د/ خالد هنداوي
عضو رابطة العلماء السوريين
لا ريب أن المجتمع الدولي برمته وخصوصا الدول العربية والإسلامية أمام مسؤولية ضخمة وهائلة لتأكيد الالتزامات والمواثيق التي سطرت في القوانين العالمية لتعزيز الشرعية الدولية واستخدامها بحزم وصرامة إزاء عصابة القتل والإرهاب الحكومي التي وصلت اليوم بعد أكثر من عام ونصف العام إلى درجة من القمع الوحشي والسادية التي أخذت تتسلى بالإبادات الجماعية وتدمر الأخضر واليابس بما لا مثيل له في تاريخ البشرية وحيث إن هذا المجتمع الدولي لم يتخذ حتى الآن أي قرار يكون ملزما لرئيس هذه العصابة والضغط عليه كي يبلغ سن الرشد السياسي والإنساني بعد كل هذه الجرائم البشعة فإن يمكننا أن نعتبر أي تحرك شكلاني لهذا المجتمع بجميع مراكزه وهيئاته وأهمها الأمم المتحدة ومجلس الأمن هو نوع من العبث المضحك رغم الوضع المأساوي المبكي من جهة وهو نوع حقيقي من المشاركة التي لم تعد تحتمل التأويل في إخماد ثورة الشعب السوري البطل بشكل أو بآخر، حيث إن مئات القتلى ومثلهم من الجرحى والمعتقلين يوميا يعانون أشد التعذيب بما لا قبل لأحد به، وقد بات واضحا للجميع أن كل أصحاب القرارات الدولية لا يعملون إلا لخدمة مصالحهم وتعزيز نفوذهم الاقتصادي والسياسي بل والأيديولوجي وهم يلعبون لعبة ماكرة علنية وخفية لذلك دون أي اكتراث عملي بسيول الدماء الطاهرة التي تنزف في جميع ربوع البلاد ولا مانع أن تداس حقوق الإنسان في سبيل الحفاظ على تلك المنافع والمصالح، وهؤلاء وعلى رأسهم أمريكا وروسيا على قناعة كاملة أنه إذا استطاع هذا المجرم المجنون الأحمق الجزار بشار أن يسحق ثورة الشعب فإن ذلك سيسعدهم وسيبقى على عرش الحكم ليزداد استعبادا واستبدادا وحماية حقيقية لإسرائيل التي يحرسها وتحرسه بلا أدنى ريب رغم ادعاءاته وشركائه من إيران وحزب الله ومالكي العراق لأي نوع من أنواع المقاومة والممانعة الكاذبة التي استخدمت وما زالت ورقة تغطية على جرائمه الوحشية فاليوم بات كل شيء مكشوفا وذاب الثلج وبان المرج لكل ذي عينين وأما في حالة عدم قدرة هذه العصابة أن تخمد الثورة فالكل مجمعون - وللأسى والحسرة - على تأمين خروج آمن لزعيم عصابة اللصوص وشلته مما يؤكد عمق المؤامرة العالمية خدمة لللانظام السوري وتبكيتا لحركة الشعب المطالب بالحرية، ولنأخذ مثالا واضحا أمامنا كيف أن الرئيس الأمريكي أوباما أبهرنا بتصريحاته الفارغة حول عدم شرعية الأسد والمطالبة الامتصاصية بتنحيته فورا منذ قرابة عام وقبل شهر تقريبا وكذلك كلينتون وزيرة الخارجية وكذلك غيرهما من قادة ووزراء خارجية الاتحاد الأوروبي ولكن الحق الأحق أن هؤلاء وكل من يسمون أنفسهم أصدقاء سورية أي الشعب السوري لم يفعلوا أي شيء عملي ذي وجاهة يحسب لهم ضد الظلم واستباحة حقوق الإنسان وإنقاذ الشعب الذبيح من هذا الجزار الذي يراد له دوليا أن يبقى لأن في ذلك مصلحة إسرائيلية لابد من الحفاظ عليها، وأما المرشح الجمهوري المنافس لأوباما في الرئاسة الأمريكية فقد صرح بأنه يشعر بالإحباط الشديد لتسلم الإسلاميين السلطة في المغرب وتونس ومصر أي هكذا ما يمكن أن يحدث في سورية وخصوصا أنها دولة مواجهة ومجابهة مع إسرائيل، إن ما يجري من تناقضات ظاهرية دوليا حيال المشهد السوري ليس كذلك وإنما هو اتفاق بين أسماك القرش الكبيرة لابتلاع الأسماك الصغيرة، ولا يسع الدول التابعة إلا أن تكون كذلك، وإذا كان هذا الوضع لا يحتاج إلى كثير من البحث إلا أن الذي يدهش الأبصار والبصائر هذا الموقف الجنوني الذي يعتبر أداة تنفيذ حقيقية لمصالح الغرب والشرق إنما يأتي من النظرة الاستعمارية الحديثة لمسائل النفوذ والسيطرة من قلب الجنون وليس العقل والحق والإنسانية ولعل الأمثلة أكثر من أن تحصى في هذا الغضون أفتشذ الحالة السورية عن غيرها، لا أظن ذلك لأن جميع الشعارات التي رفعها الشعب السوري كل جمعة لم تحقق لهم فيها النخوة العربية والإسلامية فضلا عن الأجنبية ما ينسجم مع طموحاتهم وخصوصا حماية المدنيين الذين لا علاقة لهم بشيء من هذا الصراع في هذه الحلبة وخاصة الأطفال والنساء، ومن هنا فإننا نسلم أن هذا التعاطي من قبل المجتمع الدولي هو تعاطي المجانين لا العقلاء منذ البداية وإن تفننوا في طرائق هذا الجنون فالجنون فنون كما يقولون، غير أنه قد يشذ الحال في مجنون واحد مثلا على حد قولهم: قد تأتيك النصيحة النافعة على لسان مجنون ولكننا في هذا الوقت لم نظفر بهذا المجنون العاقل لنأخذ بعض الحكمة التي توصلنا إلى الصواب والحرية والكرامة، ولكن الذي يجري على المجتمع الدولي على وجه الحقيقة لا الظاهر وعلى العصابة الأسدية المجنونة أن المجنون لا يمكن إقناعه والعجيب أن هؤلاء المجانين يتحدثون باسم الديمقراطية والحرية بل والإنسانية ويصفون أنفسهم بالعباقرة والساسة الكبار وينسون ما قاله الأديب جبران خليل جبران أن بين الجنون والعبقرية خيطاً أرفع من نسيج العنكبوت والعبقرية الحقة هي التي تحمل العهد والميثاق الصادق في التعامل وهو ما يقوم به شعب الثورة المباركة أمام كل هذا التحدي المحلي والإقليمي والدولي معتمدا على الله أولا وعلى نفسه ثانيا ضاربا بقدمه كل عنتريات العصابات التي لم تعد تأبه بتدمير المساجد بل الكنائس بعد الأنفس والممتلكات وتواصل الحرائق والمجازر التي كان آخرها ما حدث أمس حول روضة مساكن هنانو في حلب حيث قصفت البنايات بالطائرات فخرت بأهلها وفجر أنبوب المياه حولها فكان القتلى والجرحى بأعداد كبيرة جدا ، إنه الجنون الجهنمي حين يحمل المدافع عن الوطن بزعمه براميل المتفجرات في الطائرة الحربية ليؤكل المساكن لهيبا ونارا جنونا وحقدا بعد أن سيطر الجيش الحر على ثكنة هنانو قبل يومين إثر معارك ضارية مع جيش الباطل وحرر 350 سجينا سياسيا واعتقل الظالمين من الجيش والشبيحة ورد كيد القاتلين إلى نحورهم ولذا فإن المقاومة في حلب ودمشق وريفهما وبقية المدن السورية وأريافها تقول له بلسان الحال والمقال نحن صامدون صامدون صامدون وإنه كما قال كلوديانوس: إن الجنون المتهوس لا ينقلب إلا على نفسه، فصبرا أيها الثوار صبرا فإن الباطل إلى زوال وتلك سنة الله في الأفراد والدول والأمم ولن تجد لسنة الله تبديلا.
جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين
التعليقات
يرجى تسجيل الدخول