هل يستوي المتخصص وغيره؟

لو أن غير متخصص وجد كتابًا، أو بحثًا، أو منشورًا على الشابكة في مسألة، وكانت هذه المسألة نفسها قد بَحَثَها متخصص، وكان ما ترجح عنده- بعد جهد وتتبع- هو عين ما قرأه غير المتخصص: يتطابق معه، أو يكاد، هل يستويان؟ هذه صورة موضوع المقال.

 

ما لا يمتري فيه متخصص ولا حصيف حِجا، أن المسافة بينهما- فيما يتصل بالمسألة- أبعد مما بين المشرقين، لو صح التمثيل.

وأجزم أن تفصيل القول متعذر تمامًا، مهما أوتي الإنسان بسطة في البيان، ولكن تقريب الفَرْق وإيضاحه ممكن:

 

١- فالمتخصص بعد بحثه المسألة، قد أحاط بقطعياتها وظنياتها، وهل هي- مثلًا- في القرآن الكريم، أو في السنة، أو مرجعها إجماع، أو...

أو كلها ظنية لا قطع فيها...

 

٢- وأحاط برتب القطعيات، ورتب الظنيات فيما بينها، بناء على دلالات الألفاظ، وعلى قوة الثبوت.

 

٣- وعَلِم مصادر الأدلة ظنية الثبوت، وما هو منها في الصحيحين، وما في غيرهما.

 وما بقي آحادًا منها، وما ترقى إلى التواتر.

 

٤- قد يرجِّح جازمًا رواية من الروايات الصحيحة على غيرها، لأدلة أو قرائن اطلع عليها بعد بحث المسألة، مع أنها- في الظاهر- كلها في الصحيح.

 

٥- لو جاءه مشكك في المسألة مثلًا، لم يتزلزل عما أداه إليه بحثه الجاد، ولفَرَقَ بين براهين المسألة القوية، والمتوسطة، والضعيفة.

ولَعَرَفَ ما يتداخل مع المسألة وما لا، وما كان مِن خلاف فيها: هل هو حقيقي أو لفظي.

 وهل لهذه المسألة أكثر من اسم أو عنوان تُعرف به لدى المتخصصين؟

 

٦- جلاؤها في صدره، وهضمه لمباحثها، مهما طال به عهد مذاكرتها لاحقًا، يجعله غالبًا- لو قرأها في بحوث أخرى- يدرك مِن أول سطرين تمكن الباحث من المسألة، أو ضعفه، أو تفوقه عليه في الرسوخ، والتأصيل، وقوة الفهم، وسعة الإحاطة...

 

٧- الاطلاع على أهم البحوث،  وعلى العلماء الذين بحثوا المسألة، أو عرضوا لها.

وهل هي من مستجدات المسائل، أو لا؟

 

٨- معرفة أقدار أهل العلم، وجلالة وارثي علم الرسالة- وإن أخطؤوا- وفَهْم مصطلحاتهم...

المسافة بعيدة بعيدة، مع أن الظاهر أن المتخصص وغير المتخصص قد التقيا في النتيجة، ولكن حقيقة الأمر أنهما لن يلتقيا حتى يلتقي السُهيل مع السُها.

 

ملحوظة:

١- المتخصص في فن غير متخصص في غير فنه، وهكذا.

٢- ليس المراد بالمتخصص مَن حاز شهادة (أكاديمية) في تخصص معين.


جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين