حدثني والدي رحمه الله عن أبيه
مشافهة:
كان الشيخ العالم محمد وجيه
المحمودي في مطلع عشرينيات القرن الماضي طالبا للعلم، وكان يذهب لمدينة حلب بين
الفينة والأخرى لتلقي العلم هناك ولتقديم اختباراته. في ذلك الوقت كان يتردد إلى
حي العوينة في مدينة اللاذقية رجل من خارج المدينة أشعث رديء الثياب، تبدو عليه
علامات الفقر، وكان أولاد الحي يسخرون منه باستمرار ويزعجونه ويرمونه بالحجارة،
فكان الشيخ وجيه-رحمه الله- ينهرهم عن فعل ذلك ويصرخ بوجههم، فيتوقفون على الفور
وينصرفون. وتكرر هذا الأمر عدة مرات مع ذلك الرجل الغريب.
وحدث بعد فترة أن سافر الشيخ إلى
حلب لتقديم أحد اختباراته هناك. وبعد أن انطلق الركب وابتعدوا عن معالم المدينة،
تعرضوا لعملية مداهمة من لصوص قطاع الطرق الذين أوقفوا الحافلة وسطوا على أموال
الركاب وأمتعتهم جميعا. وقبل أن يكمل الركب رحلتهم، تقدم زعيم اللصوص ملثما إلى
الحافلة وألقى نظرة على الركاب وقال لأصحابه على الفور: أعيدوا أموال الشيخ ومتاعه
له فقط. تعجب الشيخ وجيه من هذا التصرف وقال له: من أنت؟ فكشف الزعيم عن وجهة
لثوان ولم ينبس ببنت شفه، وعندها تعرف الشيخ على وجهه وعلم أنه ذلك الأشعث الأغبر
الذي كان يأتي الحي ويسخر الأولاد منه. فقد حفظ هذا اللص المعروف الذي صنعه الشيخ
حتى وهو يمارس مهنته الشنيعة هذه. فسبحان الله، وبالفعل كما قال الحطيئة:
من يفعل الخير لا يعدم جوازيه ** لا
يذهب العرف بين الله والناس
روى لي جدي لأمي رحمه الله حادثة
حدثت أمامه وكان شاهد عيان عليها، وذلك عندما ذهب في شبابه إلى جامع العوينة
ليستفتي الشيخ وجيه في مسألة فقهية. وبينما هو هناك في غرفته، دخلت عليهما المسجد امرأة
بلباس محتشم، تضع على وجهها المنديل الذي كان سائدا في تلك الفترة. وما إن ألقت
السلام وشرعت بالسؤال حتى صرخ الشيخ رحمه الله في وجهها وطردها من المسجد! وقال
لها موبخا ومستنكرا: كيف تدخلين المسجد وأنت غير طاهرة!! فما كان من المرأة إلا أن
انسحبت على الفور وخرجت. فسبحان الله.
كان الشيخ وجيه خطيبا وإماما لجامع
العوينة، وكان رحمه الله خطيبا مفوها ضليعا في العلوم الشرعية واللغة العربية.
وحدث ذات يوم أن جاء إليه بعد صلاة الجمعة أحد المتنطعين ودخل عليه الغرفة بثقة
وقال له يا شيخ: لقد أخطأت في خطبتك باللغة العربية في موضع كذا وكذا وكذا. تبسم
الشيخ وقال له بكل رحابة صدر: ألا تعلم أن الجملة في الحالة الأولى ليست إخبارية
ونصبها على الإلزام أولى، وكذا في الجملة الثانية والثالثة، وبدأ يفند له ما قاله
مبينا له الحالات والأوجه في الإعراب. فاستحى الرجل من نفسه وقال له: صدقت يا شيخ،
جزيت خيرا وانصرف.
رحم الله الجد الشيخ العالم العامل
محمد وجيه المحمودي رحمة واسعة وعوضه الجنة.
التعليقات
يرجى تسجيل الدخول