وفاة العلامة المحدث حبيب الله قربان المظاهري

توفي يوم السبت 19 من شهر رجب 1441 شيخنا العلامة المحدِّث الشيخ حبيب الله قربان المظاهري الهندي الحنفيّ، نزيل المدينة المنورة.

تعودُ صلتي به إلى سنة 1427، حين زرتُه بالمدينة المنوَّرة في رجب من تلك السنة طالباً مستفيداً، فرحّبَ بي، وسمعت منه حينها الحديث المسلسل بالأوليّة، وقرأتُ عليه كتاب «الموطأ» للإمام مالك برواية يحيى الليثيّ في عشرة أيام، وأجازني بما تصحّ له روايته إجازةً عامة.

وكان قد جعل لي ساعتين إلى ثلاث ساعات من كل يوم، فلما بلغنا اليوم التاسع وأخبرتُه أنني أسافر في اليوم العاشر إلى مكة المكرَّمة، ولم نختم الكتاب بعد، طلب مني أن آتي في اليوم التالي في السادسة صباحاً لنختم الكتاب قبل الظهر، حيثُ كان سفري بعد الظهر مباشرة، فأتيتُه في السادسة وخمس دقائق، فلما فتح لي الباب عاتبني بابتسامةِ المُحِبّ: هل هذه السادسة؟ ثم ختمنا الكتاب يومها قبل الظهر بحمد الله تعالى.

ولقيتُه في السنة التالية سنة 1428، وقرأت عليه كتاب «الآثار» لمحمد بن الحسن، وتوثّقَت صلتي به، ثم لقيتُه في شهر شعبان سنة 1431، وقرأتُ عليه كتاب «الشمائل المحمَّدية» للترمذيّ، ثم في سنة 1434، وقرأت عليه ما يقرب عشرين حديثاً من أول كل كتاب من الكتب السِّتّة.

وكانت تلك الزيارة سنة 1434 آخر لقاء لي به، وكنت أرسلتُ إليه أحد طلابي يُبلِّغونه السلام، فرحّبَ به وأكرمه وعلّمه.

وكان متواضعاً مربِّياً ذا أخلاق كريمة، يجلس على الأرض، والكتب تحيط به من كلّ جانب، وكان دقيقاً في مواعيده، يقضي يومه في إقراء الحديث لطلبة العلم الذين يتوافدون عليه من مختلف الأقطار، فإذا خَلَتْ ساعة من ساعات يومه من طالب اشتغل بمطالعة كتاب أو تحقيق مسألة أو تخريج حديث أو نحو ذلك.

وقد أنعم الله عليه بحافظة قويّة وذاكرة متينة، فكنتُ إذا قرأتُ عليه صحَّح لي من حفظه، سواء في الألفاظ اللغوية أو في أسماء الرواة، وكان يُؤثِرُ السُّكوت ما دمتُ أقرأ بصواب، مع أنّ عنده من الفوائد ما يُمكِنُه أن يُردِفَ كلَّ حديث بتعليق، فكنتُ ربما توقّفتُ وسألتُه عن مسألة لمناسبةٍ تَرِدُ، فيتكلّم عليها ويفيض.

رحمه الله تعالى وتغمّده برضوانه وتقبّله في الصالحين، ورفع درجاته في عليِّين.