نور من الذكرى  وقفات اجتماعية من حياة  الشيخ محمد زين العابدين جذبة

 

-(1) 

سنابل الذكريات تهتز أمامي عندما تلامسها أصابع الزمن ، تنفرد كل ذكرى بوشاح براق ، أرى فيه مالمسته من والدي ، ويتردد صدى كلماته وأفعاله في فضاء النفس ، وترتفع أجنحة الخير في قلبي ، تسأل القادر أن يعمم الخير على قلوب عباده . 

أنني حين أسرد بعض العلاقات الاجتماعية من حياة والدي لأظهر جدارا" من حياة العلماء ( المشايخ ) ظن بعض الناس الظنون بعلماء الدين ، وربما دارت ألسنتهم بكلام يسيل من فراغ عقولهم وقلوبهم . 

منذ أكثر من خمسين سنة ، قبل أن تتوسع مدينة حلب ، وتمتد أحياء سكنية جديدة ، كان في كل حي من أحياء المدينة عالم ديني أو أكثر ، أئمة المساجد كانت لهم علاقات ود ومحبة مع أهل الحي ، كانوا منارات لهم . 

كان والدي – رحمه الله- على اطلاع بأحوال البادية السورية ( الجزيرة والشامية ) كان يحب أن يشاهد البادية في فصل الربيع متنقلا" بين ربوعها ، متمتعا" بجمال الربيع ، كانت تربطه مع بعض شيوخ العشائر البدوية صداقات ،من بينهم الشيخ محمد الفرج شيخ عشيرة الولدة ، وكانت له علاقات تجارية بسيطة مع أفراد من البدو ، شراكة أغنام ، إذا أقام عند هؤلاء الأفراد لا يكون متطفلا" عليهم ، كان من خلال معانلته مع الآخرين يوضح أن عالم الدين خفيف الظل ، كريم النفس ، عفيف الروح ، وقافا" على حدوده ، بعيدا" عن ثرثرة النفوس ، منارة عند كل شاطئ ، وكان على علم واطلاع على انساب القبائل والعشائر في البادية السورية . 

كانت زيارة الوالد للبنان كثيرة وخاصة في فصل الصيف ، وكانت تربطه صداقات كثيرة ومتعددة مع علمائها . وقد شد الرحال لزيارة المسجد الأقصى قبل عام 1967 ، حيث كانت القدس حرة عربية ، وكان أهلها آمنون في وطنهم ، سعد الوالد بزيارة القدس وبمدن الضفة الغربية ، ورجع إلى حلب وهو يحمل أجمل الذكريات ، وكان يدعو ربه دائما" أن يعود المسجد الأقصى إلى أهله ويخلصه من ظلم الصهاينة الفجار . 

قام الوالد بزيارتين إلى تركيا ، اطلع فيهما على الآثار الإسلامية للخلافة العثمانية ، شاهد جوامعها الشهيرة ومراقد الصحابة فيها ، وقابل كثيرا" من العلماء ، وارتبط بصداقة مع بعض علمائها . 

أدى الوالد فريضة الحج مع الوالدة رحمها الله في عام 1963،ثم أضاف لحجة الفرض حجتين بدون الوالدة ، وقام الوالد مع الوالدة بأداء العمرة وزيارة المصطفى عليه السلام أكثر من عشر مرات . 

وخلال أدائة الحج للحج وللعمرة كان يتعرف على علماء السعودية وعلماء من الوطن العربي ، وتكون بينهم زيارات وصداقات ، هذه الزيارات جعتله على اطلاع على أحوال الناس في وطنه سورية وفي الأقطار العربية ( وجعلناكم شعوبا" وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) كان الوالد يدرك أن من عبادة الله أن يكون المسلم مطلعا" على أحوال إخوته المسلمين وأن يكون واسع الأفق في هذه الحياة حتى يدرك أبعاد هذا الدين ، ويطلع دسائس أعداء الله ، كان يرى أن زياراته وسفره يمدانه بالرؤية الصحيحة لمعرفة أحوال الناس ، فعالم الدين مهمته أن يجمع في صدره علوم دينه ويحرص على الاطلاع على ثقافة عصره . 

كان عند والدي بيت ريفي في قرية أورم الكبرى في الريف الغربي لمدينة حلب ، تبعد القرية عن حلب بحدود /20كم/ في هذا البيت غرفة واحدة وهناك عدد من أشجار الزيتون والتين والعنب ، أمام الغرفة فسحه مبلطه للجلوس ، زيارة الوالد لهذا البيت تكون يوم الخميس في أغلب الأحيان ، يوم الخميس هو يوم عطلة عند الوالد ، يقضي يومه بين الإشراف على الأشجار وسقايتها ، والتمتع بذاك الجو الهادئ ، والقراءة في بعض الكتب ، واستقبال بعض الأصدقاء من أهل القرية ، 

كان يشعر بالسعادة والنشاط في قضاء يوم العطلة في أجواء الطبيعة الباسمة . 

أيام الأسبوع كانت مليئة بأعمال الوالد ، ليس لديه ساعات فراغ ، ساعات يومه فيها النظام والدقة لمتابعة برامج دروسه وأعماله .