في ليلة ١٧ من رمضان ١٤٤٤ه انتقل إلى جوار رحمة الله تعالى الشيخ
الأستاذ الفاضل محمد يحيى الندوي، أحد أعلام الحديث، كان أعلى سندا في
معاصريه، فكان قد بقي وحيدا من بين أولئك الذين كانت لهم أسانيد عالية، وكان ذا
نظرات في العلوم صاحب نقد وتحقيق فيها، لم يكن خطيبا مصقعا بارعا ولا كاتبا
مترسلا، ولكن كانت له أسانيد عالية من شيخه الشيخ عبداللطيف الرحماني وله إجازة عن
شيخه فضل رحمن الكنح مرادابادي. وكانا من المعمرين، وبحمد الله طال عمر الشيخ كذلك
فصار المرجع للناس في السنوات الأخيرة لأسانيده العالية، وأقبل عليه الناس عربا
وعجما يستجيزون منه.
ينتمي الشيخ إلى سلالة هاشمية حسينية ينتهي نسبها إلى سيدنا
زيد بن علي بن الحسن بن علي رضي الله عنه بواسطة السيد أبي الفرح الواسطي، نزل أحد
من ذريته وهو السيد أحمد الجاجنري منقطة مونكير وانتشر أعقابه هناك وعمروا القرى،
وقرية الشيخ على شاطئ آخر من النهر المحاذي لبلدة مونكير، عمرها أحد أعقاب السيد
أحمد وهو معين الدين الذي كان من أجداد الشيخ، وكان من ذرية أخ آخر المحدث الشهير
الشيخ نذير حسين الدهلوي.
ولد الشيخ في تلك القرية المسماة بسانهة التابعة لبلدة
بيكوسراي من مناطق بلدة مونكير سنة ١٩٣٠م الموافق ١٣٤٨ه من أبوين كريمين، وكان بكر
أولاده، ولد بعد مدة من دعوات الوالدين، وكان والده من وجهاء القرية وسراة المنطقة،
جوادا كريما صاحب ثروة ينفقها في رضا الله تعالى ويخدم بها ذوي الحاجة.
عاش الشيخ طفولته في القرية في كنف رأفة الوالدين وشفقتهما، ثم
بدأ مبادئ دراسته من عالم استدعاه أبوه لتعليمه وهو الشيخ عشرت حسين الآروي، فتلقى
منه مبادئ الدراسة ومبادئ اللغة العربية، ثم توجه إلى دار العلوم التابعة لندوة
العلماء حيث قضى نحو خمس أو أربع سنين، ثم بعد إكمال مرحلة الليسانس توجه إلى على
كر،
استفاد الشيخ في دار العلوم التابعة لندوة العلماء من الشيخ
حليم عطا السلوني المحدث والشيخ محمد ناظم الندوي الأديب والشيخ المفتي محمد سعيد
والشيخ أبي العرفان الندوي والشيخ السيد أبي الحسن علي الندوي والعلامة السيد
سليمان الندوي قليلا، ثم ذهب إلى على كر واستفاد من العلامة الأديب عبدالعزيز
الميمني الذي كان يدرس الطلبة بعد موعد الدراسة وكان يلقي محاضرات حول الكامل
للمبرد فشارك فيها واستفاد، كذا أخذ من الأستاذ بدرالدين العلوي، وساعده في شعره
وبحثه عن زوائد شعر بشار بن برد، واعترف الأستاذ العلوي بمساعدته في مقدمته لكتابه
حول شعر بشار بن برد، و هناك استفاد من الشيخ عبداللطيف الرحماني، فقرأ عليه صحيح
البخاري ثلاث مرات وقرأ الكتب الأخرى كذلك في فراغ عن وقت الدراسة، وأتقنه إتقانا،
كما حصلت له الإجازة من بعض أقاربه بعد زواجه مثل الشيخ فضل الله الجيلاني صاحب
فضل الله الصمد في توضيح الأدب المفرد الذي كان ابن عم زوجته والشيخ العلامة السيد
مناظر أحسن الكيلاني الذي كان خال زوجته، ورافق المحدث الشهير الشيخ حبيب الرحمن
الأعظمي وأحبه وساعده في أعماله العلمية كثيرا، ورافقه في رحلته إلى الحجاز،
واستفاد من علماءها، وكانت هوايته بالأدب العربي أكثر من الحديث في البداية ولأجل
ذلك كان يريد أن يسافر إلى مصر ليستفيد من أدباءها وكتابها، وقد أخبرني بنفسه أنه
حاول أن يسافر بعد تخرجه من جامعة ندوة العلماء إلى مصر ويلتحق بالجامع الأزهر
ويتقن اللغة العربية وآدابها، ولكن منعته أمه لأنه كان وحيد أبويه فلم ترض
بمفارقته، فالتحق بجامعة علي كر للمسلمين الشهيرة حيث كان أمثال الشيخ عبدالعزيز
الميمني، والشيخ بدرالدين العلوي.
وكان العلامة الكبير الشيخ سليمان الندوي مشرفا للشؤون
التعليمية في جامعة ندوة العلماء فكان يحضر بين فينة وأخرى الفصول الدراسية ويستعرض
النظام والدراسات، وربما ألقى دروسا بين الطلبة فهكذا استفاد منه، كما درس شرح
معاني القرآن الكريم على الشيخ العلامة السيد أبي الحسن علي الحسني الندوي، والأدب
العربي على الشيخ محمد ناظم الندوي الأديب وأخذ المنطق من الشيخ أبي العرفان
الندوي العالم الشهير والفقه من الشيخ المفتي سعيد وتلقى مبادئ اللغة العربية من
الشيخ محبوب الرحمن الأزهري والشيخ عمران خان الندوي الأزهري.
اشتغل الشيخ بالأعمال العلمية إثر تخرجه ولكنه لم يكد يكمل
شيئا من أعماله، فأقبل على مخطوط الإسعاف في شرح شواهد القاضي والكشاف للموصلي، فنسخه
من مخطوط له في المكتبة الآصفية بحيدر آباد وقارنه بمخطوط في مكتبة خدابخش ببتنة
ولكنه لم يكمله، كما اشتغل بكتاب أستاذه الشيخ عبداللطيف في أبواب وتراجم صحيح
البخاري، ولم يتم، وكان اهتمامه بالقراءة والمطالعة أكثر من الكتابة، وبالنظر
والتحقيق أكثر من النشر، فطالع الكتب وقيد على هوامشها ملاحظات وأثبت آراء، وربما
كان ينظر في كتاب وسرعان ما يبدي رأيه في ذلك. وله خصائص ومزايا يمتاز بها عن
غيره.
رحم الله الشيخ ورفع درجاته في عليين.
التعليقات
يرجى تسجيل الدخول