بسام غنوم
أرخت التطورات الأمنية المتلاحقة في سوريا بثقلها على الواقع السياسي اللبناني، وخصوصاً بعد الغارات الإسرائيلية على مواقع لجيش النظام السوري في جبل قاسيون المطل على العاصمة السورية دمشق، وقد تزامنت مع هجوم قوات النظام السوري وعناصر «حزب الله» على منطقة القصير في شكل لم يسبق له مثيل، ما ترك تداعيات كثيرة على الصعيد السياسي، وعلى الروابط الوطنية والطائفية التي تجمع بين اللبنانيين.
واللافت في كل هذه التطورات استمرار حالة المراوحة في عملية تشكيل الحكومة الجديدة بسبب الشروط والمطالب التي يحاول فريق 8 آذار فرضها على الرئيس المكلف تمام سلام، ومحاولة «حزب الله» استغلال الغارات الإسرائيلية في سوريا لفرض توجه سياسي ينسجم مع تورطه في الواقع السوري. فقد رأى النائب محمد رعد أن الغارات «تؤكد بما لا شك فيه أن المشروع الإسرائيلي والمشروع التكفيري الإرهابي هما مشروع واحد ويجب التعاطي معه على هذا الأساس»، وأضاف منتقداً موقف «بعض الأطراف اللبنانية إزاء هذا الموضوع»، في محاولة لربط الموقف اللبناني المعارض للنظام السوري والمؤيد للثورة السورية بـ«المشروع الإسرائيلي والمشروع التكفيري الإرهابي»، ما يعني أن «حزب الله» يريد ربط الواقع السياسي اللبناني بكافة تفاصيله، وخصوصاً في الموضوعين الحكومي والانتخابي بالأزمة القائمة في سورية.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل يريد «حزب الله» وفريق 8 آذار ربط لبنان بالأزمة السورية، أم يريدون استغلال الوضع السوري لفرض رؤيتهم على الرئيس تمام سلام؟
ربط لبنان بالأزمة السورية
يمكن القول إن مرحلة «النأي بالنفس» اللبنانية عن الأزمة السورية قد انتهت بعد الكلام الأخير للأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله، حيث أعلن صراحة تورط الحزب بالأزمة السورية، سواء تحت مبرر الدفاع عن اللبنانيين في القرى السورية المحاذية للحدود اللبنانية في منطقة القصير، أو عبر الدفاع عن مقام السيدة زينب، أو عبر اعتباره أن الدفاع عن النظام السوري انما هو دفاع عن مشروع «المقاومة والممانعة» في المنطقة في وجه المشروع الأميركي - الإسرائيلي.
وبالتالي دخل لبنان فعلياً في الأزمة السورية من بابها العريض، باعتبار أن هناك فريقاً يريد جرّ لبنان واللبنانيين الى موقف الدفاع عن النظام السوري، فيما يرى أكثر من نصف اللبنانيين أن النظام السوري نظام مجرم وقاتل لشعبه، ويعلنون تأييدهم الصريح والواضح للثورة السورية.
وكان يمكن الخلاف اللبناني - اللبناني الدائر حول الأزمة السورية أن يبقى في إطار «الخلاف الديمقراطي» السياسي بين اللبنانيين، إلا أن تورط «حزب الله» وفريق 8 آذار العسكري في الأمر، وخصوصاً في منطقة القصير وحمص ودمشق، ترك جرحاً غائراً في العلاقات اللبنانية - اللبنانية لم تظهر آثاره الكاملة بعد على السطح على الصعيد الوطني، وهو أمر بقدر ما هو جيد أمنياً حتى الآن، يخفي آثاراً مدمّرة قد تظهر بصورة مفاجئة في معظم المناطق اللبنانية، وخصوصاً في ظل إصرار «حزب الله» على ربط الدفاع عن النظام السوري بالدفاع عن مشروع المقاومة في لبنان. وقد رأى نائب رئيس المجلس التنفيذي في «حزب الله» الشيخ نبيل قاووق أن «الغارات الإسرائيلية على أطراف دمشق أكدت أن أهداف الحرب على سوريا تتصل بمشروع المقاومة، ومن يحارب في سوريا ضد النظام إنما يخدم مشروعاً وأهدافاً إسرائيلية».
ورغم أن حزب الله يحاول أن يغطي تحركه وقتاله في سوريا الى جانب النظام بغطاء الدفاع عن «المقاومة والممانعة»، وبالتالي فهو يجد هذا التصرف إسلامياً ووطنياً، إلا أن هناك أوساطاً شيعية على صلة قريبة وواضحة بإيران و«حزب الله» تتحدث عن أهداف أخرى لتورّط «حزب الله» في الأزمة السورية، بعيدة كل البعد عن موضوع «المقاومة والممانعة» مثل تولي الحزب عمليات التطهير المذهبي في منطقة ريف حمص والساحل السوري. فقد نقلت صحيفة «السياسة» الكويتية عن قيادي رفيع في التيار الصدري «أن المعلومات التي يجري تداولها بسرية في الأوساط الشيعية في العراق بشأن الوضع في سورية، تفيد بأن كتائب خاصة من حزب الله تتولى جميع عمليات التطهير المذهبي ضد السنّة السوريين في مختلف المناطق، بينها ريف حمص وريف دمشق ومناطق في الساحل السوري المحيطة بمدينتي اللاذقية وبانياس»، وقد كشف القيادي الصدري عن تورط «عصائب أهل الحق» العراقية التي لها علاقة قوية بـ «حزب الله» بالمعارك في سورية، ما يعطي تورط حزب الله في الشأن السوري بعداً مذهبياً بعيداً كل البعد عن قضية «المقاومة والممانعة»، وهو أمر خطير جداً على المستويين اللبناني والإسلامي.
لكن ماذا عن محاولة استغلال الوضع السوري للتأثير على الوضع الحكومي وقانون الانتخاب؟
وضع «حزب الله» وفريق 8 آذار شرطاً أساسياً للقبول بأيٍّ من الطروحات التي يسعى اليها الرئيس سلام، هذا الشرط هو حصول هذا الفريق على «الثلث المعطل»، إضافة الى بعض الحقائب الوزارية وعدد معين من الحقائب يتناسب مع حجم فريق 8 آذار في المجلس النيابي الذي اعتبروه يشكل 45 في المئة من النواب، أي إن «حزب الله» وفريق 8 آذار يريدون 45 في المئة من المقاعد الوزارية في الحكومة الجديدة.
وقد رفض النائب تمام سلام هذه الطروحات وهو ما زال مصراً على رفضها، واعتبر عبر أوساطه «أن هذا الوقت ليس أبداً وقت المناورات، أو اللعب تحت الطاولات، فالمنطقة تمر بمرحلة في منتهى الحساسية ودون أن يكون لبنان، في حالة من الأحوال، بمنأى عن تداعياتها».
إلا أن أوساطاً في فريق 8 آذار ترى أن الوضعين الحكومي والانتخابي مجمّدان في هذه المرحلة بانتظار تطورات الوضع السوري التي له الآن الأولوية القصوى، وهذه رسالة مزدوجة من«حزب الله» وفريق 8 آذار للرئيس المكلف ولباقي القوى السياسية، مفادها أن الحل في لبنان مؤجل الى اشعار آخر، إلا إذا تمت الاستجابة لشروطنا بخصوص «الثلث المعطل» وقانون الانتخاب. فهل يسقط لبنان في أتون الأزمة السورية، أم يسقط النظام السوري وتتغير المعادلات في لبنان.
المصدر: مجلة الأمان اللبنانية
جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين
التعليقات
يرجى تسجيل الدخول