ثورتنا ومعركة محمد الفاتح

لا احد يشك بأهلية السلطان محمد الفاتح للنجاح فهو الحائز بلا جدال على ميدالية الرسول صلى الله  عليه وسلم بل ومعه جيشه ايضا في الحديث المشهور (لتفتحن القسطنطينية فلنعم الامير ذلك الامير ولنعم الجيش ذلك الجيش ) وتتميز معارك فتح القسطنطينية بوجود أرشيف دقيق لها ومن المفيد أن ندرس معارك الفتح ونضع الثورة السورية بين يديها لنقارن الاداء ونسلط الضوء على ما ينبغي تطويره

ولد محمد ابن مراد الثاني بجر الاحد  في 20 ابريل 1429  في أدرنة

تقلد محمد الفاتح الحكم وعمره 21 عاما بعد وفاة والده السلطان مراد الثاني وكان يوم وفاة والده في ثكنة صاروخان قرب مانيسا بينما توفي والده في ادرنة على حدود اليونان

وسبق ان تقلد الحكم صبيا وبضغط من وزراء ابيه وخاصة الوزير خليل باشا تم عزله وعمره ستة عشر عاما وعاد مراد الثاني الى الحكم بسبب الوضع العسكري غير المستقر

حفظ السلطان محمد وهو فتى القرآن ودرس الهندسة وتعلم اللغة اللاتينية والفرنسية والصربية والعربية والعبرية واليونانية  ودرس العقيدة النصرانية  إضافة إلى دراسته الفقه الاسلامي والعلوم العسكرية

احتفظ السلطان محمد بوزراء أبيه وهم خليل جندرلي باشا وزاغنوس وساروجا وقرب إليه شيوخه آق شمس الدين وملا كوراني

بدا سياسته بالحرص على الاستقرار ولم يقم بتغيير إدارة والده كما أرسل رسائل تطمين وطلب عدم إعتداء الى روما وملك البلغار وملك المجر

وافق السلطان محمد على زيادة تسديد الجزية الى الامبراطور قسطنطين والمدفوعة لمنافسه وحليف الدولة البيزنطية الامير اورخان وهو أمير عثماني يعادي السلطنة وهومن منطقة وسط الاناضول من قرمان والتي يحكمها منافس آخر وهو أوغلو إبراهيم

بداية احداث المعركة:

تمكنت قوة من عسكر السلطان محمد من القبض على حامل رسالة من الامير اورخان الموجود في البلاط الامبراطوري إلى اوغلو إبراهيم يعرض عليه التعاون لتشكيل جبهة مضادة للسلطان محمد وعلى أن يعتلي عرش السلطة أورخان وورد في المراسلة أن خليل باشا وزير السلطان يؤيد الخطة

رداً على المؤامرة التي حاكها الامبراطور قرر السلطان محمد التوقف عن دفع الجزية وكلف الوزير خليل باشا بإنشاء القلعة على الطرف الاوربي لمضيق البوسفور لقطع الامدادات القادمة من البحر الاسود الى القسطنطينية وقد سبق ان بنى جده بايزيد الاول قلعة على الطرف الاسيوي لنفس الغرض .. عارض الوزير خليل باشا الفكرة معللا بانها بمثابة اعلان حرب على أوربا كافة . 

رفض السلطان الاعتراضات وأشرف بنفسه على بناء القلعة والتي تم إنجازها في جو الحرب والهجمات على المشروع وخلال تسعون يوماً.

نجحت القلعة في اعتراض سفن الامداد واغرقت مدفعيتها السفن العابرة الى القسطنطينية

احس الامبراطور بخطورة نوايا السلطان الشاب خاصة بعد سعيه الى تصنيع مدافع أقوى

وكان مهندس بلغاري يدعى اوربان قد توصل الى تصنيع مدفع يتحمل حرارة وضغط اكبر من خلال اضافة القصدير والنحاس الى الفولاذ فقام الامبراطور باعتقال المهندس اوربان وسجنه في القسطنطينية .. ونجحت قوات السلطان الفاتح من خطف اوربان ونقلته الى أدرنة حيث تم تجهيز ورشة خاصة لتصنيع المدافع وتبعد أدرنة عن استانبول حوالي 250 كيلومتر

أمر السلطان بتصنيع مئات السفن الحربية في بحر مرمرة قرب مضيق الدردنيل

تعرض المهندس اوربان لمحاولة اغتيال في ادرنة افشلتها قوات السلطان وتم تصنيع أربع مدافع زنة كل مدفع ثلاث اطنان وجرى نقلها الى القسطنطينية

وتم تركيزها في المنطقة بين توب كابي وادرنة كابي من جهة الغرب وهي المنطقة القريبة من شارع الوطن حاليا ومحطة مترو اولوباتلي

 بدا الحصار بقوات تقارب الثمانون الف مقاتل وتوقع المؤرخون عدد المدافعين بخمسين الفا وذلك في السادس من ابريل 1453 ويوافق اعياد الفصح لدى النصارى.

ضم جيش السلطان الافا من البلغار والمجر والبيزنطيين الذين قدموا لأجل الغنائم والاموال ووضعهم السلطان في المقدمة وأبقى قوات الانكشارية في الخلف لغرض انهاك البيزنطيين والاحتفاظ بقوته الضاربة للمعركة الحاسمة كما شكل قوات الاستطلاع التي تخترق قوات العدو والمعروفة بلباس النمور واختار النخبة لقوات الحرس السلطاني وكان يجري لهم اختبارات قاسية اضافة الى اختبارات الجري ويحيط هؤلاء بخيمة السلطان

في 20 ابريل وصلت من البابا خمس سفن حربية وثلاث سفن امداد ونجت في اغراق 12 سفينة عثمانية ودخلت ميناء المدينة وطرد السلطان قائد القوة البحرية بلطة اوغلو

كما فشلت في الثامن عشر ابريل محاولة اختراق السور المزدوج عبر جسر من الاخشاب

واحترقت بعض الابراج الخشبية ذات الثلاث طوابق والمغلفة بالجلود والطين امام ضربات النار الاغريقية

وانهار نفق اثناء الحفر على الجنود تحت السور كان الغرض منه تفجير السور

طلب السلطان من أوربان زيادة عدد القذائف المدفعية ونتج عن ذلك انفجار احد المدافع وقتل المهندس اوربان في الحادث

نجح الجنود في الواحد والعشرين من ابريل من نقل السفن عبر الجبل من طرف كابا تاش الى قاسم باشا متجاوزين بوابة الميناء المغلقة بالسلاسل وذلك من بعد الظهر وحتى قبل الفجر اليوم التالي  وكان عدد السفن حولي 300 منها 12 سفينة حربية

وفي الثامن والعشرين من إبريل أقام الجنود جسراً من البراميل في الخليج وصدوا هجومين

تميزت الفترة من 28 ابريل الى 25 مايو ايار بالجمود والقلق خاصة أن ملك المجر ألغى  اتفاقية السلام وقرر إرسال حشود الدعم  وشعر الجنود بالإحباط لعدم تحقيق أي تقدم من الطرف الغربي وحصلت بعض القلاقل في صفوف الجنود وحاول الوزير خليل باشا الضغط لإنهاء الهجوم لكن السلطان والشيخ آق شمس الدين وبقية الوزراء رفضوا ورفعوا شعار إما سقوط القسطنطينية أو موتنا.

وارتفعت معنويات الجيش عندما رأى الشيخ آق شمس الدين في المنام مكان قبر الصحابي أبا أيوب وعثر عليه حقيقة كما راه في المنام بوجود السلطان في موقع الحفر.

في الثامن والعشرين من أيار أنهت مجموعة الحفر النفق الخاص لتفجير البرج الغربي بنجاح

في التاسع والعشرين من أيار ليوم الثلاثاء الموافق 20 جمادى الاولى تم الهجوم الشامل فجراً وتم تفجير البرج من النفق ونجح حسن اولوباتلي في نزع الراية البيزنطية ذات النسر ونصب الراية العثمانية وسقط شهيداً فوق الراية وعبر السلطان بفرسه جانبولاد وعبر الجنود من الجهة الغربية ومن الميناء وهرب القائد جيستياني جريحا وأصيب الامبراطور قسطنطين فهرب من سراية تكفور فراه مقاتل عربي جريح فهجم عليه وهو مصاب وقتل الامبراطور وقطع راسه ..ودخل محمد الفاتح ظهراً ورفع أذان العصر فوق كنيسة أيا صوفيا وصلى فيها العصر .. 

ثم أعدم الخائن اورخان ونوتاراس واعتقل وزيره خليل باشا وحاكمه لمدة سنة كاملة وبعد ان ثبتت عليه تهمة الخيانة والتآمر على الدولة لصالح العدو أعدمه

كان السلطان حريصاً على أمن الدولة لكنه فشل في المحافظة على أمن قصره عندما تمكن اعداؤه من زرع الطبيب يعقوب باشا والذي إدعى الاسلام وهو من إصول ايطالية وكان يضع له السم التدريجي وعندما علم بنيته غزو ايطاليا وضع له جرعة كبيرة وتوفي السلطان في 3 مايوم عام 1481 متاثراً بالسم.

 تحليل ومقارنة بواقعنا:

صراعات وتنافس وخيانات داخلية وخارجية وتحالف غربي ..كل هذه الحالات وجدت في مرحلة السلطان الفائز بالخيرية التي منحه اياها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم

بل كانت دولته تدفع الجزية لامبراطور القسطنطينية .. بل كان عدوه يفرض عليه وجود قوة منافسة عثمانية ويفرض عليه تمويلها ايضا ..وعندنا معارضة داخل دمشق يرعاها بشار

كان الدافع لخيانة وزيره خليل جندرلي كرهه لمنافسه الذي يحبه السلطان وهو منللا كوراني

وكانت دولة قرمان شوكة في خاصرة السلطان يرعاها الامبراطور

لم يقسم السلطان العالم الى فسطاطين بل ارسل رسائل تطمين الى البابا وملك البلغار وملك المجر ووافق على زيادة مبلغ الجزية الى 300 الف

لم يهدم كيان دولته وابقى على وزراء والده رغم احساسه بخيانة وزيره خليل جندرلي

كانت مخابراته متفوقه في ملاحقة المؤامرة والقبض على المراسل المسافر من القسطنطينية الى قرمان كما نجحت مخابراته في اختطاف المهندس اوربان ونقلته الى ادرنة

ونجحت ايضا في حمايته من الاغتيال اثناء تصنيع المدافع

ونجحت الدولة في انشاء مصنع المدافع ونجحت في نقل اربع مدافع وزن كل واحد ثلاث اطنان لمسافة 250 كيلومتر في اراض وعرة

استوعب القوى المنتفعة او الكارهة للامبراطور من غير المسلمين ونجح في تجنيدهم ووضعهم في الصفوف الاولى واحتفظ بقوته للمعركة الحاسمة

كان اصراره على الهدف كبيرا ولم تهتز عزيمته امام الاخفاقات العديدة كانهيار النفق الاول وفشل الهجوم على السور الغربي واحتراق الحصون الخشبية وانفجار المدفع ومقتل اوربان وتدمير السفن في بحر مرمرة

اعتمد على الشعور الديني والخطب الحماسية والطبول الكثيرة جدا والتكبير في رفع معنويات الجيش بل اكثر من ذلك كانت الفرقة العسكرية تضرب طبول المهتر طوال فترة المعركة وباستمرار

كان السلطان قائدا في مقدمة المعركة ولم يكن في الصفوف الخلفية

كانت المعركة بقيادة وحيدة وارادة وحيدة وهدف وحيد

كان السلطان يرجع باستمرار الى مجلس المستشارين في ميدان المعركة وخاصة في اليوم السابع والعشرين من ايار 1453

لم تكن بيئة الصراع ولا الشعب من المدينة الفاضلة  بل حوت كل المشاكل التي نعيشها اليوم تماما ومع ذلك كان القائد نعم القائد وكان الجيش نعم الجيش

كان دور العلماء مثل اق شمس الدين وكوراني اساسيا في حسم المعركة ولم يتطلع العلماء الى الفوز بالمناصب العسكرية ولا السياسية بل رجع الشيخ اق الى قريته قرب بورصة رغم الحاح السلطان ورضي ان بنى له مدرسة شرعيى يعلم فيها الناس امور دينهم والشيخ اق من مواليد دمشق .. وعندما توفي الشيخ ذهب السلطان الى القرية وصلى عليه

ماذا نحتاج اليوم لنجاح ثورتنا :

التخلي عن الاهداف الحزبية والشخصية.

التخلي عن القيادات المختلفة والانتقال الى قيادة وحيدة.

الاصرار على هدف وحيد.

تاجيل كل المشاريع السياسية لمرحلة ما بعد سقوط عصابة بشار

الاعتماد على القوة الذاتية وعدم الارتهان للخارج ومطالبة الخارج باداء واجبه غير المشروط ولكن بدون توقع الكثير منه.

عدم الاستهانة بقوة العدو.

الاصرار على بناء قوة استخبارات متطورة.

الضرب بيد من حديد لكل محاولة لانشاء قيادات منافسة او برامج تتعارض مع الهدف الوحيد.

تجميع الشعب حول الهدف الوحيد ورفض بحث اي تفاصيل تدعو الى التشتت

الاصرار على وحدة الشعب ووحدة التراب  ووطنية المعركة ورفض عالميتها

الاصرار على ان الوطن امانة والتعهد باعادته للشعب بعد التحرير

توحيد القوة الاعلامية والرسالة الاعلامية بما يتطابق مع الهدف ومنع كل مخالفة

توحيد الدعم المالي لصالح القيادة الوحيدة

الاصرار على ان لا خلاص للشعب والوطن الا بانهاء كل العصابة بالكامل .

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين