ثقافة الهدم والتفرقة

 

علينا أن نعترف أن قسما عظيما ممن يوجهون الثقافة الشرعية في عالمنا الإسلامي اليوم دخلوا علوم الشريعة من غير أبوابها: فلم بدرسوها في متونها المحررة، ولا تلقوها عن أربابها الحاصلين على سندها، بل تلقوها من كتب كانت على هامش ثقافة الأمة، فظنوا ان هذه هي الثقافة الشرعية الحقة. وحالهم كحال من أراد التعرف على لعبة كرة القدم، فوجه -خطأ- إلى ملاعب يستعرض فيها بعض الهواة مهاراتهم دون أن ينافسهم على امتلاك الكرة أحد، فيتفنون في ارسال الكرة واستقبالها ويغازلونها بمختلف أعضائهم من القدم إلى الرأس.. واعتاد هذا الشخص على تلك الميادين، وظن أن هذه هي كرة القدم.. فلما نبه إلى أن كرة القدم الحقيقية تمارس برعاية مؤسسة وتحت مراقبة إدارة تقنية يرأسها مدرب، وفيها منافسة بين الفرق، والمدرب هو الآمر الناهي، وأن اللاعب مهما على كعبه في اللعبة عليه أن يلتزم بتعليمات المدرب، وأنه إذا امتلك الكرة ورأى زميلا له في وضعية أحسن منه عليه أن يرسل إليه الكرة ولا يغازلها في هذه الخالة ولا تغازله.. بل المغازلة ممنوعة مطلقا إذا كان سينتج عنها فقدان الكرة واستيلاء الخصم المنافس عليها.. فهذا الشخص إذا نبه على ذلك أنكر أن تكون هذه هي كرة القدم! وإن كانت كذلك فلا بد من أن تغير ويجتهد فيها حتى تصبح قريبة من تلك التي اعتاد على مشاهدتها.. فما نقرؤه -مثلا- في كتب الخلاف الفقهي والأصولي والحديثي وفي علم الكلام وكذلك ما نقرؤه في مؤلفات العلماء الأقدمين اللامذهبيين.. كل ذلك إنما هو عبارة عن استعراض العالم لمهاراته في معالجة المسائل المعروضة. والتلقي منها وحدها دون غيرها لا يكسب الطالب علما، وإنما يتولد فيه انبهار ثم اغترار ثم كبر، ثم يصبح عاملا من عوامل الهدم والتفرقة. 

أما الطريق الصحيح للعلم فهي في المتون العلمية المحررة التي توالت على تنقيحها وتهذيبها أجيال، واستقامت عليها حياة الناس، والذي يتلقى العلم من هذا الباب يتولد فيه تواضع فرسوخ في العلم. والراسخون في العلم لا يكونون وبالا على أمتهم بنص القرآن.. إننا أيها الإخوة اليوم في زمان قد اختلت فيه بنية التعليم الشرعي "البيداغوجية"، بفعل المستعمر وأذيال المستعمر، فالذنب إذن ليس ذنب الطالب الذي يصبح فيما بعد أستاذا موجها جاهلا بالثقافة الحقيقية للأمة، ولكن الذنب ألا نتفطن لهذا الوضع فنعمل على إصلاحه وتدارك الخلل فيه. 

والله أعلم وأحكم.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين