أوهام الديكتاتور ـ بشار الأسد أنموذجاً ـ

د. محمد وليد حكمت

أعلن بشار الأسد في خطابه الأخير أن سورية ليست في أزمة! وأنه ماضٍ في قتال الإرهابيين ولو كان الثمن غالياً، كما تعهد في خطابه بالقصاص من هؤلاء الإرهابيين حتى لا تضيع دماء المدنيين والعسكريين هدراً.
وإن بشار الأسد لا يرى الزلزال الذي يضرب سورية، وهو يتوهم أن بإمكانه البقاء رغم قتله أكثر من خمسة عشر ألف إنسان، وتشريده أكثر من مليون ونصف داخل سورية وخارجها، وهدمه المدن والبلدات والقرى على رؤوس أصحابها.
ويحار المرء إزاء شخصية كهذه: هل تحمل دلالات جنون العظمة؟! أم عِظَمِ الجنون؟!، وهل سلوكه هذا يدل على قسوة خارقة؟! أم غباء خارق؟!.
قد يبدو للمراقب أن البطش الشديد الذي ينزله الأسد بالشعب السوري، ما هو إلا قصر نظر يفاقم أموراً كان يمكن معالجتها بالاستيعاب والحكمة، بدءاً من أطفال درعا ومروراً بمذابح الحولة والقبير، في ريف حماة، ولكن الناظر في طبيعة النظام السوري الديكتاتوري الطائفي، يرى أن الوحشية مكون أساسي من مكوناته منذ استيلائه على السلطة في ستينات القرن الماضي، وهو حين يذبح الأطفال ويرمل النساء ويهدم البيوت، لا يتصرف بغباء إنما بحكم جبلته الوحشية وطبيعته الديكتاتورية الطائفية، وإن كان بين الغباء والوحشية آصرة نسب وقربى.
ويتوهم بشار الأسد بأنه باق رغم الدماء والأشلاء ورغم مخالفته لسنن السياسة والاجتماع، وأن ما لم يتحقق بالوحشية المفرطة حتى الآن سوف يتحقق بالمزيد منها.
ليعلم الأسد وغيره من الطغاة والجبابرة!
أن الأنظمة الديكتاتورية القمعية تحمل بذور سقوطها في رحمها فهي أنظمة صغيرة الرأس طويلة اليد، لا تملك الشجاعة لتصحيح المسار، ولا تملك منطق الحوار، ولا عقلية المشاركة التي هي أساس الاستمرار والاستقرار، لقد صنع الاتحاد السوفيتي من الأسلحة الذرية ما يكفي لتدمير العالم، وغزت مركباته عنان الفضاء ولكنه لم يستطع أن يغزو قلوب شعبه المقهورة، وحاول أن يقايض الخبز بالحرية فسقط، فكيف ببشار الأسد الذي أكل الخبر كُلَّه، ولم يُبقِ شيئاً يقايضه بالحرية، أما الإصلاح الذي يتحدث عنه فهو عدوه الأول، وهو الكلمة المقيتة التي يود لو يذبحها مع الذابحين، وهي الكلمة السحرية التي تقلب السحر على الساحر وتقوض بعون الله تعالى ما بناه خلال عقود.
كنا نظن أن الطغاة يتعلمون من أخطائهم، ولكن بشار الأسد يثبت مرة بعد مرة أنه أغبى من أن يتعظ وأن يتعلم .
يذكر التاريخ أن المغول والصليبيين مروا على تلك الأرض مروراً بين الكلمات العابرة كما قال الشاعر محمود درويش للإسرائيليين.
وسيذكر التاريخ أيضاً أن الأسد وشبيحته مروا بتلك الأرض مرور الذئاب الغادرة، ولم يحملوا شرف الانتساب إلى حضارتها وقيمها، فالشام أرض مباركة وشعبها حر كريم، وفي تلك الأرض نزلت الديانات السماوية، وفيها اخترعت الأبجدية ومن غوطة دمشق أزهقت حدائق غرناطة وطليطلة واشبيلية، و من ساحاتها انطلقت جياد الفتح في مشارق الأرض ومغاربها.
يقول المفكر السوري: عبد الرحمن الكواكبي في كتابه الشهير: (طبائع الاستبداد): ( أن طول العهد بالاستبداد يُنمي نوازع التسفل عند الناس)
ويبدو أن طول عهد الاستبداد قد نمَّى عند حافظ وبشار الأسد نوازع التسفل بدرجاتها العُظمى، ولكن وفي نفس الوقت ـ ومع بشائر ثورة الشام المباركة ـ  كشف عن الوجه النبيل والمشرق لشعب سوري كريم، قوي الشكيمة والإرادة، لم يزده الاستبداد إلا نُبلاً، ورفضاً لطاغية يخطب تحت قبة البرلمان ويقول لشعبه: إياكم والتوقف عن الثورة لأنني أعدكم إن توقفتم أنني سأنتقم منكم.
حقاً لا يوجد للاستبداد حدود.
ولا يوجد للغباء حدود.
[وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ] {الشعراء:227} .
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
7/6/2012

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين