خوف العيب

 

خوف العيب هو خوف محمود إن كان يحمل صاحبه على الفضيلة وإن مايعيبه الناس لهو ميزان للفضائل إن كانت البيئة التي تعيب الشيء صالحة مشربة بالفضائل.

 وقد يعيب الإنسان الشيء وهو فيه هذا العيب ولا يمنع كونه فيه أن تحمله همته للتخلص منه إن استطاع وإن كلمة سيدنا الأحنف بن قيس رحمه الله: لو عاب الناس الماء ماشربته.

فهو يعني بالناس المعتبر عقلهم وفهمهم وصلاحهم وسداد رأيهم. وإن مبالغة الأحنف لدليل لأهمية احترام السواد الأعظم من الناس في عيبهم بعض الأمور.

 

إذن نظر الإنسان لما يعيبه الناس وحمله على نفسه في اجتناب هذا الأمر ليس نفاقا ولكنه سبيل لاكتساب حسن الخلق. وقد يكون مايعاب شيئا حراما أو مكروها أو حتى مباحا بعض الأحيان ولكنه خلاف الذوق العام. 

 

ومن لا يخلو من العيب!!

 قال الشاعر علي بن الجهم رحمه الله  :

وَمَــــن ذا الَّــــذي تُرضـــى سَجايـاهُ كُلُّهــا

كَفــــى المَــــرءَ نُبــــلاً أَن تُعَــــــدَّ مَعايِبُــه

 

فعلى قدر ما يتخلص الإنسان من عيوبه حتى تعد قليلة يرتقي في مراقي الكمال من الشمائل الكريمة.

 

والإنسان الحر يعتني بنفسه ويحملها على مايزينها كما قال السمؤال بن عادياء:

 

إِذا المَرءُ لَم يُدنَس مِنَ اللُؤمِ عِرضُهُ****فَكُلُّ رِداءٍ يَرتَديهِ جَميلُ

 

وَإِن هُوَ لَم يَحمِل عَلى النَفسِ ضَيمَها****فَلَيسَ إِلى حُسنِ الثَناءِ سَبيلُ

 

وإن أكبر عيب أو سبب العيوب هو الجهل فعلى قدر ماينفى الإنسان عن نفسه الجهل على قدر مايتخلص من العيوب

 

قال الإمام الشافعي رحمه الله:

 

كلَّما أدَّبَنِي الدّهْـــرُ ... أَرانِي نَقْصَ عَقْلِي

 

وإذا ما ازدَدْت عِـلـْماً ... زادنِي علْماً بِجَهْلي

 

فالعلم هو سبيل الخلق الحسن وترك ما يعيبه الناس

 

فأساس كل عادة من عادات الإنسان فكرة فإن كانت فكرة صائبة أثمرت عادة حسنة ولايتأتى ذلك إلا بالعلم والمعرفة 

 

- وأنشد محمد بن إبراهيم بهاء الدين بن النحاس رحمه الله (698 هـ) : 

 

اليومَ شيءٌ وغداً مثلُه

 

مِنْ نُخَبِ العلم التي تُلْتقَطْ

 

يُحصِّلُ المرءُ بها حكمةً

 

وإنما السَّيْلُ اجتماعُ النُّقَطْ

 

وقال الإمام الشافعي رحمه الله أيضا:

 

أخي لن تنال العلم إلا بستة ..... سأنبيك عن تفصيلها ببيان

 

ذكاء وحرص واجتهاد وبلغة ..... وصحبة أستاذ وطول زمان

 

والعلم ليس له عمر محدد بل طول العمر مجال للعلم

 

والعمر كله أوان للطلب****وابن زياد بعد السبعين طلب

 

قال الشيخ الكتاني رحمه الله في كتابه التراتيب الإدارية:  قال البخاري رحمه الله باب الاغتباط بالعلم والحكمة وقد تعلم أصحاب رسول الله صَلى الله عليه وسلم في كبر سنهم.

والأولى أن يبدأ بالعلم صغيرا فيكبر ويكبر معه علمه

كما أوصى سيدنا عمربن الخطاب رضي الله عنه :"تفقهوا قبل أن تسوّدوا".

 

قال الشيخ عبدالعزيز بن عبداللطيف آل مبارك رحمه الله:

 

وَتَعلَّموا فالعِلمُ معراجُ العُلا

 

ومفاتحُ الإِخصابِ والإِمراعِ

 

العِلمُ ليسَ لِنَفعِهِ حدٌّ وَلا

 

حَدٌّ لضرِّ الجَهلِ بالإِجماعِ

 

فَخذوا مِنَ الغَربِيِّ خَيرَ عُلومِهِ

 

وَذَرُوا قبيحَ خَلائِقٍ وَطِباعِ

 

وإِذا عَلِمتُم فاعملوا فالعِلمُ لا

 

يُجدِي بلا عَمَلٍ بِحُسنِ زَمَاعِ

 

فالمَرءُ غُصنٌ والعُلومُ زهورُهُ

 

وثمارُهُ الأَعمالُ بالمُصطَاعِ

 

وابنُوا عَلى التَّقوى قواعِدَكُم فمَا

 

يُبنى عَلى غير التُّقى مُتَدَاعِ

 

والعلم يحيا ويزيد بالإنفاق منه

 

قال أبو إسحاق الألبيري رحمه الله

 

في قصيدته الشهيرة في وصية ابنه أبوبكر رحمهما الله

 

وكنز لاتخاف عليه لصا****خفيف الحمل يوجد حيث كنتا

 

يزيد بكثرة الإنفاق منه****وينقص إن به كفا شددتا

 

فإن تعلمت حرفا من العلم فعلمه يكون نورا لك في الحياة وبعد الممات

 

جمال ذي الأرض كانوا في الحياة وهم**** بعد الممات جمال الكتب والسير

 

فعندما تعلم وتعمل وتعلم نلت الحسنيين العلم والعمل وهما أساس كل نهضة في الأمم فبالعلم والعمل نقطع مسافات في الحياة والحضارة ماكنا نحلم بها

 

أسأل الله الهدى والسداد وأدعو بدعاء النبي صَلى الله عليه وسلم:

"اللهم اهدني لأحسن الأخلاق فإنه لايهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عني سيئها فإنه لايصرف سيئها إلا أنت".

 

كتبه فهد بن أحمد بن علي آل الشيخ مبارك ليلة الجمعةالسادس عشر من جمادى الآخرة لعام ألف وأربعمائة وسبعة وثلاثين لهجرة سيدناالمصطفى صَلى الله عليه وسلم

الموافق الخامس والعشرون من مارس لعام ألفين وستة عشر لميلاد المسيح سيدنا عيسى بن مريم على نبينا وعليهما الصلاة والسلام

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين