان موسى عليه السلام يهشُّ بها على غنمه وله فيها مآرب أخرى، وبعد الرسالة أصبحت معجزة رسالته.
 أما مع بني إسرائيل فقد ساهمت في إجابة طلباتهم، ودلَّت على صدق نبوَّة موسى عليه السلام، وذلك حين ضرب البحر فانفلق كل فرق كالطود العظيم، وحين ضرب بها الحجر فانبجس منه الماء ليشرب بنو إسرائيل.
وكذلك مع فرعون حين أراه إيَّاها كدليل صدق له، ثم حين أبطلت كيد الساحرين، فآمنوا وخاب فرعون بما افترى.
 
ونلخص هذه الاستعمالات والتحولات مرتبة حسب وقوعها:
1 ـ في ساعة المناداة : تحوَّلت إلى حيّة تسعى وتهتز كأنها جانّ.
2 ـ في ساعة المحاورة مع فرعون: تحوَّلت إلى ثعبان مبين.
3 ـ في ساعة المباراة مع السحرة: تلقفت ما يأفكون، وأبطلت ما صنعوا من سحر.
4 ـ في ساعة الخروج : ضرب بها البحر فانفلق لينجو بنو إسرائيل ويغرق فرعون.
5 ـ في سيناء : ضرب بها الحجر فانبجست منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس مشربهم.
 
آية اليد:
ومن المؤيِّدات التي أيَّد الله بها موسى – عليه السلام – قبل إرساله إلى فرعون : آية اليد :
قال الله تعالى: [وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آَيَةً أُخْرَى(22) لِنُرِيَكَ مِنْ آَيَاتِنَا الكُبْرَى(23) ]. {طه}.
أي: واضْمُمْ يَدك اليمنى إلى إبْطك وأخرجها، تخرج بيضاء حسناء نيِّرةً مُشْرقةً من غير بَرَص، حالة كون هذه التحويلة في اليد دلالةً أخرى على صِدْقك، غيرَ آيةِ العصا وتحويلها إلى حيّةٍ تسعى.
فعلنا ذلك؛ لكي نُرِيَك ـ يا موسى ـ بعض آياتنا الكبرى، الدالَّة على عظيم قُدرتنا، وصحَّة نُبُوَّتِكَ.
ولقد أصابت موسى عليه السلام الخشية من الله تعالى حين رأى ما رأى، وسمع ما سمع من الله تعالى، فأمره الله تعالى أن يضمم إليه جناحه، أي: يضع يديه تحت إبطيه كأنه يحتضن نفسه حتى يطمئنَّ قلبه ويذهب ما به من الرهب والخوف. وهكذا كانت (العصا واليد) برهانان من ربِّ موسى على رسالته لفرعون و قومه وإلى بني إسرائيل.
 
قال سبحانه:[اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ(32) ]{ القصص}.
أي: أدْخِل يَدَك في فتحة قميصك، وأوصلها إلى إبْطك، وأخرجها بعد ذلك، تخرُجْ شديدةَ البياض متلألئةً مضيئةً من غير مَرَض ولا بَرَص، واضْمُمْ يَدَكَ اليُسرى إلى جانب صَدْركَ الأيسر، حيث قلبك، فيذهب ما نالك من أثر الخوف، فهاتان المُعجِزَتان الخارقتان العجيبتان: قلب العصا حيّةً مخيفةً، وقلب اليد السَّمراءِ بيضاء تبرُق كالبرق، حُجَّتان بيِّنَتَّان من ربِّك إلى فرعونَ وأشرافِ قومه ووزرائه ومسْتشاريه، وحاشية قصره؛ إنَّهم كانوا زمناً طويلاً عاصين، وما زالوا قوماً خارجين عن طاعة الله، تاركين لأوامره.
 
وقال تعالى: [وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ]{ النمل}
وأدْخل يَدَكَ اليمنى في فتحةِ قميصك من جهة الرأس، وضعها تحت عَضُدك الأيسر، وأخرجها تخرج بيضاء تبرق مثل شعاع الشمس من غير بَرَص، خذ هاتين الآيتين: آية العصا التي تنقلب ثعباناً، وآية اليد التي تخرج بيضاء من غير سوء، في جملة تسع معجزات، قدَّرت منحك إيَّاها، دليلاً على أنك رسولي، وأنك صادق فيما تبلِّغ عني، أنت مُرسَلٌ بهنَّ إلى فرعون وقومه؛ إنَّهم كانوا قوماً خارجينَ عن الطاعة

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين