وفاة الشيخ أمين سراج رحمه الله تعالى

بسم الله الرحمن الرحيم

نعى الناعون الليلة (ليلة السبت الثامن من رجب سنة 1442هـ)، شيخنا المجيز العالم الصالح أمين سراج رحمه الله رحمة واسعة، ولعمري لقد جاؤوا بنبأ حزين فأوجعوا، نعوا العالم التقي النقي، كريم السجايا، حلو الشمائل، باسق الأفعال، قالوا: مات ذو المجد، قلت: صدقتم، مات ومات معه عهد، مضى وقد تضعضع بموته قومه وأصحابه، واسودت لهم المناظر واستكت عليهم المسامع، وبكى عليه جامع الفاتح المعمور بدروسه منذ ستين عاما، مضى حين لم يبق عالم أو طالب في المشرق والمغرب إلا وهو بإجازته فخور، وبالاتصال به سعيد.

وهو العلامة الشيخ المحدث الفقيه محمد أمين سراج بن الشيخ مصطفى بن أسعد بن يوسف بن علي السراج.

ولد في شرقي تركيا في أول يوم من شهر رمضان المبارك سنة 1348، وأكمل حفظه للقرآن الكريم وهو ابن عشر سنوات، وأخذ عن مشايخ إسطنبول، وعلماء مصر، ولازم شيخ الإسلام مصطفى صبري أفندي آخر شيوخ الإسلام للدولة العثمانية، والشيخ العلامة محمد زاهد الكوثري وكيل الدرس لشيخ الإسلام بالعهد العثماني.

وبدأ بتدريس العلوم الشرعية للطلاب متطوعا في جامع السلطان محمد الفاتح من عام 1958 واستمر إلى آخر أيام حياته، درس عليه عدد كبير من الطلاب، صاروا أساتذة في الجامعات، مفتين، واعظين، معلمين، مديرين، أئمة ودعاة، رؤساء بلديات، نوّابا في البرلمان، وتجارا.

وللعلامة محمد زاهد الكوثري أكبر الآثار عليه حيث درس عليه في بيته لمدة أربع سنوات، فناوله ثبته (التحرير الوجيز فيما يبتغيه المستجيز) مناولة مقرونة بالإجازة قبل وفاته بعشرين يوما.

وأجازه أيضًا الشيخ الفقيه محمد حسن محمد المشاط، والشيخ المسند محمد ياسين الفاداني، وشيوخنا الإمام أبو الحسن الندوي، والحافظ عبد الفتاح أبو غدة، والعلامة محمد عبد الرشيد النعماني، والفقيه العالم عبد الرزاق الحلبي، والفقيه محمد ديب الكلاس، رحمهم الله تعالى.

كان موصوفا بالصلاح والتقوى، والتواضع والحلم، وإكرام الطلبة والوافدين، سهل الفناء للحالين ببابه، وسمحا رفيقا، تعددت زياراتي له ولقاءاتي معه، وسمعت عليه أشياء، وأجاز لي ولأولادي مرارا، أولها في الخامس عشر من رمضان المبارك سنة إحدى وعشرين وأربع مائة وألف، وعملت له ترجمة مسهبة في كتابي (الرحلة التركية) و(معجم الشيوخ)، ولقد أحببته وأحببت عذب حديثه، ولا تزال نغماته إلى اليوم في أذني، وكلماته في قلبي.

رحمة الله عليك أيها الشيخ الراحل! فقد كان لك فضل لا ينسى في الحفاظ على الدين وعلومه في تركيا، وكنت من أشد الناس تأثيرا في التكوين الديني للناشئة من بني جلدتك، وإذا ذكر الفخار بأرض قوم ففخرك رواية حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم بأسانيد متصلة السماع والإجازة، وبطرق أئمة ثقات، وعلماء متقنين أثبات، حسبك أن تكون حلقة في سلسلة يحلِّيها الصحابة والتابعون، ويزيِّنها الفقهاء والمحدثون، وكفاك شرفا أن يقرن اسمك بمسندي الحجاز والعراق وسائر الأمصار، ومن دونهم من ذوي الأخبار والآثار، رضي الله عنهم أجمعين.

لقد رزئت يا تركيا رزءا، فاجزعي وحق لك أن تجزعي على شيخك المبجل، جودي بالدموع ولا تسأمي، وحق لك البكاء على من تندبه كتب العلم ومجالس الذكر، فليس لعين لم يفض ماءها عذر.

تغمده الله بواسع مغفرته ورضوانه، وأسكنه فسيح جنانه، وأنزله منازل الصادقين الصالحين.