احمد الجمال الحموي
عضو رابطة العلماء السوريين
إن مطالبة أي أقلية بحقوقها أمرٌ مشروع يجب أن لا ينكره عاقل يحترم مبادئ العدل والمساواة. وفي الوقت نفسه على الأقلية أن تطالب بحقوقها المشروعة بأساليب ووسائل مشروعة، وعلى الأكثرية أن تمنح الأقليات تلك الحقوق كاملة غير منقوصة دون تحايل أو مماطلة.
إلا أن هذا الكلام لا ينطبق إلا على الدول التي تستعمل مصطلح أقلية وأكثرية غير أن ثمة دولاً كثيرة ليس فيها هذا المصطلح، ولكن فيها مواطنون متساوون أمام القانون بلا فرق بين قومية وأخرى وطائفة وأخرى. وهذه الصورة الأخيرة هي التي كانت عليها الحال في سورية قبل أن تبتلى بالحكم الأسدي الطائفي.
وهنا نقطة مهمة هي أنه ليس من حق أية أقلية على هذه البسيطة أن تعتدي على شيء ولو قليلاً من حقوق الأكثرية، فضلاً عن أن تسلب الأكثرية حقوقها كلها وتقصيها إقصاء كاملاً عن إدارة الدولة وشؤون الحكم وكأنها شيء طارىء، أو غريب دخيل.
وعندما تسرق الأقلية الحكم _ وهي لا تستطيع أن تستحوذ عليه إلا بالسرقة_ تكون قد وقعت في خطأ قاتل، وورطة كبيرة وأوقعت الوطن معها في تلك الورطة، وذلك عندما وضعت نفسها في مواجهة الأكثرية التي لا تقبل ولن تقبل بإقصائها والعدوان الصارخ المذل على حقوقها ومكانتها.
وفي مثل هذه الأوضاع لابد أن تتحرك الأكثرية ولو بعد حين وتسعى جاهدة وإن غلا ثمن السعي لاسترداد حقوقها المهدورة، ومن الطبيعي حينئذ أن يحتدم الصراع بين اللصوص وأصحاب الحق أما سببه فهو تطاول الأقلية وتصرفها الأحمق. وسيكون الصراع مريراً وربما كان مدمراً إذا تشبثت الأقلية بالوطن المسروق الذي حسبته غنيمة ليس من حق أحد أن ينازعها فيها.
ولن يهدأ الصراع إلا بعودة الحق إلى أصحابه والأمور إلى قانونها الطبيعي. وربما تكون جراح الصراع غائرة يحتاج شفاؤها إلى عدة عقود وما من شك أن سرقة الأقلية للحكم استخفاف بالأكثرية واحتقار لها، وكأن الأكثرية مجموعة من البلهاء لا تصلح للحكم ولا تملك الكفاءة التي تؤهلها لذلك.
وقد ظن بعض الناس أن حافظ الأسد خدع الأكثرية ودجنها فاستكانت وخضعت(إلى الأبد) وأن صمت الشعب يعبر عن استقرار، ولم يفرق هؤلاء بين الإستقرار الحقيقي والهدوء النابع من الرضى من جهة وبين الهدوء الذي يسبق العاصفة والكبت الذي لا يحتاج إلا إلى شرارة صغيرة كي تشب نيرانه فتأتي على السارقين مهما ملكوا من أسباب القوة ومن وسائل الحذر من جهة أخرى. وفيما يجري في سورية هذه الأيام من ثورة عز نظيرها في الماضي والحاضر تصديق وتأكيد لما ذكرت.
إذن لم يكن صمت الشعب السوري صمت القبور بل كان صبر الأحرار الذين ينتظرون لحظة الوثوب لتحقيق مبدأ العدالة الفطري الذي يقضي بأن تحكم الأكثرية كما هو حاصل في العالم كله.
لكن كيف تستطيع الأقلية أن تستولي على الحكم، وهل يمكن منطقياً أن تغلب فئة لا تبلغ عشر الشعب تسعة أعشاره أو أن تفوز بانتخابات حرة نزيهة ليس فيها تزوير ولا ترهيب. إن المنطق والعقل يحكمان باستحالة هذا، ومادام الأمر هكذا فكيف حصل في سورية ماحصل؟
والجواب إنه الغدر بالتآمر على الوطن وخيانته بالإستعانة بالخارج الذي لا يرضى بأقل من تحقيق مصالحه على حساب الوطن ومصالحه العليا.
وبعد أن تمت السرقة ابتداء لم يكن من الممكن البقاء في الحكم والإستمرار فيه إلا باستمرار الخيانة، خيانة الوطن بتقديم المزيد من الخدمات لأعداء الأمة والمتربصين بها.
ويمكن أن نقول إن الأقلية لا ترتكب هذه الخطيئة إلا إذا كان لدى بعض قياداتها طموح يصل إلى درجة الجنون. أو كان في عقول تلك القيادات مشروع خطير لا يمكن تحقيقه في ظل حكم الأكثرية وما دام الأمر هكذا فلابد من سرقة الحكم لتحقيق المشروع الذي يرفضه الأكثرية والذي يلغيها ويضر بمصالحها.
وفي العالم الكثير من الأقليات العاقلة لم تتورط في رذيلة سرقة الحكم وإقصاء الأكثرية حتى وإن حسبت تلك الأقليات أن حقوقها منقوصة بل ناضلت سلمياً وبالطرق المشروعة للوصول إلى ما تصبو إليه.
لقد أتيح للطائفة الحاكمة الان فرصة تاريخية لتصحيح علاقتها بالشعب لكنها لم تفعل ولو فعلت لكان خيراً لها. فقد كان على قادة الطائفة وشيوخها_ وليس بعض الأفراد الأحرار من رجالها _أن يعلنوا ببيان صريح مشترك البراءة من بشار واجرامه وأن يطلبوا من أبنائهم الخروج على عميل إيران ويصرحوا أنهم مع الشعب وثورته وقد كان هذا كفيلاً لوحدث أن يصحح كثيراً من أخطاء الطائفة الكبرى وكفيلاً بإبعادها عن الحفر الكثيرة التي ارتكست فيها فيما مضى. وأرى أن الإعلان المتأخر خير من الصمت الذي لايمكن فهمه إلا أنه موافقة للقاتل المجرم وتأييد له فهيا إلى انتهاز فرصة قد لا تتكرر وحبذا عدم الاستمرار في نهج الأخطاء والآثام.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم والحمدلله رب العالمين .
جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين
التعليقات
يرجى تسجيل الدخول