إمَامُ الطيِّبين

فتش في سير الناس وتراجمهم ما استطعت ،

واستخرج من بطون الكتب وخبايا الزاويا مناقب الناس وفضائلهم ،

لن تجد أطيب نفسا ، ولا أزكى قلبا ، ولا أصفى سريرة ، ولا أعظم خلقا من النبي صلى الله عليه وسلم .

ولست بحاجة إلى ذكر ما حباه الله به من الفضائل في القرآن ، ولا ممَّا أوحي إليه في سنته فإنه معلوم مشهور .

لكني أوقفك على شيء من زوايا الجمال وخبايا الجلال في خلقه وأوصافه ممَّا فتح الله به علي أثناء المطالعة،

فمن ذلك :

أني رأيت كمّا هائلا من الإيذاء تعرض له رسول الله صلى الله عليه وسلم من رأس المنافقين عبدالله بن أبي 

قذفه في عرضه ،

وقال له :"أخِّر عنا فقد آذانا نتن حمارك " .

وقال :" من جاءك منا فاقصص عليه " . فعد الوحي قصصا وحكايات ،

وعاد بثلث الجيش يوم أحد ،

وقال :" لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل " .

ومازال يفتل للمسلمين في الذروة والغارب يكيد الدسائس ويخطط المؤامرات حتى مات .

فلما مات 

حرص النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي عليه ، ومنع عمر من الاعتراض على الصلاة عليه .

وقال :" لو أعلم أني إن زدت على السبعين- يعني من الاستغفارله - لاستغفرت له"

وكفّنه في قميصه .

أيُّ قلب هذا!!

وأيُّ نفس تلك التي كام يحملها النبي صلى الله عليه وسلم بين جوانحه!!

لقد صدق فيه قول رب العالمين :

{لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ}

اخترط عليه رجل سيفه وهو نائم ،ثم قال له: " من يمنعك مني"؟ 

فسقط السيف من يده ، فتناوله النبيُّ صلى الله عليه وسلم وقال:" من يمنعك مني "؟ 

فقال :" كن خير آخذ " 

فعفا عنه .

وجَذَبه الأعرابيُّ من رداءه جذبة شديدة أثرت في جسده 

وقال :" مرْ لي من مال الله الذي عندك " 

فضحك وأمر له بعطاء .

وتقاسم مع المقداد وصاحبيه الشراب ، فشرب المقداد ليلة شراب النبي صلى الله عليه وسلم ،

فلما جاء وكشفه ولم يجد شرابه =

دعا له 

ولم يدع عليه [والقصة انظرها إن شئت في صحيح مسلم ].

وجاءه الطفيل بن عمرو غاضبا من قومه لما دعاهم ولم يستجيبوا له 

وقال للنبي صلى الله عليه وسلم : " يارسول الله ادع عليهم " .

فقال: " اللهم اهد دوسا وائت بهم" .

فدعا لهم 

وبعد فهذا غيض من فيض، وقطرة من بحر رحمته وإحسانه 

إنه بحقٍّ 

إمامُ الطيِّبين .

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين