الأخضر الإبراهيمي .. اللعبة الدولية.. أم العقل والضمير؟!



د- خالد حسن هنداوي
في كل أسبوع بل في كل يوم يحفل المشهد السوري بآلامه وآماله بأحداث جسام وعظام من حيث الواقع المؤلم الحزين الذي جعل البلاد الفردوسية سعيرا لا يطاق لظاها ولا يمكن للإنسان الحر صاحب الضمير إلا أن يصرخ عاليا من هول المصيبة التي ابتلي بها شعب الشام بهذه العصابة الأسدية ومن يساندها من أكابر مجرمي هذا العصر بمن فيهم الذين لا يوقفون هؤلاء عند حدهم ويدعون صداقتنا، وكذلك المجالس والهيئات الدولية المستقطبة حتما للشرق والغرب ويمثلها وسواها مجلس الأمن والأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان ومحاكم العدل الدولية.. كلها اثبتت اخفاقها وعجزها عن حل الأزمة لسبب واضح في نظرنا وهو أنها لا تريد الحل ولا تقبل بإدارته بصدق صونا لمدللتهم اسرائيل وحفاظا على مصالحهم الكبرى الظاهرة منها والخفية، ولذا فإني اعذر كل شاك بل باك حال أهلنا في الشام، أو ليس هذا انسانا له قلب وشعور كما يجب ان يكون للبشر جميعا..

شكوت وما الشكوى لمثلي عادة
ولكن تفيض العين عند امتلائها

أو كقول جحظة البرمكي وكأنه معنا ينصحنا
:

لا تعدن للزمان صديقا
وأعد الزمان للأصدقاء
اما من حيث ما نحسه ونشاهده من آمال عظام تتمثل في انتصار الثوار ومسانديهم في مظاهر عديدة مختلفة على طول سورية وعرضها من دمشق ودرعا وريفها إلى حلب وريفها إلى ادلب واللاذقية وحمص وحماة والريف وغيرها وخصوصا أمس حيث اعلن الاحرار عن تحرير مدينة معرة النعمان مسقط رأس أبي العلاء المعري بعد معارك شرسة انتهت بتدمير الحواجز العسكرية للظالمين ودحرهم.. إن هذه التحولات كلها وما سبقها وما يعد اليوم وفي المستقبل الواعد لتدل دلالة واحدة أن رأس الطغيان لابد أن يتحطم قصر الزمن أو طال فالعبرة بالخواتيم والمآلات ولن يكون بمقدرة الجبابرة، ان يصمدوا طويلا أما ضربات الحق المدوية رغم الفرق الكبير في العدة والعتاد وهذا ما أصله لنا القرآن الكريم والسنة وذكر به أمير الشعراء شوقي:

قوة الله إن تولت ضعيفا
تعبت في حراسة الأقوياء

أي الطغاة الفراعنة الذين هم مع ادعائهم بأن من يعارضهم قليل إلا انهم يخافون من صولاتهم كقول فرعون وملئه عن موسى عليه السلام ومن معه (وإنا لجميع حاذرون) بعد قوله عنهم (إن هؤلاء لشرذمة قليلون، وإنا لهم لغائظون) الشعراء 54-56 وبعد اتهامهم بأن خروجهم ضده مؤامرة كما هي اليوم المؤامرة المزعومة على سورية الاسد المقاوم الممانع زورا وبهتانا.
ومع هذا الوضع المشكل بآلامه وآماله اليوم فإن كل الحكماء والعقلاء من مخضرمي السياسة بمفهومها الحقيقي الذي يعني حسن التدبير يجب أن يحكموا الشرع والقانون والعقل الذي هو أصل فيهما ويفيدوا من عبر التاريخ فإنه الكاشف الحقيقي والمشخص النطاسي الذي لا ينطلق من العنجهية والفئوية ويغلب خطاب العقل على خطاب الحماقة والسعي للغلبة ولو على حساب تدمير سورية وأهلها دون رادع من انسانية أو ضمير فإن الله لا يصلح عمل المفسدين وهنا قد يكون من المناسب ان نذكر ان العلامة ابن الجوزي قال: إن العقل اصل الشرع أي انهما لا يتعارضان ولكن الغاية بينهما كما حرر العلماء أن العقل نبراس للشرع، وأن الشرع عصمة للعقل، وإن كان المعري يعتبر مبالغا في الاعتماد على العقل ربما وحده كما يرى البعض في قوله
:

كذب الظن لا إمام سوى العقل
مشيرا في صبحه والمساء
وإن كان في البيت نفسه ما يدل على ان اعتباره المؤكد للعقل إنما جاء في مقابل ذم الظن وهكذا فالعقل مرشد حكيم في لجة الشبه البهيمة والخطوب الجسيمة فهل سيستطيع الأخضر الإبراهيمي المبعوث الدولي والعربي لحلحلة الأزمة أن يتعامل مع العقل الواعي بعد اعتماده على القانون الذي لن يحل هذه العقدة ربما إلا بعد ان يهلك الحرث والنسل، وهل يستطيع ان يثبت على الطلب والمتابعة للمجتمع الدولي ان يكون قراره ملزما لحكومة دمشق أم أن قواعد اللعبة إقليميا ودوليا ستضع له دوما العصي في العجلات، أم انهم ربما تشكل لهم بعض الجد في التعامل مع المشهد اليوم بعد أن أدركوا أن الثورة في كل يوم تقتلع القلاع المزعومة عند اللانظام برا وجوا وانها تفرض واقعا حقيقيا على الارض فلابد للمجتمع الدولي أن يقترح شيئا لذر الرماد في العيون وهو ربما يكون المعروض الذي يقترحه الإبراهيمي بإيفاد ثلاثة آلاف جندي لقوة حفظ السلام لوقف العنف في سورية يشترك فيه المجتمع العربي والدولي، تمهيدا لحل ترقيعي ربما ترضى به بعض الأطراف وإن كان لا يلبي طموحات الشعب الأبي وذلك غرارا على ما حدث في البوسنة والهرسك، حيث إنه لما وجد المجتمع الدولي تفوق القوات البوسنية امام الصرب والكروات اسرعوا الى اتفاقية دايتون التي سبقت بتمهيدات ربما بعضها ما قد سيجري في سوريا.
 ولكننا نقول أولا واخيرا: ان هذه العصابة التي لم توفر طيفا ولونا وطائفة من الشعب السوري إلا قتلته وعذبته وسجنته واعتدت على حرماته .
وهنا يجب ألا ننسى ما حدث ويحدث في منطقة القرداحة مسقط آل الأسد من معارضات ومظاهرات واشتباكات وضحايا وما تزال الأمور تنذر بالتوسع إن هؤلاء المجرمين يجب ألا يستمروا في حكم سورية أبدا لأن هذا المجتمع الدولي الذي يدعو إلى استقرار البلاد وعدم تهديدها للسلم الأهلي المحلي والاقليمي والدولي إن كان صادقا فلا عليه الا ان يحزم امره كما حزمه في العديد من الاحداث المشابهة والا فإن التآمر لن يقتصر على عصابة الاسد وإنما على هذا المجتمع نفسه بوجه أو بآخر وان بعض ما يقدمه لوجستيا باسم الثورة داعم لتقويضها بل تقويتها بإزاء الترسانة الهائلة لحكومة الباطل وما يضاف إليها من اسنادات حاقدة، ان صوت العقل قد غاب كثيرا وان الرحمة قد عدمت فمتى يتم اصلاح الخلل مع ان الكل اصبح يشاهد ان الاسد الذي يخيف بالزئير انتقل إلى النباح والهرير ومازال على اشد حمقه فكيف الدواء يا سيد إبراهيمي أما قرأت قول صالح عبدالقدوس..

وبعض الداء ملتمس شفاه
وداء الحمق ليس له دواء
يا إبراهيمي : في اللغة السريانية ابراهيم يعني الاب الرحيم فكن مثله رحيما حليما وإلا فاعتذر كي يرحمك التاريخ ولا تقف محايدا امام هذه المجازر والفظائع استجب لنداء الله والوطن ولا تكن مع البعض مثل حاطب ليل، أو مخلب للذئاب

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين