نحو تربية واعية : وقفات مع حجاب البنات 

أرسل لي أحد الإخوة التربويين :  السلام عليكم  من بعد إذنكم لدي استشارة تربوية

انا في دوراتي افتي وانبه الامهات ان البنت لا تتحجب قبل اكمالها الابتدائية عند سن 12 سنة وهو سن البلوغ تقريبا الا ان تكون بنيتها ضخمة تلفت النظر فتتحجب قبل ذلك في الخامس او السادس الابتدائي.

مبرري في ذلك ان على البنت ان تعيش طفولتها البريئة ولماذا تتحجب وهي لا تُرغب من احد او ينظر اليها احد وعندما تكبر تتحجب عن قناعة ولا يكون عندها ردة فعل نفسية تجاه الحجاب.

مقابل هذا الراي هناك من يرى ان البنت تتحجب ربما في الاول ابتدائي لتعويدها على الحجاب وهو ما يفعله كثير من الأسر الملتزمة.

ما رأيكم جزاكم الله خيرا؟

فأجبته :

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته 

أما بعد : فقد أمضيت من العمر في سنيّ الدأب والهمّ والسعي خلف بنات الإسلام وأمهاتهنّ تثقيفاً وتعليماً وتوضيحاً لفروض الإسلام، وبعث الهمم لإحياء جذوة حبه في القلوب والأفكار ووقفت في ذلك على حقائق أوردها على عجالة :

1- بيئة الفتاة من بيئة والديها، وستتمثل يوماً ما أحد الوالدين الأكثر قرباً من قلبها .

2- تقايس الفتاة ردود أفعال المجتمع المحيط بها نحو الحجاب بذكاء عجيب وتتمحور الصورة الذهنية عندها حسب شخصيتها فإن كانت تميل إلى العناد فلن تتخذ قرار الحجاب إلا إذا كان معاكساً لرأي الجمع من حولها .

وإن كانت تميل للتوافق حباً ستتوافق مع رأي من تلطّف بودادها وقد تكون الأم هنا أو الأب أو الصديقة أو المعلمة .

وإن كانت تميل للتوافق خوفاً ورهبة فهنا يكمن خطر عظيم لأنها سرعان ما تخرج من شرنقتها وترمي عن كواهلها كل قشور الطفولة الخائفة المرعوبة .

3- لابد من التدرج في تأسيس الفكر الديني وماينتج عنه من التزام الضوابط من ذات النفس الخاضعة للتربية بعيداً عن الإلزام وخاصة في أول الطريق بل التعهد بالفكرة تتلاحم مع النظرة الحانية والتربية الرحيمة الذكية .

وأقصد هنا بالتدرج ماهو معلوم عندكم طبعاً من بسط علاقة المخلوق بخالقه وحاجته إليه، وهكذا مع إذكاء جانبي العلم والعاطفة ومايحتاجانه من حوارات لايستهان بها مع البُنية في سن صغيرة في أول السادسة والسابعة سواء كانت مستسلمة أو معترضة والاعتراض عندي يعبر عن حالة ذهنية نشطة ذكية .

4- تتغير الفتاة بكل مافيها على عدة مراحل، ولكن النشأة الأولى لها أبلغ الأثر لمراحل العمر كلها .

ومن المفيد في هذه المرحلة تكرار قصص المحجبات من المؤمنات وارتباط الحجاب بالإيمان بالله مصدر الأمر والنهي، وكذلك ارتباطه بالحياء الفطري والقدوة الحقيقية المؤثرة ..

5- في سن السابعة والثامنة تعتني الأم باختيار أجمل الملابس للصلاة والملابس الفضفاضة العملية المريحة مع ترك الباب موارباً لتجريب الفتاة صنوف الحجاب من ملابس أمها ومدحها وتكريمها إن فعلته .

6- ملاحظة ألعاب البنات وملابسهن في سنّ مبكرة. فغالبا ما تكون الألعاب بملابس قصيرة جميلة. وهنا يكون دور الأم واضحا في تذكير ابنتها بأن هذه الالعاب غير متسترة لانها تعبر عن ثقافة صانعيها.

وما دامت في بيتنا فلنلبسها لباسا يسترها وتكون فرصة لممارسة الصغيرة هواية جميلة سرعان ما تنطبع في ذاكرتها حبا بالستر وحرصا عليه.

7- الاستماع اليومي للأبناء والبنات ولساعات وتأصيل ذلك كواجب أسري تخرج فيه النفوس مكنوناتها وتعبر عن أحلامها بسعادة وفرح هو من أهم طرق التلاحم الفكري وتحويل التلقين إلى توافق وتفاهم .

8- وبالمجمل: لايمكن أن تقبل الفتاة في عصرنا بالحجاب فجأة لمجرد إعلامها بفرضيته.

لابد من القبول النفسي والفكري والرغبة الصادقة بارتدائه وحبه إلى درجة الفخر به وهذا ما وفقني الله إليه مع بناتي الأربع وبناتي في الطريق إليه .

وعلق الأستاذ زهير سالم على المقال: 

سؤال السائل مسألة واقعية ومهمة ويضطرب فيها موقف بعض المسلمين بين إفراط وتفريط . وتؤسس لها قاعدة التعويد على الطاعة قبل سن التكليف من صلاة وصوم وصدقة ..شخصيا لم أجرؤ على مقاربة هذا الموضوع رغم أنني أشعر بالضيق من كلا طرفي الموقف ..

توجيهكم العام جزاكم الله خيرا فتح فضاء ، الإشارة إلى بيئة الأسرة الخاصة والعامة مهم كما تفضلتم ، والإشارة إلى بنية الفتاة يعطي للنسبية مكانة في الحكم . هذه المداخلة الحكيمة التي هي مداخلة داعية وأم وتربوية تفتح آفاقا للكلمة.

فقط أريد أن أذكر بشيء لا تنسونه -جزاكم الله خيرا- وهو إطلاق تصور الفتاة المسلمة عن أفق أن الحجاب هو الإسلام كما يفعل بعضهم الإسلام هو اللحية والثوب القصير ..لا تهوينا لأمر الحجاب بل لوضعه في منظومة الالتزامات الإسلامية في موضعه الصحيح .

مرة أخرى مبادرة مشكورة ونطالب بالمزيد ..

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين