الثورة السورية ومنهج الرقي الإسلامي



بقلم صلاح الدين محمد سلو
 
لدعوى السلوك الحضاري والمنهج الراقي في مختلف التعاملات البشرية براهين ينبغي أن يقدّمها من يدعي أنها منطلقه ومبدأ مسيرته وتصرفاته
.
لقد قدّم الإسلام أوضح المعالم والمبادىء الحضارية عبر المسارين النظري القواعدي والعملي التطبيقي من خلال سير متبعيه ابتداء بالمسلم الأول نبي الرحمة والهدى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم مروراً بالصحابة الكرام رضوان الله عليهم والسلف الصالح وليس انتهاء إلى عصرنا هذا بالطائفة الظاهرة بالحق المصطبغة بالإسلام اعتقاداً وأقوالاً وسلوكاً ليس في حال الرخاء والدعة بل في أحلك الليالي وأشد الساعات والأيام .
 
لن أقوم الآن في هذه العجالة بسرد تلك البراهين التي أشرت إليها النظرية منها أو العملية لأنني لاحقاً سأكوّن منها مرجعاً خالداً - لا ينتهي تأثيره ولا تنقضي مصداقيته مدى الأزمان وتلاحق العهود – ذاك المرجع لا بد أن يكون هو الوحيد محور ومنطلق مسيرة الأحرار في الثورة السورية المباركة .
 
كل يوم الكل يسمع عن أمور مدهشة تصلنا عن إخواننا وأهلنا الثوار في سورية في أقوالهم وفي تعاملاتهم وسلوكياتهم مع الصديق والعدو .
 
يوماً تسمع عن مجموعة من الثوار تأسر طياراً كان لتوه يقصف المدنيين ويدمر على الآمنين بيوتهم ومساجدهم وأسواقهم ، وإذا به يلقى من الثوار كل أنواع التعامل الإنساني الراقي إن في المعالجة الطبية أو الملبس أو المسكن أو المطعم ويدلل على كل ما ذكرت المشاهد التي تعرض لأمثاله صباح مساء .
 
والأطرف من ذلك ما رأيناه وتابعناه عن أسرى وسجناء عند الثوار أضافوا لكل أنواع التعامل الحضاري العالي معهم ، ما قاموا به من تعليم السجناء وتوجيههم والعمل على إصلاحهم في النفس والسلوك وتصحيح المسار حيث أمكن .
 
وإن تعجب فكل العجب من تساؤلات الثوار واستفتاءاتهم المتواردة والمتتابعة للجهات العلمية والشرعية حيث وجدت ، فانظر على سبيل المثال لا الحصر إلى :
-
سؤالهم عن حكم أموال الأسرى وجنود النظام ؟  
- سؤالهم عن حكم التصرف بالأموال والممتلكات العامة التي سيطروا عليها ؟
سؤالهم عن حكم الهجوم على حاجز لجنود النظام وهم نائمون ؟
 
يسألون وينتظرون كيف يتعاملون مع أناس لم يدعوا تصرفاً مقيتاً شائناً إلا وفعلوه !
فعلى ماذا يدل تساؤلهم ثم صبرهم ثم مصابرتهم ثم كظم وردع أنفسهم أمام التنكيل والفظائع التي يلقونها هم وكل من يؤويهم أو يناصرهم أو يسكت حتى عنهم؟!
 
وإذا أردنا الانتقال إلى نوع آخر من براهين السلوكيات الراقية عند أحرار الثورة السورية فلنتفكر ونبحث عن مثال واحد يمكن أن نعثر عليه ولا أظن أننا سنوفق إلى ذلك : هل قام الثوار يوماً ما خلال السنتين الماضيتين برد فعل مدان على أفعال النظام وجنوده وشبيحته من استباحة للحرمات ونهب للمتلكات وتعذيب للأطفال والنساء ؟ هل قام الثوار بمهاجمة القرى والمدن الموالية للنظام انتقاماً من النظام ورداً على مجازره وعملياته الإبادية اللاإنسانية .
 
لنتساءل ، لماذا ينشيء الثوار المحاكم الشرعية ويعين أعضاؤها من العالم الشرعي والمحامي والقاضي المتمرس ؟
لماذا يؤسسون لمجالس أمن الثورة ؟ هل لحماية رموزها ؟ أم لمحاسبة المنحرفين المخطئين من أبنائها عن نهجها ؟
 
لماذا يرى الزائر لسجناء عند الثوار عدداً من أبناء الثورة ومقاتليها وحتى الضباط منهم ؟
لقد استولى الثوار – من جانب آخر – على مواقع استراتيجية كالمصانع والسدود فهل قاموا بتدميرها أو إحراقها ؟
 
إن كل موقع يقوم النظام ومجرميه بتدميره أو تعطيله ، يقوم الثوار بتشغيله والاستفادة منه للمدنيين والحفاظ عليه ، انظر مثلاً إلى المخابز فأمامك براهين مصورة عديدة تجد الثوار هم الذين يقومون بالعمل داخله وبتنظيم التوزيع خارجه مخاطرين بأرواحهم وأنفسهم . وقس على ذلك المستشفيات – التي حولها النظام إلى معتقلات وزنازين للتعذيب – والدوائر الحكومية كالبلديات والدفاع المدني ونحوها .
 
ولن ننسى أروع صور التعاون والتكافل والإيثار والأخوة فيما بين الثوار أنفسهم من ناحية ومن ناحية أخرى بين الثوار وإخوانهم المدنيين ممن يعتقد اعتقادهم أو يخالفهم .
لا بد أنكم سمعتم بعبارة : [ شهيد يحمل شهيداً ] .
 
ولا بد أنكم تابعتم مقاتلاً من الثوار يحمل على ظهره عجوزاً يعبر به من فتحات محدثة بين البيوت المتلاصقة بغية إخراجه من منطقة التماس .
 
إن أصحاب الثورة السورية والمدافعين عنها حافظوا على حقوق العباد ولم ينسوا حقوق من يعتقدون أن النصر من عنده سبحانه وتعالى فكان شعارهم الدائم [ الله أكبر ولله الحمد ] . [ قائدنا إلى الأبد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ] .
 
إنهم يرددون بلسان حالهم قوله تعالى: [الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ المُنْكَرِ وَللهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ] {الحج:41}
 
 
إنهم – حقاً – يتمثلون وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، عندما كان يرسل جيشاً لقتال العدو ويقول لهم: «انطلقوا باسمِ اللهِ، لا تقتلوا شيخاً فانياً، ولا طِفلاً صغيراً، ولا امْرأة، ولا تَغُلُّوا، وضمُّوا غَنائمَكم، وأَصلِحُوا وأحْسِنُوا، إن اللَّهَ يُحِبُّ المحْسِنينَ». [أبو داود].

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين