نعي فضيلة الأستاذ العالم الداعية إبراهيم الخولي

طوى الموت في يوم غزوة بدر رجلا من الرجال الذين تمثلوا روح بدر وتجلى في حياتهم فرقان بدر فكانوا سيفا من سيوف الحق سله الله على العلمانيين والضالين وبدرا من بدور العلم والدعوة والتربية والتعليم شيخنا وسيدنا العلامة المتفنن أستاذ البلاغة والنقد بل شيخ البلاغيين المعمر المنور صاحب الهمة القعساء والصدع بالحق في زمن الأدعياء الخطيب المفوه والمدرس البليغ الأفيق الشيخ إبراهيم بن محمد بن عبد الله الخولي فرحمه الله رحمة الأبرار وأجزل مثوبته وأعلى في الجنة منزلته.

ولد شيخنا سنة ١٩٢٩ وتلقى العلم في المعهد الأزهري الذي كان أساتذته بحور علم وأئمة هدى وأكمل تحصيله الجامعي في كلية اللغة العربية وتخرج سنة 1956م، وحصل على دبلوم عام في التربية وعلم النفس سنة1957م وعلى دبلوم خاص في التربية سنة1961م، وعمل في وزراة التربية والتعليم من سنة 1956م حتى سنة 1968م التي عين فيها معيداً بكلية اللغة العربية 1968م وأتم دراسته العليا فنال درجة الماجستير عن رسالته المهمة(مكان النحو من نظرية النظم عند عبد القاهر الجرجاني) والعالمية "الدكتوراه" سنة ١٩٧٨ عن رسالته البديعة(مقتضى الحال بين البلاغة القديمة والنقد الحديث) وتابع الأستاذ أبحاثه ودراساته حتى شرفت به الأستاذية.

 

برز الشيخ رحمه الله في الكلية معلما بارعا وأبا حانيا ومناقشا مدققا إذا تكلم تدفق وأمتع وإذا كتب أحكم وأقنع ذا همة لا تبارى على الرغم من كبر سنه فكنا نجلس بين يديه في محاضرة الدراسات العليا من الساعة الثانية عصرا نقرأ على الشيخ ويعلق ويتوسع في الشرح ويسقينا العلم ويمزج ذلك بفوائد تضيء طريق العلم وتمهد سبيل الدعوة وتعالج بعض مظاهر الخلل والانحراف في واقع الأمة وفي رحاب الأزهر الشريف وكلنا آذان مصغية وعيون محبة نكتب كلماته البليغة ونقداته الدقيقة وتمضي بنا الساعات لا ننصرف حتى تحضر الصلاة فنقوم إليها ثم نعود وذات مرة استمر الشيخ يحاضر ويصول ويجول بصوت قوي وذهن حاضر وهمة لا تفتر حتى مضت خمس ساعات فتعبنا ولكن الشيخ لم يتعب وبدأت مظاهر التعب تتسلل إلى وجوه الطلاب فقال الشيخ رحمه الله: نتوقف ونختم الدرس إشفاقا عليكم.

كان الشيخ رحمه الله متفننا في العلم علامة إماما في اللغة العربية والبلاغة بحرا من بحور العلم ذا اطلاع واسع وذهن وقاد ولسان بليغ لا يتعتع لم يقطعه التعليم والدعوة عن التأليف ولكن شغله عنه بعض انشغال فمات وفي صدره علوم وأبحاث ماتت معه رحمه الله وكان يخالف غيره من العلماء من غير كبر ولا إدلال وقد ذكرنا ذات يوم في الدرس تحقيق العلامة محمود شاكر العظيم لكتابي عبد القاهر فأثنى عليه وعرف له قدره وخفض من فهرسته للكتابين وأخبرنا أنه فهرس الكتابين فهرسة تليق بهما وتكشف عن كنوزهما.

 

ومن مؤلفاته:

-منهج الإسلام في الحياة من الكتاب والسُّنَّة عام 1980م، وأعيد طبعه عام 1982م.

- الجانب النفسي من التفكير البلاغي عند عبدالقاهر الجرجاني، الطبعة الأولى عام 1993م، وصدر عن دار الأدب الإسلامي عام 2004م.

- لزوميات أبي العلاء: رؤية بلاغية نقدية، الشركة العربية للطباعة والنشر عام 1993م، وصدر عن دار البصائر عام 2004م.

- التَّكْرار بلاغة (بضمتين، وفتحتين)، الطبعة الأولى عام 1994م، وصدر عن دار الأدب الإسلامي عام 2004م.

- السُّنَّة بيانًا للقرآن، الطبعة الأولى عام 1994م، وصدر عن دار الأدب الإسلامي عام 2004م.

وقد أكرمنا بإهداء نسخة من طبعته الثانية.

- التعريض في القرآن الكريم، دار البصائر عام 2004م.

- متشابه القرآن، دار البصائر عام 2004م.

 

وكان الشيخ رحمه الله ذا نشاط دعوي كبير ربما سافر من القاهرة إلى السويس بسيارات أجرة عامة لإلقاء خطبة جمعة ودرس هناك وقد جاوز السبعين.

وقد عرف بمناظراته عبر قناة الجزيرة أسدا من أسود الله مناظرا قوي الحجة ثابت الجنان صادعا بالحق لا يخشى لومة لائم لا يجامل ولا يداهن ولا يبيع دينه بالدنيا ولا يمدح ظالما ولا ينافق كافرا ولا علمانيا ولا متصهينا وكم طربت له حين قال لإحدى المتعالمات الجاهلات بعدما فاض كيل جهلها: اسكتي وأنصتي لتتعلمي، وأخبرنا أنه حضر في مؤتمر أيام الاتحاد الاشتراكي واندفع بعض الحضور المتنفذين يتكلم في أصل الحياة ويتبنى نظرية التطور والارتقاء ويدعي ان القرد أصل الإنسان قال: فطلبت التعليق ولم أجد منه بدا وسألت الله أن يلهمني السداد فألهمني الله قوله:(ما أشهدتهم خلق السموات والأرض ولا خلق أنفسهم وما كنت متخذ المضلين عضدا) فجاءت في حاق موضعها.

 

وخاض الشيخ معارك في الدفاع عن الأزهر وكان عضوا بارزا في جبهة علماء الأزهر ورد على الشيخ محمد سيد طنطاوي حين غير بعض مناهج التعليم في الأزهر وكتبه وأصدر فتواه بتحليل فوائد البنوك الربوية وصدرت منه مواقف مخزية في التطبيع مع الصhاينة المجرمين وصافح شمعون بيريز!

إن الشيخ الخولي رحمه الله حجة الله على كل عالم داهن في دينه وجامل الطغاة والعلمانيين عاش زاهدا في المناصب والمكاسب ثابتا كالجبل في وجه المرجفين والمبطلين فلم يبال بإدبار الدنيا ولم يسع لزخرفها ولا تلعثم في البلاغ المبين عن رب العالمين والبيان لحقائق القرآن شعاره قول الله تعالى:( وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه) وقوله تعالى:( الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله وكفى بالله حسيبا).

 

اللهم اجز مولانا الشيخ إبراهيم عنا وعن أمة حبيبك محمد صلى الله عليه وسلم خير الجزاء وعوض الأمة بأمثاله من العلماء المتقنين الصادعين بالحق يا رب العالمين.