هكذا يربي العارفون

الأستاذ : أبو معاذ جاهوش

    
    عندما تستغرق القلوب في أعمال الطاعة ، وتعيش حقائق التقوى والخشوع ، تحظى بدرجة القرب من الله – عز وجل – وتترقى في مراتب المعرفة ، فتلهم الرشاد ، وتنطق بالصواب وتجري ينابيع الحكمة على الألسنة والجوارح ، ويبصر أصحابها الأشياء على حقيقتها ، لا يخدعهم زيف ، ولا يبهرهم بريق .


    وأصحاب هذه القلوب هم : صفوة الله من عباده ، علمهم وأرشدهم ورباهم على عينه ، فغدوا منارات ترشد إلى الهدى بلسان الحال وفصيح المقال ، وتوجه السائرين إلى أهدى سبيل ، وأقوم طريق ، على قدم النبوة يسيرون ، وبهدي الكتاب المبين يسترشدون [أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الأَلْبَابِ] {الزُّمر:18} .


    ويحفل تاريخ أسلافنا بهذا الصنف المميز من الرجال ، لا سيما القرون الأولى : قرون الخير         و البركة .


ومن تاريخ ابن عساكر  ننقل بتصرف محاورة جرت بين تاجر وعابد ، تضمنت الكثير من المعاني الإيمانية ، والقيم الوجدانية ، مع التركيز على تهذيب القلوب ، وتربية الأنفس . وقد جعلناها على شكل حوار بينهما . داعين الله تعالى أن يرزق النفع بها ، فإننا في زمن أحوج ما نكون فيه إلى معرفة وعمل ما يلين القلوب ، وينقذها من وطأة المادة التي طغت على كل شئ .


حدث أحمد بن مسلمة ، بن جبلة ، بن مسلمة ، بن أبي أوفى ، بن خارجة ، بن حمزة بن النعمان ، صاحب رسول الله - صلى الله عليه و سلم - عن السليط بن سبيع العامري : أنه قال : كنت تاجراً ، وكان أكثر تجارتي في البحر ، فركبت البحر إلى بلاد الصين ، فأتيت بها على – عابد – قد اعتزل في صومعته ، فأردت أن أعرف حقيقـة حاله ، وما هو عليه ، فبادرته سائلاً :


السليط :    من تعبد أيها العابد ؟
العابد :     أعبد الذي خلقني وخلقك .
السليط :     أ فعظيم هو ؟
العابد :     نعم يا فتى ، عظيم في المنزلة ، قد حوت عظمته كل شئ ، لا يشبه خلقه ، ولا يشبهه
                منهم شيء .
السليط :     فأين الله من محل قلوب العارفين ؟
العابد :     يا فتى ، إن محل قلوب العارفين لا يعزب عن الله بعد إذ علم أنها إليه مشتاقة.
السليط :     فما الذي قطع بالخلق عن الله ؟
العابد :     حب الدنيا ، لأنه أصل المعاصي ، ومنه تفجرت . ولترك الدنيا ثلاث منازل.


    الأولى : منزلة ترك الحرام من القول والفعل ، والحرص على طاعة المولى في كل ما جل         
        و دق ، حتى تطيع الله فيمن عصاه فيك . فعند ذلك تتفجر ينابيع الحكمة من قلبك . وأن تَدَعَ
        الهوى بنور الإيمان .


    الثانية : منزلة ترك الفضول من القول ، حتى ترحم من ظلمك ، وتصل من قطعك ، وتعطي من
        حرمك ، فعند ذلـك تقاد بحلاوة طاعة الله – عز وجل - ، وترتبط بحبل الطاعة .


    الثالثة : منزلة ترك التعلق بالرياسة ، واختيار التواضع والذلة ، حتى تصير مثل مملوك لسيده ، واعلم أنه بإمراج النظر تطلعت النفس إلى الشهوات ، فأظلم القلب ، ولم ير جميلاً فيرغب فيه ، ولا قبيحاً فيأنف منه ، وبضبط النظر ذلت النفس عن فضول الشهوات ، فانفتح القلب ، فأبصر جميلاً يرغب فيه ، وانكشف العقل  فأبصر .


السليط :     فما العقل ؟
العابد :     أوله المعرفة ، وفرعه العلم ، وثمرته النية .
السليط :     متى يجد العبد حلاوة الإيمان والأنس بالله ؟
العابد :     إذا صفا الود ، وجادت المعاملة .
السليط :     متى يصفو الود ؟
العابد :     إذا اجتمعت الهموم في الطاعة .
السليط :     متى تَخْلُصُ المعاملة ؟
العابد :            إذا اجتمعت الهموم فصارت واحدة .
السليط :     عظني وأوجز ؟
العابد :     لا يراك الله حيث يكره .
السليط :     زدني من الشرح لأفهم ؟
العابد :     كُلْ حلالاً وارقد حيث شئت .
السليط :     أراك قد تحليت بالوحدة ؟
العابد :     لو ذقت طعم الوحدة لاستوحشت إليها من نفسك . الوحدة رأس العبادة . ومؤنسها الفكرة .   
                وليس بالوحدة شدة . إنها أُنس المريدين .
السليط :     فما أشد ذلك عليك ؟
العابد :     تواتر الرياح العواصف في الليل الشاتي .
السليط :     أتخاف أن تسقط فتموت ؟
العابد :     وهل العيش إلا في السقوط وما أشبهه من أسباب الموت ؟
السليط :     فلم يشتد ذلك عليك إذاً ؟
العابد :     أما والله إذا اشتدت عليَّ الريح وعصفت ذكرت عند ذلك عصوف الخلق في الموقف
                مقبلين ومدبرين . لا يدرون ما يراد بهم ، حتى يحكم الله بين عباده ، وهو خير الحاكمين
                ، فيا طول موقفاه بين يدي القوي العزيز !
السليط :    بم يقطع الطريق إلى الآخرة ؟
العابد :     بالسهر الدائم ، والظمأ في الهواجر .
السليط :     فأين طريق الراحة ؟
العابد :     في خلاف الهوى .
السليط :     متى يجد العبد طعم الراحة ؟
العابد :     عند أول قدم يضعها في الجنة .
السليط :     أراك تخليت عن الدنيا وقنعت بهذه الصومعة ؟
العابد :            يا فتى ، إنه من مشى على الأرض عثر ، فقررت فرار الأكياس من فخ الدنيا . وخفت   
                اللصوص على رحالي ، فتعلقت بهذه الصومعة ، وتحصنت بمن في السماء من فتنة من     
                في الأرض ، لأنهم يسرقون العقول ، فخفت أن يسرقوا عقلي ، وذلك أن القلب إذا صافي
                صديقه ضاقت به الأرض ، وأنا تفكرت في الدنيا ، وتفكرت في الآخرة وقرب الأجل ،   
                فأحببت الرحيل إلى رب لم يزل .


السليط :     فمن أين تأكل ؟
العابد :     من زرع لم أتول بذاره ، من بيدر اللطيف الخبير . يا فتى إن الذي خلق الرحى هو الذي
                يأتيها بالطحين – وأشار إلي رحى ضرسه - .
السليط :     كيف حالك في هذه الدنيا ؟
العابد :     حالي هي : حال من يريد سفراً بعيداً ، بلا أهبة ولا زاد ، ويسكن قبراً بلا مؤنس ، ويقف
                بين يدي حكم عدل . فكيف يكون حاله ! ثم أرخى عينيه ، فبكى .


السليط :     ما يبكيك ؟
العابد :     يا فتى ، حقاً أقول لك : ذكرت يوماً من أَجَلي ، لم يَحْسُنْ فيه عملي ، فأبكاني قِّلة الزاد ،
                وطولُ السفر ، وقرب المعاد ، وعقبة هبوط إلى جنة أو نار .


