
من فضل الباري علي أنني اتخذت ورداً في قراءة ما تيسَّر من صحيح البخاري بعد فجر كل يوم مستعيناً على فهم بعض الأحاديث بكتاب "فتح الباري" للحافظ ابن حجر العسقلاني .
وكان رزقي من القراءة هذا اليوم هو (باب عمل صالح قبل القتال ,وقال أبو الدرداء:إنما تقاتلون بأعمالكم).
واستوقفتني في هذه القراءة ثلاثة أمور.
أولاً :عظيم صنع البخاري حينما ذكر في الترجمة قوله: (عمل صالح قبل القتال- وعزا بعدها لأبي الدرداء -معلقاً- قوله: إنما تقاتلون بأعمالكم) مع أنّ ما قبله هو من قول أبي الدرداء أيضاً, واكتفى بالترجمة أن ينسب لأبي الدرداء العبارة الأخيرة فقط بسبب الرواية المنقطعة بين ربيعة وأبي الدرداء, ولم يرد إغفاله فذكره بدون عزو, ولما اتصل قوله :(إنما تقاتلون بأعمالكم) علّقه ولم أدرك سر التعليق لعدم وجود مراجع أخرى بين يديّ ولعله لم يوافق شرطه فلذلك علّقه. فلله درك يا أبا عبد الله ما أعظمك!
الأمر الثاني: وقفت عند قول الحق سبحانه وتعالى (إن الله يحب الذين يقاتلون في صفه سبيلا كأنهم بنيان مرصوص) وقد قفز إلى ذهني على الفور: حال الكتائب المقاتلة في صفوف الجيش الحر وتفرقهم وتشرذمهم ولعل هذا من أسباب إبطاء النصر, وتأخير إقباله والذي هو آت لا محالة فأهم الأسباب إذاً أن المقاتلين لا يقاتلون في صف واحد ولعدم وجود الترابط فيما بينهم, وكثرة التفكك, وكل كتيبة لها قيادتها المستقلة, ثم تساءلت : هل المقصود بالصف الواحد أن تكون الكتائب كلها تحت قيادة واحدة؟ وتحت إمرة قائد واحد؟ أم أن المقصود بالصف هو نوع آخر؟ فعدت إلى " المعين" لأستعين به على تدبر هذه الآية في سورة الصف, والتي كان لي شرف بأخذ حديثها المسلسل من مفسرها مباشرة ، ووجدت فيه بغيتي وحمدت الله أن فهمي وافق قوله: (وليس معنى وحدة صف المقاتلين أن يواجهوا عدوهم على طريقة الصف المتراص كتفاً بكتف لأن ذلك قد يمكِّن العدوَّ من حصدهم بالأسلحة النارية الحديثة بسرعة خاطفة. وفي الآية : الحث على القتال في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا، وأن يواجه جنود الإسلام أعداءهم صفا سويا راسخا كالبنيان الذي تتعاون لبناته وتتضام وتتماسك, وتؤدي كل لبنة دورها وتسد ثغرتها لأن البنيان كله ينهار إذا تخلت منه لبنة عن مكانها تقدمت أو تأخرت أو تخلت عن أن تمسك بأختها تحتها أو فوقها أو على جانبيها سواء) انتهى كلامه حفظه الله.
فوحدة الصف إذاً أن يعمل كلٌّ بحسب موقعه، فالجندي في ثغره، والطبيب في مصحه، والعالم على منبره وبين الجنود مرشداً ومعلماً وموجهاً ،والسياسي يسوس الجميع بحسب موقعه، والتاجر بماله, والكل في صف واحد ميمِّمين وجوههم شطر هدف واحد ألا وهو رضا الله وإعلاء كلمته, هذا ما فهمته من وحدة الصف.
الأمر الثالث: وقفت عند قوله صلى الله عليه وسلم للرجل الذي لم يسمه لنا البراء رضي الله عنهما عندما سأل النبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله أقاتل أو أسلم؟ قال: أسلم ثم قاتل, وأردت أن أسقط مفهوم هذا الحديث على واقع ثورتنا المباركة التي كان شعارها في بداية انطلاقتها: هي لله هي لله, والسؤال الذي أبحث له عن جواب: لماذا عبثاً نحاول أن نزج غير المسلمين في ثورتنا بعد أن فرض الله عليها العسكرة؟ وأولئك كانوا قد رغبوا عنها في الوقت الذي كان الذين يخرجون بصدورهم العارية حاملين شعار السلمية أحوج ما يكونون إلى تصريح من أولئك حتى ببيان على عينك يا تاجر! وكل ذلك لم يكن ,فلماذا نسعى اليوم لأن نزج بهم إعلامياً في هذه الثورة المعسكرة؟ ألا نخشى إذا وضعت الحرب أوزارها أخذوا غنائمها وجنوا ثمارها التي تغذت من دماء شهدائنا.
أليس حرياً بنا أن ندعوهم للإسلام قبل أن ندعوهم القتال؟!
جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين

التعليقات
يرجى تسجيل الدخول