
عني بتصحيحها ونشرها الشيخ مجد مكي
صفات العاملين في مجال الدعوة الإسلاميِّة:
أما ما يتَّصل بصفات العاملين في مجال الدعوة الإسلاميِّة وجنود الدعوة إلى الله فإنني أركِّز في هذا الحديث الموجز على نقطة واحدة، وهو أنه يجب أن يكون الدعاة يمتازون عن الدَّهماء والجماهير، ودعاة النُّظم الجديدة والفلسفات الجديدة، والفلسفات السياسيَّة والاقتصاديَّة بقوة إيمانهم وحرارة قلوبهم، وزهدهم في زخارف الدنيا، وفضول العيش، ونهامة للمادة، ومرض التكاثر، فإنَّهم لا يستطيعون أن يؤثِّروا فيمن يخاطبونهم، ويحملوهم على إيثار الدين على الدنيا والآجلة على العاجلة، وتلبية نداء الضمير والإيمان على نداء المعدة والنفس والشهوات، وإشعال مجامر قلوبهم التي انطفأت أو كادت تنطفئ، إلا إذا شعر الناس فيهم بشيء لا يجدونه في قلوبهم وحياتهم، فإنَّ الناس ما زالوا ولا يزالون مفطورين على الإجلال لشيء لا يجدونه عندهم، فالضعيف مفطور على احترام القوي، والفقير مفطورٌ على احترام الغني، والأمّيُّ مفطورٌ على احترام العالم، حتى اللئيم مفطور على احترام الكريم.
أما إذا رأى الناس علماء ودعاة لا يقلُّون عنهم في حبِّ المادة والجَرْيِ وراءها، والتنافس في الوظائف والمناصب، والإكثار من الثراء والرخاء، والتوسُّع في المطاعم والمشارب، وخفْض العيش ولين الحياة، فإنهم لا يرون لهم فضلاً عليهم، وحقاً في الدعوة إلى الله، وإيثارِ الآخرة على الدنيا، والتمرُّد على الشهوات، والتماسك أمام المغريات.
وقد قيل: إنَّ فاقد الشيء لا يعطيه، وكذلك القلب الخاوي لا يملأ قلباً آخر بالإيمان و الحنان، وإنَّ الموت لا ينشئ الحياة، وإن البرودة لا تعطي الحرارة، وإنَّ الرَّماد الذي لا تكمن فيه جمرة لا يلهب القلوب الخامدة، ولا يُحيي النفوس الميِّتة، والكشَّاف لا ينير الطريق إذا كانت قد نفدَت شحنته، فلابد أن تشحن القلوب بشحنة جديدة، وإذا كانت بطارية من غير شحنة كانت أقلَّ عناء وقيمة من عصا يحملها الإنسان، فقيمة البطارية الشحنة، وقيمة الشحنة النور، فإذا لم تكن شحنة أو كانت شحنة ولا نور فالعصا خير منها.
أسالكم أيها الإخوان: أليس هذا العصر هو العصر الذي انتشر فيه العلم وكثرت فيه وسائل الإعلام والتربية، وازدهرت فيه الخطابة والكتابة، وبلغت حدَّ الشعر والسحر، وعمَّت الجامعات في كل مكان، وتدفَّق السيل من المطبوعات والمنشورات من المطابع ودور النشر، ونبغ فيها علماء وباحثون ووعَّاظ ومرشدون، فلماذا فَقد العلماء والموجِّهون التأثيرَ في النفوس والقلوب في صدِّ تيار الماديَّة والاستغلال والجشع والنهامة للمال؟
هذه البلاد العربية بما فيها البلاد المقدسة – أصبحت مصداقاً لما أخبره به الرسول صلَّى الله عليه وسلم في إحدى خطبه قبل وفاته: (ما الفقرَ أخشى عليكم، ولكن أخاف أن تُبسط عليكم الدنيا كما بُسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، فتُهلكَكُم كما أهلكتهم) .
وأخوف ما نخاف أن تكتسح هذه البلاد الموجةَ العاتية من التكاثر في الأموال، واستغلال حاجة الناس وضعفهم، والانتهازيَّة، وهي الموجة التي لا تعرف الرحمة والهوادة، ومكارم الأخلاق التي عُرف بها العرب في العصر الجاهلي، وربما يعود ذلك خطراً كبيراً على الحجِّ ومركزه، ويمكن أن يُشكِّل محنةً للوافدين إليه، فيضطر الدعاة في صَدِّ هذه الموجة إلى مكافحة خُلقيَّة وحمْلةٍ دَعويَّة تربويَّة، تنظَّم لإصلاح الحال، وإيقاظ الضمير، وإثارة الغيْرة الإسلاميِّة والشعور النبيل، وتنطلق من المنابر والصحف، والإذاعة ووسائل الإعلام، وتُجنَّد لها الطاقات والألسن والأقلام.
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم
للاطلاع على الحلقة السابقة اضغط هنا
جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين

التعليقات
يرجى تسجيل الدخول