
بسم الله , الحمد لله ,والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم:
إن بدهية انحراف النظام , وإعلان حربه على الإسلام لا تحتاج إلى كثير نظر واستدلال , وهي أوضح دلالة من نار على علم لمن كانت الباصرة عنده سليمة وكذا القلب والعقل, لكن قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد! و قد يكذب الإنسان الخبر عن جهل, أو قد يجادل ويماحق على طريقة مشركي مكة وسائر الطغاة المستكبرين, لأنه لا يريد أن يقر بالحقيقة!
إن تأسيس جبهة في الشام يرعاها النظام من فريقي العلماء وأدعياء العلم على السواء, يجلس أفرادها على طاولة واحدة, يؤدون غرضا واحدا هو الدفاع عن جرائم هذا النظام ,وتثبيط عزائم الشباب عن الالتحاق بركب الثورة ,لا يعني ذلك بحال أنهم على حق, ولا يلزم معه أن غيرهم على باطل ,لأن النظام هو النظام لا يجمله ماكياج نفاق أهل الأرض جميعا, فالباطل لا يستحيل إلى حق بتلاعب بعض الرجال فيه ,وصدق الإمام الشاطبي حين قال: " يعرف الرجال بالحق ,ولا يعرف الحق بالرجال" إن ميزان الحق هو الشريعة و ضوابطها وليس رجالا اشتراهم أو هددهم أو ضحك على لحاهم النظام .
إن لإعراض بعض الناس عن الحق أسبابا متعددة, لكنها تؤدي في النتيجة إلى صورة واحدة عند أصحابها هي تنكبهم عن الدرب السوي, وانحيازهم إلى الباطل والغي,وهو ما يترتب عليه الجزاء الدنيوي والأخروي , وذلك من أدق مقاييس العدالة الإلهية أن الله عز وجل لا يستحي من الحق , وأنه يثيب أهله, ويعاقب مناوئيه.
إن المنزلقات التي قد تقف وراء انحدار أصحابها إلى مستنقعات الضلال والتيه ليست على هيئة واحدة وإنما هي متعددة , فالمعاند إما أن يفعل ذلك ابتغاء عصبية عمياء لا غير , فهو يرفض أن يخرج من قوقعتها, لأنها صارت جزءا من موروثاته الثقافية! فمن كان منتميا إلى هذه الشريحة فلا فائدة دنيوية تعود عليه من إغماض عينيه عن الحق سوى أنه قد كبل نفسه بأغلال التقليد الأعمى , لذا فلا يستطيع عن مساره هذا خروجا!
و في هؤلاء يقول الباري عز و جل في سورة البقرة: "و إذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا و لا يهتدون" الآية 170. وإما أنهم يجحدون الحق بسبب مرض الكبر والشعور بالاستعلاء على الآخرين مما يمنعهم عن الانقياد لركب أهله!
و عن هذا الصنف الفاسد يحدثنا البيان الإلهي حين يقول: "و جحدوا بها- واستيقنتها أنفسهم- ظلما وعلوا", فواقع الحال أنهم جحدوا بآيات الله, وعلة الجحود الظلم والعلو,لذلك وقعت لفظة "ظلما" في إعرابها مفعولا لأجله ,أما في قرارة أنفسهم فقد أيقنوا بصدق آيات الله تعالى, لهذا وقعت الجملة السابقة في قوله تعالى: "و استيقنتها أنفسهم " جملة اعتراضية بين جحودهم وعلة ذلك الجحود.
و إما أن يقع تأبيهم للحق من باب المصالح الدنيوية التي ألحقتهم بالباطل بحيث صاروا له في التبعية كالذيل من جسد الدابة, فهو يسير معه حيث يسير,وينحرف حيث انحرف, يلوح به صاحبه في وجوه الآخرين كيف يشاء يمنة ويسرة دون أن يملك الذنب انفكاكا أو اعتراضا أو حرية في الاختيار ,لأنه ذليل حقير منقاد اختار لنفسه هذا الطريق, ومن ثم صار عاجزا كل العجز عن الرجوع عنه فضلا عن تبديل المسار, وهو بهذا لم يفقد فرصة الرجوع إلى الحق فحسب ,وإنما فقد كذلك القيمة الإنسانية والاجتماعية بين خلق الله جميعا, فخسر الدين والدنيا معا ,فهو عند الله تافه لا قيمة له, و في هذا وأمثاله يقول خاتم الأنبياء والمرسلين محمد عليه أفضل الصلاة و السلام في معرض حديثه عن علامات الساعة:
"لا تقوم الساعة حتى يتكلم الرويبضة - بضم الراء و تشديدها, وفتح الواو ,و تسكين الياء ,و كسر الباء,و فتح الضاد-. قالوا: و ما الرويبضة يا رسول الله؟ قال :الرجل التافه يتكلم في أمر العامة", تفاهته قد تكون بسبب جهله ,وخبث طويته وفساد أفعاله,وقد تكون بسبب جهله بربه مع تخصصه في علوم شرعه , وبالرغم من هذا فقد انقاد تمام انقياده لأسياد طغاة اتخذ منهم قدوة، معرضا عن القدوة التي اختارها الباري عز وجل للمسلمين وذلك في صريح كتابه الكريم: "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة".
قد سلم لهم قياد أمره, و رضي أن يتنازل عن كل حرية و رقي و خير جاء به الإسلام في سبيل عرض حقير من دنيا فانية ألقاها له أسياده على طريقة صاحب الكلب حين يلقي فتات الطعام لكلبه, أو على أسلوب راعي البقر الأمريكي حين يقذف بحباله لفرسه ليجذبها إليه بهوان, ومن ثم يمتطيها أو يلقي لها الطعام عند قدميه!
فهذا وأمثاله لا دواء لهم ,فقد ضرب عليهم الرق أحياء و ميتين!والأخطر من ذلك أن يكون أحدهم قد جمع في صك العبودية أسيادا متشاكسين يجذبه كل واحد منهم إليه بقوة, فيمزقونه تمزيقا, بينما يخيل إليك وأنت تنظر إليه أن الدنيا قد سيقت إليه بحذافيرها مع أنه في حقيقته ليس أكثر من عبد ذليل تتجاذبه قوى مدمرة تطلب منه ثمن ما وصل إليه من مال و جاه و شهرة و منصب و مجد, بين ماسونية عالمية انسلخ بها عن أمته!
إلى بعثية حزبية انخرط من خلالها في دولته!
إلى التزامات أمنية قدمها للاستخبارات بوقاحة في مسيرته !
إلى ولاء لنظام طاغية الشام الدموي والقصر الجمهموري كبله وقيده و سلب منه حريته وكرامته في ليله ونهاره ونهضته وقعدته!
إلى ارتباطات بالصهيوصليبية العالمية في تل أبيب وواشنطن,ومراكز القرار الاستعمارية في عالم الدمى التي تدغدغ بما تقدمه من عروض شهوة الصيد الطالب لها, ومراكز الحس من نزوته! إلى مصير ربط به مستقبله عندما ألزم نفسه باستحقاقات الحركة الصفوية العالمية في طهران ! فصار بها عاقا لنبيه وزوجه وصحابته وأمته!
إلى حب الظهور الذي أثقل كاهله حتى جعله يترنح ترنح السكران في مشيته ! إلى انتمائه - ظاهرا- لأمة الإسلام و ما يترتب على ذلك من مواقف إيمانية ثابتة تتعارض تعارضا تاما مع ما يطالبه به أسياده المتشاكسون حيث يطالبه كل واحد منهم على انفراد بدفع فاتورته !
و صدق الله- جل و علا- حين قال في سورة الزمر: "ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون, ورجلا سلما لرجل, هل يستويان مثلا؟ الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون"الآية:29.
ووالله لو أنهم تذوقوا طعم الإسلام يوما لما رضي أحدهم أن يكون عبدا منقادا لغير الله تعالى فيصدق فيه المثل القرآني: "ورجلا سلما لرجل" ,لأن الإسلام تنفرد فيه العبودية لسيد واحد هو الله عز وجل ,فهو يخرج العباد من ذل عبودية العباد فيما بينهم إلى عز العبودية بين يدي رب العباد ومن عبودية البشر إلى عبودية خالق البشر,
فيتحررون بذلك من عبودية من سوى الله جل جلاله, لكن الغريب الذي تكتمل به مسرحية أولئكم الدجالين أنهم يدافعون عن النظام, ثم يستغرقون في الحديث عن الرقائق من كلام الصالحين!
وفي مقدمة ذلك الزهد الذي لم يتذوقوه يوما , وصدق ابن همام السلولي يهجو هذا الصنف من علماء الدنيا:
إذا نصبوا للقول قالوا فأحسنوا =لكن حسن القول خالفه الفعل!
ذموا لنا الدنيا و هم يرضعونها=أفاويق حتى ما يدر لها ثعل!
و الفواق هي الحلبة بين الحلبتين ,فقد حلبوا الدنيا حلبا ورضعوها مصا, حتى تكررت منهم معاودة الحلب في الوقت الذي تستريح فيه الناقة بين الحلبة والأخرى, إلى أن لم يبق في ثديها شيء يخرجونه حتى وإن كان قليلا بمقدار النقطة من الحليب!
كما أنهم لشدة حرصهم على الدنيا لم يكتفوا بالموضع الطبيعي من الارتضاع وإنما انتقلوا إلى خلف زائد- بكسر الخاء- يدعى الثعل - بضم الثاء- وهو حلمة زائدة لا يخرج منها الحليب ومع ذلك فقد انقضوا عليها يرضعونها ويمصونها لعل شيئا ما يخرج منها!
فهل بعد هذا من إقبال على الدنيا وحرص على ما فيها؟!
ثم بعد ذلك يتحدثون عن الزهد ويزاودون علينا فيه, زاعمين أنهم من أهله!
ووالله ما كانوا من أهله يوما ,وإنما هم مشعوذون يوظفون الدين للحصول على ما يستطيعون من تلك الدنيا بعد أن باعوا دينهم في مزادات الماسونية العالمية ,وتاجروا به وتآمروا على أهله في أروقة الاستخبارات الإرهابية,فعاشوا أذنابا يتقلبون في هوان الذيل وأهله الغارقين في المذلة والتبعية!
لهذا كان أستاذنا فضيلة الشيخ كريم راجح شيخ قراء دمشق- حفظه الله- يكرر علينا مقولته التي ربانا عليها: " يا بني,إن لم تكن رأسا فإياك أن تكون ذنبا",
أخيرا : فقد ينقاد الإنسان للظلم خشية من سطوة الجلاد فيغدو كالببغاء يردد ما يقوله السلطان حتى وإن خالف كلامه قتاعته , وهذا الصنف من الناس أقلهم سوءا, لكنه في الشكل والمظهر مع هؤلاء سواء بسواء, وهي نقطة سنتناولها في معرض هذا المبحث إن شاء الله تعالى.
إذن ليس من وقف على منبر في الشام ذاما علماء الإسلام من رجال الثورة والهيئات والروابط الشرعية كان عالما, أو كان عالما صادقا أو خطيبا مقتنعا بما يقول ,أو حرا ,أو أمينا على دينه ,أو غيورا على أمته و بلده ,لأن الذي انسلخ من عمره خمسة عقود ثم لم ير حقيقة النظام فهذا مريض مرضا مزمنا بذهاب عقله, مجنون جنونا مطبقا ,مكانه الطبيعي في مستشفى الأمراض العقلية, أو عميل تافه خائن لن يفلت من عقاب جبار الأرض والسماء في الدنيا قبل الآخرة, أو جبان رعديد في ظل نظام لا يعرف الخطوط الحمراء في تعامله, وهذا مصيره أن يعود إليه تماسكه وينطق بكلمة الحق يوما ,لكن ليس من هذا الصنف رجل لا يدع فرصة إلا و يدافع فيها عن هذا النظام, لأن درء المفسدة الشخصية قد يكفي فيها موقف واحد يقي سوء غضبة الطغاة, أما التسبيح بحمد النظام و جرائمه بكرة و عشيا فذاك صنيع المنافقين المحترفين.
و إلى لقاء قادم بإذن الله تعالى في الجزء الثالث من هذا الموضوع.
جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين

التعليقات
يرجى تسجيل الدخول