السليط :     لو تحولت من هذه الصومعة وخالطتنا ، فإن عندنا عُبَّاداً يخالطوننا ويعاشروننا !
العابد :     هيهات يا فتى ، كم من مُتَعَبَّدٍ لله بلسانه ، معاند له بقلبه ، يقاد إلى عذاب السعير ، زاهد    
                في الظاهر ، راغب في الباطن ، حسن القول ، خبيث المعاملة ، مشارك لأبناء الدنيا ، لا  
                يبعد ولا يفر من جوار إبليس .
السليط :     استغفر الله !
العابد :     يا فتى ، سرعة اللسان بالاستغفار من غير بلوغ : توبة الكذابين ، ولو علم اللسان مما
                يستغفر لجف في الحنك .
                يا فتى ، إن الدنيا منذ ساكنها الموت لم تَقَرَّ فيها عين . كلما تزوجت الدنيا طلقها الموت ،    
                فالدنيا من الموت طالقة ، لم تقض عدتها بعد ، فمثلها كمثل الحية : ليِّن مسها ، والسم في
                جوفها ، يحذرها رجال ذوو عقول ، ويهوي إليها الصبيان لقلة عقولهم ، فتصرعهم مرارة
                عيشها وكدر صفوها .
                يا فتى ، كم من طالب للدنيا لا ينال حاجته ، ولا يبلغ أمله ، ولا يدركها . وكم مدرك لها  
                ، أدرك فيها مرارة عيشها وكدر صفوها . واعلم يا فتى ، أن شدة الحساب ومعاينة  
                الأهوال – مع الحمل الثقيل – سيثقل على المسرفين ، بما عملوا ومرحوا في الأرض
                بغير ما أمروا به .
                يا فتى ، إن اجتناب المحرمات رأس العبادة ، وسيعلم المتقون - بما صبروا على شح
                الدنيا وظمأ الهواجر ، والقيام على الأقدام في ظلمة الدجى ، وإجاعة الأكباد ، وعدم تنعم
                الأجساد – ماذا أعد لهم .


            وذلك : أن الله عدل في قضائه ، صادق في مقاله ، لا يضيع أجر المحسنين .
السليط :     في كثير من الأوقات أريد لنفسي شيئاً من المطعم والمشرب ، فلا يكفيني ، حتى تتوق
                نفسي إلى أكثر من ذلك ! فهل لديك ما تقوله في هذا ؟
العابد :     يا فتى ، إن نواصي العباد بيد الله – عز وجل – وقبضته ، فلا يجوزون من ذلك إلى   
                غيره ، وقد قسم أرزاقهم ، وفرغ من آجالهم .
            يا فتى ، إن تدبير الله للعبد في مطعمه ومشربه أولى من تدبيره لنفسه ، فعليه بالسعي ، ثم  
                القناعة .
السليط :     لقد ضربت فأوجعت ، وشددت فأوثقت .
العابد :     بل أطعمت فأشبعت ، ووعظت فنفعت .
السليط :     بم يستعان على الزهد في الدنيا ؟
العابد :     بتقصير الأمل ، والمداومة على العمل ، وذكر الموت .
السليط :     متى ترحل الدنيا عن القلب ، وتسكن الحكمة الصدر ؟ فلما سمع مقالتي صاح صيحة ثم  
                خر مغشياً عليه . فلما أفاق قال : ماذا قلت ؟ فأعدت عليه مقالتي .
العابد :     لا والله لا ترحل الدنيا عن القلب ، وأنت منكب على القراريط والفلوس ، تتلذذ بالنظر إلى
                كثرتها ، وتستعين بكسب الحرام على جمعها ، ثم بعدها تحب أن يرى الخلق مكانك ،
                ويعرفوا قدرك . واعلم : أنه لا ينال منازل الصديقين ، ودرجات المقربين ، ويعرف في
                الملكوت الأعلى ، وتسكن الحكمة صدره ، إلا إذا كان حراً ، غير مملوك لزوجة ، ولا  
                أجيراً لولد .
السليط :     ما أول قيادة القلب إلى الزهد ، والرضا بالمقسوم ؟
العابد :         بإماتة الحرص ، وبذبح حَنْجَرةِ المطعم ، فإن كثرة المطعم تميت القلب ، كما يموت   
                البدن .
            يا فتى ، طوبى لمن ترك شهوة حاضرة لموعد لم يره ، واعلم : أنه كما لا يجوز عليكم   
                الزيف ، فإن كلامكم لا يجوز إلا بنور الإخلاص .
            يا فتى ، كم من صلاة قد زخرفتموها بآية من كتاب الله ، كما تزخرف الفضة السوداء  
                بالفضة البيضاء ، لتخدع الناظرين ، وما لم تُزَيَّن الصلاةُ بالخشوع والإخلاص فهي   
                خدِاج .
            يا فتى ، إن العبد إذا انطوى على ترك الآثام ، أتاه القنوع ، وألهم الصواب.
            يا فتى ، إن أهل قيام الليل في ليلهم أشد لذة من أهل اللهو في لهوهم .
            يا فتى ، همة العاقل : النجاة والهرب ، وهمة الأحمق : اللهو والطرب .
            يا فتى ، إذا أضمر العبد على الزهد في الدنيا ، تعلق قلبه بالملكوت الأعلى . ومن نظر  
                إلى الدنيا بعين القلة ، يكون نظره إلى ما فيه عِبْرة ، وسكوتُه عن القول مغنم .
السليط :     ما أول الدرجات التي يصل بعدها المريدون ؟
العابد :     أول الدرجات : ردُّ المظالم إلى أهلها ، وخفةُ الظهر من التبعات ، فإن العبد لا تُقْضى له
                حاجة وعليه مظلمة أو تبعة .
السليط :     ما أفضل الدرجات ؟
العابد :     الصبر على البلاء ، والشكر على الرخاء ، وليس فوق الرضا درجة ، وهى درجة
                المقربين.
السليط :     ثم رأيته توجه بالخطاب إلى نفسه يوبخها : ويحك يا نفس ، مالك تفرين من الحـق ،
                والموت يقفوك ، فأين تفرين ممن أنت إليه ماضية ، وهو إليك محسن ؟! إلهي ، إنني
                أرضيت عبادك بسخطك ، فلا تكلني إليهم ، بقوة من عندك . الهي وسيدي ، إليك انقطع
                المريدون في ظلمة الدجى ، وجوف الأسحار ، وأدلجوا يرجون رحمتك ، وسعة مغفرتك  
                اللهم أسكني في درجة المقربين ، واحشرني في زمرة المتقين العارفين ، يا مالك يوم
                الدين.

* دروس وعبر :  
1.    يحتاج كل إنسان أن يخلو بنفسه فترة من الزمن ، يستعرض مراحل مسيرته الحياتية ، ليرى محصلة أعماله ، ويقيم جهده ونشاطه ، فيزداد سعياً في مجال الخير ، ويضيق على نفسه مسالك الهوى ، وثغرات الشيطان ، ويترقى بها في مدارج الكمال ، حتى يسلس قيادها ، ويلين عنادها ، وتُحِسُّ بحلاوة الطاعة ، وشرف العبودية ، فتنشط إلى العمل ، وتستمرئ فعل الخيرات ، وتنفر مما سواه . فالخلوة فترة إعداد ، وتصحيح مسار ، ومراجعة حساب ، وتدارك تقصير ، وتزويد النفس بشحنة إيمانية ، تجعلها أقدر على العطاء ، ومجابهة أحداث الحياة ، وتحمل شدائدها ، واجتياز عقباتها. ولحكمة أرادها الله – تعالى – سبقت ليالي حراء نزول الوحي بالرسالة العظمى . فجدير بالدعاة أن يكون لهم مع أنفسهم خلوات تعينهم على إتقان العمل ، وتلافي الأخطاء .


2.    مما يسهل مهمة الداعية ، ويعينه على أداء واجبه ، والانطلاق بدعوته : صفاء قلبه ، وخُلُوُّه من هموم الدنيا ، والتعلق بفضولها ، والميل إلى زخرفها وزينتها . ولا يعني هذا : ترك عمارتها ، والضرب في الأرض لكسب القوت ، وإغناء من يعول . وأن لا يكون له من الموارد ما يصون وجهه ، ويسد حاجته . وإنما المطلوب : أن لا يكون الكسب هَمَّه المقلق ، وشغله الشاغل ، الذي يستنفذ معظم جهده ، ويستغرق جل وقته . وليحرص – في مجال كسبه – على تحري الكسب  الحلال ، والحذر كل الحذر من الحرام ، وليكن جاداً في اجتناب المشتبهات من الأمور ، فلا يقع  فيها ، لأنها أقرب طريق إلى أكل الحرام . ويترقى الداعية إلى منزلة ترك الفضول والكماليات مما هو مباح . ثم يسمو إلى منزلة أعلى ، فيختار التواضع مسلكاً ، والذلة إلى الله خُلُقاً ، ويجعل بينه وبين حب المناصب والألقاب والرياسة حاجزاً كثيفاً . لأنها نعمت المرضعة ، وبئست الفاطمة . إنه متى فعل هذا : استنار عقله ، وأبصر قلبه ، وصحبه التوفيق ، وَكُتِبَ له القبول.


3.    كل ما في الكون يذكر الإنسان بالله – تعالى – وما مظاهر الطبيعة ، وتقلبات أحوالها إلا نذر يأخذ منها المؤمن العظة والاعتبار . فظلمة الليل وضوء النهار وتعاقبهما ، رمز للحركة والسكون في هذه الحياة ، وإشارة لتنبيه الإنسان إلى أنه إنما خلق ليكدح ويجد ، ويواكب أحداث الحياة وتطوراتها ، ويكون فاعلاً ومؤثراً فيها ، لا يخالجه شك أن أمامه هجعة طويلة ، مسكنه فيها بيت ضيق ، منفرداً  فيه عن الأهل والأحباب ، والأصدقاء والأصحاب ، في قبر مظلم ، لا أنيس له إلا ما قدم بين يديه من صالح العمل . وقصفُ الرعود ، ولمعُ البروق ، وزمجرةُ الريح ، كلها منبهات إلى يوم الفزع الأكبر ، يوم تنشق القبور عن ساكنيها ، ويصدرون أشتاتاً ، ليُرَوْا أعمالهم بين يدي العزيز العليم ، في ذلة وخضوع ، ينتظرون فصل الخطاب .


4.    ما أكثر الأشياء التي يظن الإنسان أنه إذا حققها ، أو حقق بعضها ينال قسطاً من الراحة ، أو الراحة كلها . والناظر بعين الحقيقة يدرك أن الدنيا دار عناء وتعب ، وما هي بدار راحة أو استقرار ، والمؤمن فيها كَمَاشٍ على الشوك ، أو المتقلب على الجمر ، لا يشعر بالراحة ، ولا يُحِسَّ طعمها إلا عندما يضع أولَ قدم في الجنة . هناك يضمن أنه قد حل دار الخلود ، التي خلت من المتاعب والأكدار ، وصفت مشاربها ، وطاب جناها ، وفاز أهلها ، وسعدوا في ظلالها ، واستقر بهم المقام [لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ] {الحجر:48}  فمن ابتغى الراحة التامة ، فليكن همه : طلب الجنة ، وليصرف جهده وهمته إلى ما يبلغه رضوان  ربه .


5.    المؤمن دائم العِبْرة ، غزير العَبْرة ، كثير الحسرة ، يُحزنه أن يمر يوم من حياته لا يُرفع له فيه عمل صالح ، لأنه يعلم أن أمامه سفراً طويلاً ، وعقبة كؤوداً ، يهبط بعدها إلى جنة أو نار ، فلا بد من زاد يبلغ الغاية ، ويعين على قطع الطريق .
6.    إن للدنيا على القلوب سلطاناً ، وللقلوب ميلاً نحو زينتها ، وربما فُتِنَتْ بزهرتها وبهرجها ، وأخلدت إلى متاعها . ولا شئ يعين المرء على الزهد والقناعة مثلُ تقصير الأمل ، وإدامةُ العمل ، والإكثار من ذكر هادم اللذات . ولن ترحل الدنيا عن قلب مُنْكبٍّ على جمع القراريط والفلوس ، تسعده زيادتها ، ويفرحه النظر إليها .                                                        
وأول درجة الزهد في الدنيا : إماته الحرص ، وذبح الطمع ، وترك الشهوة واجتناب الآثام ، والإقبال على تحصيل ما يبقى أجره ، وينفع في الآخرة ذخره .


7.    من أراد الترقي في درجات الكمال فمفتاح طريقه : رد المظالم ، والتطهر من التبعات . فلن تُقْضَى للعبد حاجةٌ مادامت عليه مَظْلَمَةٌ ، أو في عنقه تَبِعَةٌ . وإن أعلى الدرجات : الصبرُ على البلاء ، والشكرُ في الرخاء ، وما فوق الرضا درجة لمبتغي القرب وطالبِ الوِصال .     


جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين