بقلم عبد الحكيم الأنيس
***
كلمة الأخ الفاضل الدكتور الشاعر عبد الحكيم الأنيس حفظه الله تعالى.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَنْ والاه.
فضيلة الأستاذ الجليل العالم المفسِّر الشيخ المربِّي عيادة بن أيوب الكبيسي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وبعدُ:
فأبدأُ بشكركم على إتاحتكم فرصة طيبة مباركة بإطلاعي على أرجوزتكم (الأرجوزة المكية في الصلوات السنية على خير البرية بالأسماء الإلهية والشمائل المحمدية مع دعوات ونصائح أخوية).
وأقول: لقد قرأتُ هذه الأرجوزة وشرحَها، وشعرتُ بأثرها ينساب في نفسي انسيابَ الماء البارد على الظمأ، وحسبُ الشعر أن يكون كذلك.
وكنتُ قد وقفتُ على قصائد متعددة توسَّل فيها أصحابُها بأسماء الله الحسنى، ولا أعلمُ أحداً دعا الله تعالى بها سائلاً وراجياً الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا فضلٌ ادَّخره اللهُ لكم، وقد جمعتم فيها بين العمل بقوله تعالى: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها)، وقوله تعالى: {إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما}.
والعملُ بآيتين في آنٍ واحد شيء جميل، وفيه ثوابٌ جزيل إن شاء الله تعالى.
وقد قال بعضُ الداعين بالأسماء الحسنى:
دخلتُ بأسماء الإله لبابهِ أؤمِّل بالأسماء من بابه جبري
وأنتم دخلتم بالأسماء الحسنى، وبالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم الفضلى، فاجتمعت الشفاعتان، وتآزرت الحسنيان، وقوي الظنُّ بالقبول المرجو.
أما المناجاة التي جاءت بعد ذلك ضمن الأرجوزة، وفي الشرح فهي مناجاة صادقة دافقة بالخير، طافحة بالبركة، وقد سرتم فيها على الطريق الأمثل الذي سار فيه قبلكم الموفقون.
إنَّ اللجوء إلى الله سبحانه وتعالى والاستعانة به، والعكوف على بابه الكريم، من أفضل الأعمال، وأنجح الآمال، وأبلغ المقاصد لتحصيل خيري الدنيا والآخرة.
وما أجملَ ما قاله الأديبُ الشاعرُ المصنِّف الفاضلُ إسماعيل بن يحيى اليزيدي (ت قبل 270هـ):
كلما رابني من الدهـــــر ريبٌ فاتكالي عليك يا ربّ فيهِ
إنّ من كان ليس يدري أفي المحــــــبوب صنعٌ له أو المكـروهِ
لحريّ بأن يُفــوّضَ مــــا يعــــــــــــجز عنه إلى الذي يكفيهِ
الإلهِ البرِّ الذي هو في الــــرأ فةِ أحنى من أمِّــه وأبيــــــهِ
قعدتْ بيَ الذنوبُ أستغفر اللــــــهَ لها مخلصــــــــاً وأستعفيهِ
كم يُوالي لنا الكـــرامةَ والنعـــــــــمةَ من فضله وكم نعصيهِ!
وما قاله النحويُّ الأديبُ أبو منصور أسعد بن نصر البغدادي (ت 589هـ):
قل لِمَن يشكو زماناً حاد عمّا يرتجيـــهِ
لا تضيقنّ إذا جــــا ء بما لا تشتهيــــهِ
ومتى نابــك دهـــرٌ حالت الأحوالُ فيهِ
فوّض الأمرَ إلى اللــــ ـه تجدْ ما تبتغيــــهِ
وإذا علقت آمــــَــــا لك فيـــه ببنيـــــــهِ
حرتَ في قصدك حتى قيل: مـاذا بـ: نبيـــهِ؟!
وما قاله الصدرُ الكاتبُ الشاعرُ زين الدين محمد بن عبيد الله بن جبريل (ت 674هـ):
إنما الشكوى إلى الـــخلق هوانٌ ومذله
فاترك الخلقَ وأنزلْ كلَّ حاجاتك بالله
وما قاله الإمامُ الجليلُ المتفنَّن ابن سيد الناس (ت 734هـ):
صرفتُ الناسَ عن بالي فحبلُ ودادِهم بالي
وحبلُ الله معتصمــــي به علقتُ آمـــــالي
ومن يَسْلُ الورى طراً فإني عنهمُ ســـالي
فلا وجهي لذي جاهٍ ولا ميلي لذي مالِ
وقد تنزلُ بالإنسان شدةٌ تحدثه نفسه باللجوء فيها إلى وجيه لكشفها، ثم تدركه رحمةٌ من الله فيتوجه إليه، ويكون الخير كله، وفي ذلك قصص وأخبار جميلة[1].
منها ما جاء عن العالم الأديب النحوي أبي الحسن علي بن محمد بن النضر الإسنوي (توفي في القرن السادس الهجري) فقد قال:
أملقتُ سنة، وكنتُ أحفظُ كتاب سيبويه وغيره عن ظهر قلب، حتى قلت: إنَّ حرفة الأدب قد أدركتني، فعزمتُ على أنْ أقول شعراً في والي عَيذاب بمصر، فأقمتُ إلى السَّحَر فلم يساعدني القول، وأجرى الله القلمَ فكتبت:
قالوا تعطفْ قلوبَ الناس قلتُ لهم أدنى من الناس عطفاً خالقُ الناسِ
ولو علمتُ بسعيي أو بمســـــألتي جدوى أتيتهمُ سعياً على الـــراسِ
لكنّ مثليَ في ســــاحات مثلهــمُ كمزجَر الكلبِ يرعى غفلةَ الخاسي
وكيف أبسطُ كفي بالسؤال وقد قبضتُها عن بني الدنيا على اليـاسِ
تسليمُ أمري إلى الرحمن أمثلُ بي من استــلاميَ كفَّ البرِّ والقاســي
قال:
فقنعتْ نفسي، وما أقمتُ إلا ثلاثة أيام وورد كتاب والي عَيْذاب يوليني في خطة "الصعيد"، وزادني "إخميم"، ولقبني "قاضي القضاة"!!
ومن شعره ولعله قاله في ذلك الإملاق:
يا نفسُ صبراً واحتسـاباً إنهـــــا غمــراتُ أيــــامٍ تمرُّ وتنجلي
في الله هَلكُكِ إنْ هلكتِ حميـــدةً وعليه أجرُكِ فاصبري وتوكلي
لا تيأسي من روح ربك واحذري أنْ تستقري بالقنوطِ فتخذلي
وقد درجَ العلماءُ الموفقون في كل عصر على التعلق بالله، والرجوع إليه ومناجاته بأعذب الكلمات، وأجمل المعاني، مستمدين منه الحوائج والمطالب كلها، مقرِّين بالمعنى الذي قاله المؤرِّخُ شمس الدين الجزري (ت 739هـ) في آخر أبياته هذه:
إلهيَ قـد أعطيتني مـا أحبــّـــهُ وأطلبه من أمر دنيايَ والـدينِ
وأغنيتني بالقنع عن كلّ مطمعٍ وألبستني عزاً يجلُّ عن الـدونِ
وقطعتَ عن كلّ الأنامِ مطامعي فنُعماك تكفيني إلى يومِ تكفيني
ومَنْ دقّ باباً غيرَ بابِك طامعاً غدا راجعاً عنه بصفقـةِ مغبونِ
ومِن استغاثاتهم بالله الجملية المؤثرة، قولُ الإمام أبي القاسم الحسن بن محمد بن حبيب النيسابوري (ت 406هـ):
بمَنْ يستغيثُ العبدُ إلا بربـــــهِ ومَنْ للفتى عند الشــدائد والكـــــــربِ
ومَن مالك الدنيا ومالك أهلِها ومن كاشفُ البلوى على البعد والقربِ
ومَنْ يرفع الغمَّاء وقت نزولها وهـل ذاك إلا مـن فعــالك يا ربــــي؟!
وقولُ الفقيه الناسك إبراهيم بن عبد الله السبتي الغرناطي (ت 751هـ):
أتينــاكَ بالفقـر لا بالغنى وأنت الذي لم تزلْ مُحْسنا
وعودتَنا كلَّ فضلٍ عسى تديمُ الذي منك عوَّدتنــا
وقد ذكَّرني وقوفُكم عند الملتزم، ومناجاتُكم لله في المناجين الخاضعين الخاشعين الباكين، بأبيات الأديب الحسن بن يحيى البندينجي البغدادي (ت 600هـ) التي قالها ارتجالاً وهو متمسكٌ بأستار الكعبة:
يا إلهي يا غافرَ الذنبِ يا مســ دي العطايا يا دائمَ الإحسانِ
عبدُك المسـرف المفرّط يدعــــو ك بذلٍ خوفـــــاً من النيرانِ
وهو مستمسكٌ ببيتك يرجو رحمةً منك معْ بلوغِ الأماني
فاغفرِ الآن ذنبه واعفُ عنــهُ وتصدقْ عليه بالــــــرضوانِ
وأمّا النصائحُ التي ختمتم بها فهي نصائحُ غالية، وحِكَمٌ عالية، دللتم فيها على الخير، ودعوتم إلى الرشد، وذكَّرتم بالحق.
فجزاكم اللهُ خيراً على ما قدَّمتم و تقدِّمون، ونفع بقولكم وعملكم، وآتاكم من فضله خير ما يؤتي عباده الصالحين.
وصلّى اللهُ على سيدِنا محمد معلِّم الناس الخير، وعلى آله وأصحابه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.
عبد الحكيم الأنيس
دبي في 5 من ذي الحجة 1430هـ.
أقول تأييدا لما ذكره الدكتور عبد الحكيم: ومَن يتابع ما نذكره في سلسلة (شذرات من مزايا رجال صحبتهم) التي نكتبها على صفحات مجلة الرباط الغراء التي تصدر بالموصل في العراق، يجد من أمثال هذا الشيء الكثير، ففضل الله تعالى ممدود، وجوده غير محدود. عيادة الكبيسي.
جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين
التعليقات
يرجى تسجيل الدخول