واحزناه عليك أيها الإنسان!

واحزناه عليك أيّها الإنسان المغرور بالأماني.! الكادح في متاهات الدنيا، تطلب المزيد من كلّ شيء، ولا تعلم أنّك كادح إلى ربّك كدحاً فملاقيه.. ماذا أعددتَ لنفسك.؟ يوم تسقط على الأرض، فما تستطيع القيام، فتحمل بين الأيدي، قد فارقت الحياة الدنيا بغتة، وجاءك الموعد المحتوم.. فإذا جاء أجلهم فلا يستقدمون ساعةً، ولا يستأخرون..

واحزناه عليك ! والأمل الكاذب ! والأماني الخلّب ! تتجدّد في نفسك مع كلّ صباح ومساء، وتمتدّ أمام ناظريك، وتتكاثف سحبها على عقلك وناظريك، فلا ترى سواها، ولا تفكّر إلاّ فيها، ولا تنطق بغير الحديث عنها، ولا تصغي سمعك إلاّ لمن يدغدغ مشاعرك نحوها..

واحزناه عليك ! وهي كلّما لهثت وراءها تباعدت منك، وكلّما اقتربت منها نأت عنك، وكلّما ظننت أنّها أصبحت بين يديك، قبضت عليها بكلتا يديك، فإذا أنت تقبض على السراب..

ألم تر قوافل الموت تمضي، في كلّ بقعة من بقاع الأرض.. ألم تسمع كعب بن زهير رضي الله عنه يهمس في أذنك مذكّراً:

كلّ ابن أنثى وإن طالت سلامته                 يوماً على آلة حدباء محمولُ

تمضي الجنائز إثر الجنائز.... تحمل الوليد واليافع، والشيخ والعجوز، والشيب والشباب، والأغنياء والفقراء، والعامّة والأمراء، والملوك والرؤساء وكلّ ذي روح، تحمل من لم يفكّر بالموت لحظة، ومن كان هاجس الموت لا يبرح تفكيره وذكره.. تحمل الصبيّ الصغير، الذي لم يكد يسمع عن الموت شيئاً.. ومن سقى الناس كؤوس الموت وحمامه، وكأنّه كان يظنّ نفسه بمنجاة عن هوله وحياضه..

ألم تسمع عن الموت يقتحم القصور المشيدة، والحصون المنيعة.؟!

وقد نأى أهلها بأنفسهم عن كلّ أسبابه، وأترعت أنفسهم من موائد الشهوات، وسكروا حتّى ثملوا بكؤوس الأهواء والترّهات، فهل نفعهم ذلك وأنجاهم.؟ وهل أخّر عنهم الموت وحاباهم.؟!

إنّه يأتي بقدر الله المعلوم المحتوم.. فلا نجاة ولا مفرّ..

يقول الشاعر الجاهليّ:

رأيت المنايا خبط عشواء من تصب تمته ومن تخطئ يعمّر فيهرمِ.

وإذا كان هذا الشاعر الجاهليّ يرى المنايا خبط عشواء، فإنّ المؤمن يراها أقداراً إلهيّة حكيمة، لا يدركها عقل الإنسان القاصر، وقد كان من رحمة الله بعباده أن أنذرهم أنّ الموت يأتي بغتة، وأنّ الأجل إذا جاء فلا يستأخرون ساعةً ولا يستقدمون..


جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين