فُجعنا اليوم (بعد صلاة الجمعة 22 جمادى الأولى سنة 1441هـ) بحادث وفاة شيخنا العلامة المفسر الفقيه محمد برهان الدين السنبهلي، وهو من أقرب الناس إلى شيخنا الإمام أبي الحسن علي الندوي، ومن أصدقاء شيخنا محمد واضح رشيد الحسني الندوي الأوفياء البررة، معروف الفضل لدى الطلبة والنبهاء خاضعين له عن حق وبينة لا عن تقليد ومحاباة، توفي فأضحت معاهد العلم مقوية، والمدارس والحلق مقفرة، باكية عليه نادبة، رفعه الله درجات، وأنزله لديه في الجنات.
وهو الشيخ المفسر الفقيه الكبير محمد برهان الدين السنبهلي بن الشيخ المقرئ الطبيب الحافظ حميد الدين القاسمي، ولد في شهر ذي الحجة سنة ست وخمسين وثلاث مائة وألف في سنبهل من الهند، وتلقى التعليم الابتدائي من اللغة الأردية والفارسية وتحفيظ القرآن الكريم والتجويد والقراءة على أبيه، وتعلم في بعض مدارس قريته.
ثم التحق بدار العلوم بديوبند، وتخرج فيها سنة سبع وسبعين وثلاث مائة وألف، ومن شيوخه بها شيخ الإسلام حسين أحمد المدني، والشعلامة فخر الدين أحمد المرادآبادي، والعلامة محمد إبراهيم البلياوي.
قرأ الأبواب الأولى من (صحيح البخاري) على شيخ الإسلام، وأكمل (الصحيح) على الشيخ فخر الدين، و(صحيح مسلم) و(سنن الترمذي) على الشيخ إبراهيم البلياوي، و(حجة الله البالغة)، و(الحديث المسلسل بالأسودين) وشيئا من (مشكاة المصابيح) على الشيخ المقرئ محمد طيب القاسمي، و(سنن أبي داود) على الشيخ فخر الحسن، و(سنن النسائي) على الشيخ بشير أحمد خان، و(مشكاة المصابيح) على الشيخ جليل أحمد الكيرانوي، و(موطأ الإمام مالك) برواية محمد بن الحسن على الشيخ ظهور أحمد العثماني، وشك في أخذ رواية يحيى عنه، و(شرح معاني الآثار للطحاوي) على السيد حسن، و(شمائل الترمذي) على الشيخ عبد الأحد، و(هداية الفقه) على الشيخ حبيب أحمد الإسرائيلي السنبهلي، والجزأين الأخيرين من (الهداية) على الشيخ معراج الحق.
وأجازه الشيخ محمد زكريا الكاندهلوي بعد أن قرأ عليه الرسائل الثلاث (الفضل المبين) و(الدر الثمين) و(النوادر من أحاديث سيد الأوائل والأواخر)، وأجازه أيضًا الشيخ محمد طيب القاسمي، والشيخ ظهور أحمد العثماني، والشيخ عبد الفتاح أبو غدة، والشيخ السيد فخر الحسن، والشيخ بشير أحمد، والشيخ محمد جليل الكيرانوي، والشيح السيد حسن والشيخ عبد الأحد الديوبنديان.
وقام بالتدريس في المدرسة العالية العربية في فتحبوري من دهلي لمدة عشر سنوات، ثم انخرط في سلك التدريس في دار العلوم لندوة العلماء سنة تسعين وثلاث مائة وألف، ولم يزل يدرس بها إلى أن أصيب بالفالج قبل سنين، فصار طريح الفراش صبورا شكورا، وعمل مديرا لمجلس البحوث الشرعية في دار العلوم لندوة العلماء، ورئيسا لدار القضاء الشرعي ببلدة لكنؤ، ونائبا لرئيس المجمع الفقهي الإسلامي لعموم الهند، وعضوا في المجلس التنفيذي لهيئة الأحوال الشخصية، وله مؤلفات فقهية نافعة باللغة الأردية.
أخذت عنه تفسير القرآن الكريم من سورة الفاتحة إلى سورة المائدة، وأجزاء من صحيح مسلم، وحجة اللّه البالغة للإمام ولي اللّه الدهلوي، وكان عسيرا في الإجازة، لا يجيز إلا من أخذ عنه من الطلبة، وكتب لي بإجازته العامة في التفسير والحديث والفقه في الخامس والعشرين من جمادى الأولى سنة اثنتين وعشرين وأربع مائة وألف، وكنت أختلف إليه في بيته أيام الطلب وأخدمه، وزرته قبل أشهر في منزله في رحلتي الأخيرة إلى الهند، وكثر الذي نلتُه من نعماه، فشكر الله مسعاه.
وكان مواظبا على الدروس، متقيدا بالنظام والمواعيد، نشيطا في التدريس والإفادة، حسن الصوت متحمسا بالغ الحماسة، حريصًا على الشرح والبيان بتحريك يده، ولهجة كلامه، وملامح وجهه، وضرب الأمثلة، متعمقا في أصلاب المواضيع، متعرضا لحواشيها، ومستطردا حسن الاستطراد، وكان مدرسًا نافعا في اطلاع عالم واسع المعرفة ودقيق النظر، يقرر على الطلاب من المسائل ما يوافق مداركهم، وتسيغه عقولهم، متوددا إلى تلاميذه، حالاًّ عندهم محل المجتبى، ونازلا لديهم منزل المودود.
وكان شيخا وسيما أبيض البشرة ربعة القامة، عاقلا ذكيا، صالحا، محافظا على الصلوات، حسن الأخلاق، رضي القول والفعل، فيه أنس وإنسانية، رزينا، عف اللسان، قائلا حسنا، ممسكا عن قبيح، صموتا عن سوء، لا يقع في الأعراض، من أبعد الناس عن الغيبة والإيذاء، وكان ثبت المقام، سوي الحال، لا تميله الأهواء، رضي الله عنه وجعل الفردوس له مثوى.
التعليقات
يرجى تسجيل الدخول