ولعل (عاشوراءنا) قريب

العاشر من شهر محرم، إنه يوم صالح، لا شك في ذلك.

يومٌ له صداه المتردد من هناك، من أعماق تاريخ البشرية.

يومٌ صامه نوح -عليه السلام- شكراً، بعد أن طال أمد صبره سنوات قاربت الألف سنة، وخلا طريقه من النصير والسند، وصامه موسى -عليه السلام- شكراً، بعد أن كافح على جبهات عديدة، وجاور وحاور الفرعون العنيد، ثم استثمر في أداته التي جعل الله له فيها مآرب كثيرة، وصامه محمد -صلّى الله عليه وسلّم- شكراً على فضل الله في إنقاذ عباده الصالحين، وليكون ذلك سبيل الآخِرِين، وتعبيراً عن وطيد علاقتهم بالأوّلين.

وأما نحن، فسنصومه، حفاظاً على تلك العلائق المجيدة.

 سلالة مباركة، بعضها من بعض، لا تعرف إلا أن تكون صابرة أو شاكرة. بل لا تعترف إلا بحقّ تلك الأواصر الممتدة على طول الزمان، فتجتمع في الأفراح والأحزان، تعبد الله مسرورة بفرج الله، وتعبده جلّ وعلا حتى عندما يعتصر الألم جوفها، راضية بقضاء الله.

وقد ورد عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (قدِم النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال: ما هذا؟ قالوا هذا يوم صالح، هذا يوم نجّى الله بني إسرائيل من عدوّهم، فصامه موسى، قال صلّى الله عليه وسلّم: فأنا أحق بموسى منكم، فصامه وأمر بصيامه) رواه البخاري.

ورواه الإمام أحمد أيضاً بزيادة: (وهو اليوم الذي استوت فيه السفينة على الجوديّ، فصامه نوح شكراً).

ابتلاءات لا يمكن احتمالها، وسنوات كادت تتجاوز قدرة البشر على العدّ، وجدال لا ينتهي، وعناد ومكابرة، وسخرية واستهزاء، واستطالة باطل ظنّ أهله أنهم مسيطرون، قاهرون، باقون!

وأدوات بسيطة (سفينة، وعصا)، لم يكن السرّ فيها يوماً، بل في الأيدي التي استعملتها، وفي القلوب التي ضخّت الدماء مع الضياء ليحركها، فأصابت تلك الزخات النورانية جمادات، حوّلتها إلى أسباب نجاة.

في يوم عاشوراء، نعود إلى الوراء، لنتعلم ما الذي سيعيدنا إلى الأمام. ونستذكر مقطعاً زمنياً فائتاً، لنصنع في ضوئه أياماً قادمة.

عاشوراء بالأمس حملت لنا صوراً إعجازية، وتأييداً إلهياً لصبر عجيب، أثمر فرجاً أعجب، حيث انقلبت الدنيا كلها، لأجل حقّ وراءه مثابر، ولأجل دعوة ربانية حملها مجاهد صابر.

وعاشوراء اليوم: {ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذَٰلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنجِ الْمُؤْمِنِينَ (103)}.

حقٌّ ألزم الله تعالى نفسه به، ولا حاجة بعد ذلك لأي تعقيب، فالآية تحمل الإشارة، يفهمها اللبيب!


جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين