وما كنا غائبين  واشنطن – باريس – موسكو – طهران ...وعُمان

 

وكما تزدحم السماء السورية بطيران المتنافسين على قتل السوريين ، وتشريدهم ، وتدمير بلادهم ، لتطويعهم ، وكسر إرادتهم ، وفرض ما يشاء ( تجار الحروب ) الدوليين عليهم ، تزدحم عواصم الدول الكبرى باللقاءات والمؤتمرات والمبادرات والتحضيرات ... ولا أحد يسألك : لماذا الآن ؟!

ولقد مضى على هذه الثورة الجميلة المباركة المظفرة خمسة أعوام وبدلالة مفهوم المقابلة فقد مضى على جريمة حرب الإبادة : الأسدية – الصفوية – الروسية تنفذ على السوريين خمس سنين وسط صمت الصامتين ، ولامبالاة المسئولين ؛ من حملة أمانة القرار الدولي في واجبهم في حماية المدنيين ، وصيانة السلم والأمن والدوليين ..

لماذا الآن يُهرعون ؟! ولماذا الآن يتناصرون ؟! ويتقاربون ويتوافقون ؟! وبكلمات معدودة فقط نقول : لأن صاحبهم الظالم المستبد القاتل الفاتك لم يعد يطيق على الاستمرار في المطاولة صبرا . خمسة أعوام والشعب السوري يعطي ، وخمس سنين وقوى الشر العالمي تغطي وتدعم وتمد بالغي والشر ولا يقصرون ...

خمسة أعوام لشعب سورية الحر الأبي وخمس سنين لأعدائهم : وأوهى قرنه الوعل ، وكل القوى التي جاءت على عجل بالسر والعلن تحاول اليوم أن تختصر على نفسها المهام الصعبة ، فلا تدري لما هي فيه مدخلا ولا مخرجا ..

أيها الثوار السوريون الأحرار الأبرار : قلتم الله ولينا ووكيلنا فكان لكم نعم المولى ونعم النصير . فلا تظنوا فيما أنتم فيه إلا الخير ، ولا تقبلوا إذ أنتم منتصرون متغلبون إلا بحقكم كاملا غير منقوص . واعلموا أن الكرامة لا تبعّض . وأنّ الحرية لا تجزّأ ولهما خرجتم ، وأن خلية سرطانية واحدة يغفل عنها الجراح تجعل كل السعي في ضلال ...فاحذروا تخوضوا مع الخائضين ، أو أن يستفزكم الذين لا يوقنون..

ومن واشنطن ، التي ظلت لامبالية ، لم تحرك فيها شعورا إنسانيا دمعةُ طفل ولا استغاثة امرأة ، ولا مشهد الوجوه البريئة فتك بها غاز السارين ، وتحت وطأة تحد روسي ، لا شأن لسكان المنطقة بانعكاسه على المصالح الأمريكية ، خرج علينا وزير الدفاع الأمريكي بالأمس بمزيد من التهديد والوعيد ( شِنشِنة نعرفها من أخزم ) تقول العرب .

وبالأمس أيضا كان رئيس الوزراء البريطاني الأسبق بلير يعتذر ، وهل تكفي ( آسف ) في خطيئة دمرت بلدا على أهله وحصدت منهم الملايين . محاكم التاريخ التي سيساق إليه ( بوش الابن وتابعه بلير ) بلا شك ألن يساق إليها ( اوباما ) و ( كيري ) ولا نستغرب أن يكون قاضيَها إنسانٌ أمريكي أو أمريكي إنسان ..

ثم في باريس ، حيث يحاول أولاند أن يحشد ليستعيد دورا فرنسيا فقدته فرنسة منذ فقدت زعيمها ديغول . ديغول عملاق ( فرنسة الحرة ) الذي تصدى للنازي المحتل ولحكومة فيشي في وقت معا ، هل تطال قامتَه قامةُ أولاند وهو يجرجر خطاه نحو استدارك لطمة الاستبعاد عن فيينا ، وكأن أوباما يقول له ولنظرائه الأوربيين، ليس بعشك فادرجي ؛ مع أنه ظن أو حسب أنه في بناء الأطلسي أو التحالف التكويني ( الأوربي – الأمريكي) عمود فسطاط ، وأنه بالنسبة للملف السوري وريث استعماري على نحو ما يقرره الفقهاء على قاعدة الاستصحاب ..

المبادرة الفرنسية في الدفاع عن الدور الفرنسي ، أو الوجود الفرنسي على قائمة الدولة الفاعلة ، في عصر أصبحت فيه إيران دولة عظمظم ، جاءت متأخرة جدا . ولقد كانت أبواب المجد بكل ألقه الإنساني مفتوحة على مصاريعها أمام ( أولاند ) الإنسان أو أمام الرئيس الفرنسي في قصر الإليزية ،يوم كانت صور ضحايا جريمة السارين من اطفال الغوطة محمولين على اذرع آبائهم مسمرة في أعين الرأي العام العالمي وحتى الأمريكي . لقد كانت صورة أولاند وهو يتحسس موضع لطمة أوباما على خديه واحدا بعد الآخر، مثيرة للخزي وليس للإشفاق ، وابتلعها أولاند وما كان له يومها أن يبتلعها ؛ فهل يستطيع اليوم وهو يرى أوباما وبوتين يجعلان من النادي الدولي مائدة محجوزة لمن يريدان أو على من يتفقان حتى لو كان مهزولا مثل السيسي ، هل يستطيع في مبادرة باريس للأرض اليباب أن يبث الحياة في الرحم العقيم ؟!..

ومن موسكو ...

ولكي يفهم السياسي موسكو ، عليه أن يستشير ، خبيرا بعلم النفس . لا أدري إن كان صانع القرار العربي قد اقتنع في هذا العصر أن يكون له مستشاروه من الخبراء النفسيين ..

ماذا يريد بوتين من سورية ومن المنطقة ومن العالم ...

يريد أن يخرج على العالم بزينته بعد أن تجرد عُريانا بضع عشرة من السنين ..

يريد أن يتبختر مزهوا كالطاووس ...

يريد أن تكون موسكو قبلة ومحجة ومثابة وكما كان بيت أبي سفيان يوم الفتح ...

يريد كل هذا وهو مستعد أن يدفع ثمنه من دماء أطفال سورية ، وأعراض بناتها ونسائها ، بل لقد فعل ذلك على مدى خمس سنين ..

فهل من الحكمة أن نجاريه فيما يريد ..؟!

هل من الحكمة أن نعبد الطرق الوعرة التي تصل عواصمنا بعاصمته ؟!

هل من الحكمة أن نجيب على اتصالاته إذا اتصل ؟! وأن نستقبل مراسيله إذا أرسل ؟ ...

" اجعلوا طرق الرب مستقيمة " " عليكم بالجادة وإياكم وبنيّات الطريق " هكذا تقول حكمتنا الموروثة ؛ وإلى موسكو حيث إرادة العلو والفساد ولو بقتل الأطفال وهتك الأعراض لا طريق مستقيما يوصل ، ولا جادة حقيقية تؤدي فاحذروا ...

أما مشروعات ( الكفتة التي تعالج الإيدز ) والتي استعارها بوتين الحويط من السيسي العبيط ، بالحديث عن ( معارضات سورية ) مقاليدها بيده ، وقادة فصائل من الجيش الحر من أصابع ( الكفتة إياها ) فالنصيحة فيها ، وفي طرق استعمالها فلا تصلح لكتابة الكاتبين

ومن طهران حيث ترتفع مؤشرات عداد الصرعى من القادة والجنرالات ، وترتفع بارتفاعه وتائر الجرأة في الإعلان ، والاحتفاء والاحتفال ..وكأن السائس الصفوي يريد أن يقول ( نحن هناك ) و (نحن نقدم ) و(نحن ندفع الثمن ) ؛ ومن حق المراقب أن يتساءل هل يريد السائس هذا أن يقول : ( نحن نفي بما وعدنا ) في إشارة واضحة إلى الوفاء بالدور يوم وقعت صفقة تقاسم الأدوار بين المحتلَين الروسي والإيراني ؟! يوم قال الثاني للأول : تقدمونا في الجو نتبعْكم على الأرض . أو المقصود أن يرفع الإيراني مسبقا معايير الكلفة وهو قد أمن المساءلة.. ليكون الاستحقاق أكبر يوم الاقتضاء الذي يظنونه قريبا وإن ( اخطأت استهم الحفرة ) كما تقولها العرب ..

وأخيرا الرسالة من عُمان وإلى أهلنا في فيها ..

وأهل النخوة والشهامة والمروءة عند أهليكم في الشام يتسارعون إلى عقد المصالحات ، ويتحملون في ذلك الحمولات ، ويدفعون الأموال ، ويتأولون قول الله سبحانه وتعالى (( لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ..)) ..إلا في الصراع للذود عن الأعراض فلهم فيه رأي آخر ..

إن أبناء أمتكم يعتبرونكم أهلا وعشيرة وظهيرا : وهم ما زالوا يتساءلون عن مآل الوساطة مع الأمريكان لتمكين إيران : في أي كفتي الخير أو الشر لهذه الأمة وقعت .. مجرد ذكرى .

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين