
"على الإسلام أن يوضح علاقته بالعنف وعلاقته بالعقل، وعلاقته بتغيير الدِّين".
هذا ما قاله البابا بنديكت السَّادسَ عشرَ في أحد المؤتمرات الكنيسيَّة، ونشرته الصُّحف والجرائد بخطٍ عريضٍ في صفحاتها الرئيسيَّة لتعبئة الرَّأي العام للمسيحيَّة كدين يدعو إلى السِّلم واستخدام العقل، والتَّعايش المشترك والاحترام المتبادل بين اتباع الدِّيانات المختلفة.
فهل كانت للإسلام علاقة بالعنف أم للمسيحيَّة التي يتزعمها علاقة به؟
تعال أيُّها الأخ نرَ ذلك في ضوء ما قالته الوثائق السريَّة الأمريكيَّة التي بثَّها موقع ويكيليكس، وهي تكشف عمَّا اقترفته القوَّات المسيحيَّة في الأيام القليلة الماضية ضدَّ المسلمين الذين لا يفرقون بين أحدٍ من الرُّسل.
فتقول: "تمَّ تحويل العراق إلى حمَّاماتٍ من الدِّماء راح ضحيَّتها أكثر من 150 ألف ضحيةٍ 60% منهم مدنيُّون، وإنَّ المدنيين وبينهم نساء حوامل وعجائز والطَّاعِنون في السِّنِّ وأطفال وحتى المرضى النَّفسيون، ظلوا يُقتلون طيلة سنوات الحرب على نقاط التَّفتيش العسكريَّة بنيران الطَّائرات الأمريكيَّة المقاتلة".
هكذا أُريقت الدِّماء أيُّها الأخ، ولاتزال تُراق بأيدي المقاتلين الذين تتدلَّى على أعناقهم الصُّلبان خلال عدَّة سنواتٍ، وأمَّا الدِّماء التي أُرِيقت بأيدي آباءهم وأجدادهم في الحروب الصَّليبيَّة فحدث عن البحر ولا حرج.
وأضافت تلك الوثائق السريَّة قائلةً: "إنَّ هناك فِرَق الموت الأمريكيَّة (وهي مسيحيَّة ولاشك فيها) تقوم بعمليَّات الاغتيال، وتنفيذ التَّفجيرات واستهداف الشخصيَّات الإسلاميَّة البارزة في مختلف المجالات؛ لفرض الهيمنة الأمريكيَّة على الدول الإسلامية".
دع أيُّها الأخ هذه المجازر التي يَشهدُها العالم اليوم بأيدي الذين ينتمون إلى المسيحيَّة، وارجع إلى الوراء إلى أيَّام سيطرة الكنائس والأساقفة، كلُّها دماءٌ وأشلاءٌ، ظلمٌ واعتداءٌ، سجنٌ وإعدامٌ، تطرُّفٌ وإرهابٌ، تشريدٌ وإغارةٌ، جهلٌ وظلامٌ.
فلم لا يوجِّه عظيم الفاتيكان هذا السُّؤال إلى نفسه وإلى أتباعه؟ ولم لا يقوم بشرح علاقة المسيحيَّة بالعنف والتَّطرُّف والإرهاب والجهل؟
أمَّا السُّؤال الذي يَطرحه البابا على المسلمين حول علاقة الإسلام بالعقل، فلسنا بحاجة إلى الرَّد عليه؛ لأنَّه قد تلقَّى إجاباتٍ على سؤاله من عقلاء الغرب المسيحيين المتحوِّلين إلى الإسلام أمثال: محمد أسد، ورجاء جارودي، ومراد هوفمان ومريم جميلة.
فاعتنق هؤلاء المفكرون الإسلام؛ لعلاقته بالعقل، والعلم، والحرية بعد رحلةٍ طويلةٍ، ودراسةٍ عميقةٍ لهذا الدين الحنيف، ولا يزال المتحوِّلون إلى الإسلام يجيبون عليه بكلِّ قوَّةٍ وصراحةٍ وثقةٍ وصرامةٍ.
هذه هي السَّيدة "كريستين باكر" مقدِّمة برنامج تليفزيوني في ألمانيا تقول: إنَّ الإنسان يحتاج إلى قواعدَ وسلوكيَّاتٍ كي يتَّبعها، لكن المسيحيَّة لم تعطني نفس نقاط المرجعيَّة، وقابلت مشاهيرَ وأناسًا مهتمِّين بالحياة، ولكنَّها كانت حياةً فارغةً، كنتُ وحيدةً لا أدرى ما أفعل حتَّى قدم إلى الإسلام.
جوان بيلي 30عامًا محاميَّة من برادفورد تحكي قصَّة إسلامها: لقيت مجموعةً من النِّساء المسلمات في بغداد، ولم أشاهد فيهنَّ ما يشاع عن المرأة المسلمة من الجهل، كُنَّ طبيِّباتٍ مدرساتٍ ومختصاتٍ نفسيِّاتٍ، هالني ما هنَّ فيه من العلم والذَّكاء والرِّضى والهدوء، هو الذي أقنعني بأن أكون مسلمةً.
"كاثرين هيلتون" 31 عامًا مدرسة حضانة من لندن، وتعلِّل إسلامها اهتمامه بالجانب العقلي فتقول :قرأت عدَّة كتبٍ من بينها القرآن الكريم أعجبني الجانب العقليُّ في القرآن، ولم تأت الجوانب العاطفيَّة والروحيَّة إلَّا فيما بعد، وأعجبتُ بشرح القرآن لعالم الطّبيعة، واكتشفتُ أنَّه منذ أكثر من 1400 سنة قد أعطى الإسلام حقوقًا للمرأة لم تكن تتمتَّع بها في الغرب حتَّى وقت قريبٍ أنَّه تنزيلٌ سماويٌّ.
عقيلة ليندسي ويلر( 26 عامًا) تقول: غيرت فكرتي الطَّالبات المسلمات في الجامعة، كنَّ مثقفاتٍ ناجحاتٍ، ووجدت حقًا أنَّ الحجاب يحرر المرأة، وأعلنت إسلامي رسميًّا بعد أسابيع، وأخذت اسم عقيلة؛ لأنَّه يحوي معنى التَّعقل وهو ميزةُ الإسلام الكبيرة.
أمَّا سؤال البابا عن علاقة الإسلام بتغيير الدِّين، فلا أقول له إلَّا أن يزور المناطق المنكوبة المتضرِّرة بالفيضانات، المصابة بالمجاعات، المتعرِّضة للحروب الأهليَّة المواجهة للفقر والجهل والمرض؛ ليرى بنفسه دور المنظَّمات التَّنصيرية واستغلالها لهذه الفرص؛ لتحويل سكانها من الإسلام إلى المسيحيَّة، فلا يجد فيها المريض دواءً، ولا ينال فيها الجائع خبزًا، ولا يتلقى فيها الفقير مالًا، ولا يأخذ فيها الطالب كتابًا ولا كراسةً ولا قلمًا ولا حبرًا ولا مسطرةً ولا حقيبةَ مدرسيَّةٍ إلَّا إذا اعتنق المسيحيَّة أو يتنازل عن الإسلام على الأقل، فتنتشر هذه المنظمات التَّنصيريَّة في الدُّول الفقيرة، وتقوم بالتَّحريش، وتدعو إلى التَّمرد، وتثير الخلافات، وتستولي على الثَّروات والخيرات؛ لتزداد شعوبها فقرًا وجهلًا وخضوعًا واستكانةً، حتَّى تتمكن المنظَّمات التَّنصيريَّة من إكراههم على التَّحول إلى المسيحيَّة باستغلال فقرهم ومرضهم وجهلهم، بينما القرآن يقول: ?لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّين? [البقرة:256]، ويقول: ?لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ? [الكافرون:6]، ويقول: ?لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُم? [البقرة:134].
وهناك سؤالٌ أيُّها الأخ يتردَّد إلى أذهان كثيرٍ منَّا وهو: ما علاقة الكنائس بالدَّعارة وإقامة العلاقات الجنسيَّة مع الأطفال؟ وهل تخلو كنيسةٌ من الكنائس من أمثال هؤلاء الأساقفة الذين يتورَّطون في مثل هذه الأفعال التي يأبى القلم أن يكتبها، ويعفُّ اللِّسان أن يطلقها، والتَّقارير التي أُعدَّت، والدِّراسات التي أُجريت، والشَّكاوى التي قدِّمت، والاتهامات التي وجهت كلها تؤكِّد أنَّ الكنائس تحوَّلت أوكارًا للدَّعارة ومواخير للرذيلة، فلا تجد فيها إلَّا الاغتصاب وممارسة الجنس والاعتداء على الأطفال والتَّعرض للزُّوار، فلماذا يتستر البابا على هذه الجرائم التي يتندَّى لها جبين الحياء؟ ولماذا هذا الصَّمت الذي يلفُّ الفاتيكان؟ ولماذا لا تنطلق موجةٌ من الإصلاح لتغيير سلوكيَّات الأساقفة وإعادة الجو الرُّوحي إلى الكنائس؟
ولماذا لا توضع لوحات على أبواب الكنائس مكتوبةٌ عليها ممنوع الدُّخول للأطفال؟ ولماذا لا يتلقى الأساقفة عقوبةً تكون عبرة ونكالًا للآخرين؟
وأخيرًا وبكلِّ أدبٍ واحترامٍ أوجه إليك سؤالًا: لماذا هذا التَّعاطف مع اليهود الذين أحرقوا مئات النُّسخ من الإنجيل بصورةٍ احتفاليَّةٍ، ومن عاداتهم الشَّائعة البصق ثلاثَ مراتٍ عند مشاهدة كنيسةٍ أو صليبٍ مع ذكر الآيات التَّوراتيَّة التي تشتم الأغبياء.
ولماذا هذا العداء السَّافر للمسلمين الذين يؤمنون بعيسى بن مريم عليه ويحترمونه ويحترمون أمَّه مريم عليها السَّلام ويراعون كنائسهم، ألم يبلغ البابا أنَّ سيدنا عمر رضي الله عنه لم يصل في الكنيسة مخافة أن يحولها المسلمون إلى المسجد لإقامة خليفة المسلمين سيدنا عمر بن الخطاب الصَّلاة فيها.
فهل يُعقل هذا الموقف المسيحي من اليهود والمسلمين، فندعو الله أن يؤوبَ اللُّب، ويعودَ العقل إلى أتباع الدِّيانة المسيحيَّة خاصةً زعيمها البابا بنديكت السَّادسَ عشرَ حتَّى يميِّزوا الأصدقاء من الأعداء.
المصدر : مجلة الحميدية العدد الثالث.
جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين

التعليقات
يرجى تسجيل الدخول