بوسطجي إسرائيل

 

بعد مرور ثمانية أيام على العدوان على غزة، وبعد إغلاق معبر رفح أمام المرضى والمصابين، وعلوق أكثر من خمسة عشر ألف إنسان من الفلسطينيين، من الأطفال والنساء، بل من غير الفلسطينيين، وبعد حجز الأدوية ومنع الأطباء من الدخول، حتى قال أحد الأطباء النرويجيين متعجبا: بينما منعتني مصر من دخول غزة عبر معبر رفح لعلاج المصابين، سمحت لي إسرائيل بدخولها عبر معابرها!! وبعد إطلاق القنوات الرسمية والخاصة، بل بعض مَن يلبسون رداء المشايخ، نوبات الردح والسباب للمقاومة، والتمجيد للعدو الصهيوني، وتأييد إسرائيل في العدوان على الأبرياء والمدنيين في غزة، عيانا بيانا بلا رادع من الدين، ولا حياء من الناس، للدرجة التي لم تجد القنوات الإسرائيلية أفضل من كلامهم حجةً للدفاع عن عدوانهم.

 

أعلنت السلطات المصرية ابتداء رفضها للتوسط بين إسرائيل وحماس، حين كانت تظن أن المقاومة لن تصمد إلا أيامًا معدودة أمام إسرائيل، ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، فقد أبهرت حماسُ إسرائيلَ والعالم، بصواريخها المتعددة، وطائراتها بدون طيار للاستطلاع والهجوم، وبسالة كتائبها، والتفاف شعبها حول خيار المقاومة، فخرج قائد الانقلاب العسكري المصري ليلقي بطوق النجاة إلى حلفائه في تل أبيب، بطرح تهدئة ليس له فيها غير أنه ساعي البريد، تهدئة مجحفة بالمقاومة، لا تقدم لهم شيئًا، ولا تحمل في طياتها إلا معاني الذل والخزي والعار والهوان، وتهدف إلى تركيع المقاومة وخنوعها أمام العدو الصهيوني على المدى البعيد.

 

مبادرة تحقق لنتنياهو بالتهدئة، ما فشل أن يحققه بالعدوان، من القضاء على المقاومة، عبر استخراج قرار من الأمم المتحدة يقضي بنزع مشروعيتها، ثم نزع سلاحها. وللأسف هناك دول عربية تعمل على ذلك، بل تردد أن دولًا عربية شريكة في هذا العدوان بالتمويل.

 

كيف يكون هناك تهدئة، يطِّلع عليها طرف واحد من أطراف النزاع، ولا يعلم بها الطرف الآخر، إلا من خلال وسائل الإعلام؟ والأدهى أنها تطالب الطرفين بوقف إطلاق النار، في ساعة محددة، أي غرور هذا؟!!

 

وما فعلت السلطات المصرية إلا أن قطعت الطريق على المقاومة، حتى لا تفرض شروطها، أو بعضها على الأقل، في حال قبول التهدئة، أو إظهارها بصورة من يسعى للاستفزاز، ويرفض التهدئة، مما يعطي إسرائيل مبررا للاستمرار في ضرب غزة.

 

أيها الانقلابيون، لم تراعوا حق إخوة الدين والعروبة، ولا حق الجوار، ولا حق التاريخ المشترك والمستقبل الواحد، وأنتم بمبادرتكم هذه في نظر المقاومة عدو صريح، يجري التعامل معكم فقط بسبب ضرورة الجغرافيا. وعدم التعامل معكم هذه المرة هو الخيار الأصح.

 

رحبت بالتهدئة إسرائيل؛ لأنها من صياغة حلفائهم الأمريكان، ورحَّب بها عباس، وليس له في القضية ناقة ولا جمل، ورفضتها المقاومة- وقد أحسنت في ذلك- وطالبت أن تكون أي تهدئة في غزة وفقًا لشروط المقاومة، وحفظا لتضحيات الشعب الفلسطيني الصامد.

 

لم تبدأ حماس الحرب كما يقول الإعلام المتصهين في القاهرة، بل إسرائيل هي من بدأتها، وفصائل المقاومة تخوض حرب الدفاع عن الشعب الفلسطيني، وهي التي تملك الكلمة الفصل في الميدان، وهي المستأمنة على دماء شهدائه وجرحاه، وهي الشاهدة على عذابات الشعب الصامد المحتسب الذي يواجه هذا العدوان.

 

اللهم أيد المقاومة بمدد من عندك، وجند من جندك، وعليك بمن خذلهم أو عاداهم.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين