وما يعلم جنود ربك إلاهو 

كثرت الأقاويل وكثر المحللون والمعلقون هذه الايام حول الفيروس كرونا ، واختلطت بشأنه الافهام وتباينت الاحكام والمواقف من هذا الوباء الذي حل في العالم فاستنفر الطاقات وقلب العادات واقضّ المضاجع واصاب الناس بالخوف والهلع على انفسهم ومن حولهم .

فبعض الناس يقول هذا الفيروس؛ جندي من جنود الله ، ويتساءل آخرون مستنكرا ، وكيف يكون من جند الله وهو كارثة وبلاء على العالم كله ؟ وثالث يقول: اذا كان من جند الله فلماذا نحاربه؟ ورابع يقول: اذا كان من جند الله فسينتصر لامحالة لان الله تعالى أخبرنا " وان جندنا لهم الغالبون "الصافات/١٧٣.

الى غير ذلك من الاقاويل والتأويلات التي ينم كثير منها عن جهالة وسطحية في فهم طبيعة خلق الله والغاية من إيجاد المخلوقات وهو الحكيم الخبير ، العالم بهذه المخلوقات ووظائفها والغاية من وجودها ، وان الله لم يخلق شيئا عبثا دون غاية او علة ، وهو احكم الحاكمين .

وباختصار يمكن القول : ان جميع ما في السماوات والارض من مخلوقات هم جند الله ، "ولله جنود السماوات والارض وكان الله عزيزا حكيما " الفتح /٧.

فالملائكة في السماء من جند الله .

وكل البشر على هذه الارض من جند الله ، فقد روى مسلم في صحيحه عن ابي هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال : الارواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف"

وكل المخلوقات في هذا الكون الارضي من بحار وانهار وهواء ونار وشمس وقمر ونجوم واشجار وسائر الجمادات من جند الله.

وما على هذه الارض من حيوانات وطيور وحشرات واوبئة وفيروسات وسائر الامراض ، والصواعق والزلازل والبراكين كلها من جندالله.

" وما يعلم جنود ربك الا هو وما هي الا ذكرى للبشر "المدثر /٣١

وما ينزل بالناس من هذا الامراض والأوبئة إلا ابتلاء وتخويفا وتذكيرا لمن يشاء من عباده ، أوسخطا وانذارا  و مقدمات للعذاب الاكبر يوم القيامة .

" وما نرسل بالآيات الا تخويفا"الاسراء /٥٩

وقد يسلط الله تعالى ذلك على المسلمين ابتلاء ومحنة ليبتهلوا الى الله بالتوبة والدعاء ويكون في ذلك رفع لدرجاتهم وتعظيم ثوابهم ، ومن مات بسبب هذه الاوبئة مات شهيدا ،بل من مكث في بيته اثناء الحجر او خوفا من المرض فله اجر الشهيد كما جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم .

وبعد هذا الاجمال لنا وقفات :

الاؤلى : ان خلق الله وتقديره ومشيئته شامل لكل مخلوق وموجود في هذا الكون بما في ذلك الخير والشر ، الايمان والكفر ، الطاعة والمعصية ولو لم يشأ الله كونه لما كان ، وان الادلة على عموم المشيئة والخلق كثيرة ومنه قول الله عزوجل :" وخلق كل شيء فقدره تقديرا"

" ولو شاء ربك ما فعلوه" الانعام:١. "ولو شاء ربك لامن من في الأرض كلهم جميعا" يونس/٩٩

الثانية: ليس كل ماأراده الله وشاءه أحبه أو رضيه ، بل وإن اراده كونا ولكن أبغضه شرعا ودينا.

فالمخلوق أو المراد نوعان مراد لذاته محبوب ، ومراد لغيره ليس محبوبا ولا مرادا لذاته ولكن مراد لغاية اخرى ، الغاية هي المحبوبة والمرادة ، وبذلك تتحقق حكم كثيرة من خلق ذلك ما كانت لتتحقق بدونه مثل خلق الاوبئة والامراض وانواع البلاء.

الثالثة:قد رتب الله تعالى سلب النعم وحلول النقم على اتيان مساخطه وموجبات معصيته .

قال الله تعالى :" وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها من كل مكان فكفرت بانعم الله فاذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون "النحل/ ١١٣.

الرابعة : اذا كان الكفر والمعاصي والشرور من خلق الله فلا يجوز الرضى بها بل علينا ان نكره ذلك واصحابه ،

وكذلك الاوبئة والامراض مأمورون شرعا ان نقاومها ونقضي عليها ونفر منها بالبعد عمن اصيب بها والأخذ بأسباب الشفاء لمن ابتلي بها ، وان كانت مقدرة من الله فمكافحتها والفرار منها مقدر ايضا، فالمرض قدر والصحة والعافية قدر ايضا ، ونحن مامورون ان نفر من قدر المرض الى قدر الصحة ومن قدر المعصية الى قدر التوبة والطاعة كما قال الخليفة عمر رضي الله عنه بشأن فراره من طاعون عمواس : نفر من قدر الله الى قدر الله"

.فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وهو على كل شيء قدير ..

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين