نساءٌ أحرجن ذوي العمائم واللحى!

 

التاريخ لا يصنعه الرجال وحسب، بل كان للنساء نصيب وافر فيه بالتربية والعلم والجهاد في سبيل الله وتحرير الأوطان، والإسهام جنبًا إلى جنب مع الرجال من أجل الكرامة والحرية والعدالة والتنمية والحضارة.

رأينا منذ أيام كيف وقفت 14 فتاة في وسط قفص احتجازهن في المحكمة مستبشرات ضاحكات، لم نلحظ عليهن أي أمارات للخوف أو الارتياب، علون بشموخهن وعزتهن على الباطل الذي يحاكمهن.

لم تملك هؤلاء الفتيات من وسائل المقاومة سوى البالونات الصُّفر، ويد تتشكل أصابعها بشعار (رابعة الصمود) بينما قوات أمن الانقلاب مدججة بالسلاح والدخان والخرطوش والرصاص!

أبين أن يمكثن في بيوتهن كأشباه الرجال، وأردن أن يكن لهن موقف في الدفاع عن دينهن وأوطانهن وأنفسهن، لم يعبأن باستهزاء المرجفين وتساؤلهم: ما الذي دفعكن إلى هذا الأمر؟ أو ما الذي جعلكن تتعرضن للاعتقال؟ لأنهن كنَّ من جيل عزيز لا يقبل الضيم، ولا يرضى بالهوان، ولا يحب أن يعيش ذليلاً مهانًا على يد الخونة والعملاء.

أهالي الفتيات؛ آباؤهن وأمهاتهن وإخوانهن وأخواتهن وجميع أقاربهن واصلوا ملحمة الثبات والصمود، وهتفوا بسقوط حكم العسكر، وأقسموا على استكمال مسيرة النضال مهما بلغت التضحيات حتى يزول الانقلاب كله وتعود الشرعية كاملة.

بينما القاضي يبدو على كرسيه وحيدًا هزيلاً، صاغرًا ضعيفًا، فهو يعلم أن ليس له من وظيفته غير النطق بحكم كتبوه له من قبل، شأنه وشأن حاجب المحكمة سواء!

التاريخ يقول لنا إن هؤلاء الفتيات هم حفيدات نساء أخريات، جاهدن وناضلن وكافحن من أجل دينهن وعزتهن وكرامتهن، نساء حملنْ همَّ الإسلام فحرصن على خدمته بكل وسيلة ممكنة، على الرغم مما تعرضن له في حياتهن.

يحكي ابن الأثير في أُسد الغابة، والواقدي في المغازي، وابن سعد في الطبقات، أن أُميّة بنت قيس بن أبي الصلت، قالت: جئت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في نسوة من بني غِفار فقلنا: إنا نريد يا رسول الله أن نخرج معك في وجهك هذا فنداوي الجرحى ونُعين المسلمين بما استطعنا. فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): على بركة الله.

قالت: فخرجنا معه، وكنت جارية حديثة السن، فأردفني رسول الله (صلى الله عليه وسلم) على حقيبة رحله، فنزل الصبح فأناخ وإذا أنا بالحقيبة عليها دمٌ منيٌّ، وكانت أول حيضة حِضتها.

تقول: "فلما فتح الله علينا خيبر أعطاني رسول الله قلادة وعلّقها بيده في عنقي فوالله لا تفارقني أبداً". وكانت في عنقها حتى ماتت وأوصت أن تدفن معها.

وفي هذا الموقف تظهر لنا العديد من الفضائل للسيدة أمية التي خرجت وهي حديثة السن صغيرة (في الرابعة عشرة أو الخامسة عشرة من عمرها، في مثل سن أصغر فتاة حكم عليها قضاء الانقلاب بأحد عشر عامًا من السجن لأنها رفعت بالونة عليها شعار رابعة العدوية)، لتنال شرف الجهاد وتساعد المسلمين هي ومن معها بما تقدر عليه. وقد سطر لنا التاريخ موقفها ليدل على أن الجهاد لا يقتصر على النساء الكبيرات بل الإسلام يُعطي الفرصة للجميع كي يساعدوا من يجاهد في سبيل الله.

وتروي كتب التاريخ أن سبط الإمام ابن الجوزي (رحمه الله)، وكان خطيب المسجد الأموي بدمشق، بعثت إليه بعض فتيات دمشق بضفائرهن لتكون قيوداً ولُجُمَاً لخيول المجاهدين الذين يخرجون لتحرير فلسطين، فخطب ابن الجوزي برجال الشام وهو يمسك بشعور الفتيات قائلاً:

"يا من أمرهم دينهم بالجهاد حتى يفتحوا العالم ويهدوا البشر إلى دينهم  فقعدوا حتى فتح العدو بلادهم وفتنهم عن دينهم.. يا من حكم أجدادهم بالحق أقطار الأرض، وحُكموا هم بالباطل فى ديارهم وأوطانهم.. يا من باع أجدادهم نفوسهم من الله بأن لهم الجنة، وباعوا هم الجنة بأطماع نفوس صغيرة، ولذائذ حياة ذليلة..

يا أيها الناس.. مالكم نسيتم دينكم، وتركتم عزتكم، وقعدتم عن نصر الله فلم ينصركم، وحسبتم أن العزة للمشركين، وقد جعل الله العزة لله ولرسوله وللمؤمنين؟

يا ويحكم.. أما يؤلمكم ويشجي نفوسكم مرأى  عدو الله وعدوكم يخطو على أرضكم التى سقاها بالدماء آباؤكم، ويذلكم ويتعبكم وأنتم كنتم سادة الدنيا؟ أما يهز قلوبكم وينمى حماستكم، أن إخواناً لكم قد أحاط بهم العدو وسامهم ألوان الخسف؟ أما في البلد عربي؟ أما في البلد مسلم؟ أما في البلد إنسان؟

العربي ينصر العربي، والمسلم يعين المسلم، والإنسان يرحم الإنسان.. فمن لا يهبّ لنصرة فلسطين لا يكون عربياً ولا مسلماً ولا إنساناً.. أفتأكلون وتشربون وتنعمون وإخوانكم هناك يتسربلون باللهب، ويخوضون النار، وينامون على الجمر؟!

يا أيها الناس.. إنها قد دارت رحى الحرب ونادى منادي الجهاد، وتفتحت أبواب السماء، فإن لم تكونوا من فرسان الحرب فافسحوا الطريق للنساء يُدِرْنَ رحاها، واذهبوا فخذوا المجامر والمكاحل، يا نساء بعمائم ولحى.. أو لا.. فإلى الخيول وهاكم لُجُمُها وقيودها..

هذه ضفائر المخدرات، التى لم تكن تبصرها عين الشمس، صيانة وحفظاً، قطعنها لأنَّ تاريخ الحبّ قد انتهى، وابتدأ تاريخ الحرب المقدسة، الحرب في  سبيل الله، وفى سبيل الأرض والعرض، فإذا لم تقدروا على الخيل تقيدونها بها، فخذوها فاجعلوها ذوائب لكم وضفائر.. إنها من شعور النساء، ألم يبق في نفوسكم شعور؟!!

وألقاها من  فوق المنبر على رءوس الناس صارخاً: تصدّعي أيتها القبة، ميدي يا عُمُد المسجد، انقضي  يا رجوم، لقد أضاع الرجال رجولتهم.. فصاح الناس صيحة ما سمع مثلها، ووثبوا يطلبون الموت".

هكذا هن النساء يصنعن التاريخ عند تخاذل بعض الرجال، ويقمن الحجة على أصحاب العمائم واللحى، ويثبتن في الميادين في الوقت الذي يفر فيه المدَّعون وأصحاب الظواهر الصوتية، ويبدين قدرة على الصمود وشجاعة في مواجهة الظلم والباطل تبرهن على أنهن أفضل من خانعين كُثُر، لا يحملون من الرجولة إلا صفة الذكورة.

 

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين