نحن إخوة ولسنا أصدقاء في علاقتي مع أخي د. بكار الحاج جاسم رحمه الله

بدأت علاقتنا في البكالوريا وبعد الحصول على الشهادة الثانوية كانت نيتنا متوجهه إلى كلية الشريعة وكان الدكتور إبراهيم الديبو هو الثاني على القسم الأدبي في منبج وكان الدكتور بكار الثالث وكنت الرابع .

وسجلنا في كلية الشريعة وسكنا في العمارة بالقرب من الجامع الأموي أنا وإبراهيم الديبو وأحمد عبدي وبكار الحاج جاسم ، لم يحتمل أخونا بكار الغربة كثيرا فقرر العودة إلى قريته ليدرس حرا ويأخذ وكالة لتدريس الابتدائي في قريته .

في الامتحانات كنا نجتمع دائما في غرفة واحدة ربما عشرة أو خمسة عشر شخصا كنا نحن غالبا أحمد الطعان ، إبراهيم الديبو ، أحمد عبدي ، جاسم الظاهر ، بكار الحاج جاسم ، حسن الصناج وكنا نستغل فترة الامتحانات في حضور الدروس عند علماء دمشق : البوطي، البغا ، كريم راجح ، وكانت أسفارنا غالبا معا من منبج إلى دمشق ، وكان يزورني في قريتي وأزوره. وكان يحدثني دائما عن الموضوعات التي يتناولها في خطبته للجمعة في قريته وكذلك كنت أفعل.

وله أثر كبير في التعليم والدعوة في قريته والقرى المجاورة.

ولما تخرجنا من كلية الشريعة أكرمنا الله عز وجل بالإيفاد إلى مصر لمتابعة الدراسات العليا نحن الأربعة من منبج : إبراهيم الديبو من منبج وأنا وبكار من ريف منبج ، بينما أخونا حسن خطاف أوفد إلى تونس .

في السنة الأولى في مصر كنا أنا والديبو عزابية فسكنا معا في شقة وكان أخونا بكار متزوجا وسكن قريبا منا مع عائلته فكان يكثر من دعوتنا إلى بيته وإكرامنا بطعامه الطيب طوال السنة ، وفي السنة الثانية حين عدنا إلى مصر متزوجين بعد الإجازة سكنا في بيته مع عائلاتنا انا والدكتور إبراهيم ربما لمدة أسبوع أو أكثر ريثما تأمن لنا السكن ، وكان البيت صغيرا ضيقا تدبرنا أمورنا عن طريق البرادي للفصل بين العائلات الثلاث، ومع ذلك كانت لنا مواقف من أجمل ذكرياتنا معا في مصر .

ثم استأجرنا شقة واحدة كبيرة تقاسمناها أنا وأخي بكار وقريبا منا أخونا إبراهيم الديبو .

فكنا انا وبكار جيران في شقة واحدة مقسومة لمدة ست سنوات ، ست سنوات دائما معا لا يمر يوم إلا ونتكلم معا أو نجلس معا أو نأكل معا أو نذهب معا، نتكلم في شؤون الحياة، والمجتمع، وأكثر شيء كان حديثنا في العلم والبحث العلمي والدراسة والكتب والمراجع .

ست سنوات كانت علاقتنا قائمة على الأخوة والمحبة والاحترام والتعاون والإيثار بفضل الله عز وجل .

ومن صفات الأخ بكار الصمت الطويل، والتفكير المتأني سواء في أموره الحياتية أو العلمية ، وكان لا يعرف الغيبة والنميمة والكذب والرياء والحقد والحسد هذه الأمراض كان قد عافاه الله عز وجل منها، يفعل الخير بصمت ويساعد أصدقاءه ويكرمهم ، كثير العزلة والخلوة قليل الاختلاط بالناس مع احترامه جدا جدا للواجبات الاجتماعية وقيامه بها في مناسبات العزاء والفرح وغير ذلك . وكنا نصفه أنا والدكتور إبراهيم بأنه ناشف، وكثير من معارفه يقولون عنه إنه جاف . وهذه الصفة آتية من كثرة صمته وإعراضه عن المشاركة والخوض فيما يخوض فيه الآخرون من مزاح أو فضول الكلام .

وكان حريصا على العلم والقراءة والتزود بالعلم ، يسمع أكثر مما يتكلم، وكان يحسن جدا جدا الاستماع والإصغاء لأصدقائه وهي صفة تكاد تنقرض اليوم .

لم يكن يطيق المشاكل أو الخصومات أو النزاعات أو المنافسات ولذلك كان ينأى بنفسه عن كل ذلك

ولذلك لا أعرف له خصما أو عدوا ، وقد أورثه ذلك سلامة الصدر ورحابة الخُلُق وأرجو أن يكون ممن لقي الله عز وجل بقلب سليم .

أحبه أصدقاؤه وأساتذته وتلاميذه .

وقد كان حريصا كل الحرص على استثمار الوقت فأبدع في أطروحته للماجستير والتي كان عنوانها :

((سنن الطبيعة والمجتمع في ضوء القرآن الكريم.))

ثم في رسالته الدكتوراه: (( الأثر الفلسفي في التفسير. ))

وقد آثر بعد بدء الثورة الهجرة والعزلة فترك بيته في دمشق وبيته في منبج وخرج مهاجرا بعائلته، واتجه إلى البحث والتأليف وقد أكرمه الله عز وجل بإنجاز عدد من الكتب والبحوث العلمية في فترة وجيزة، وهذه من علامات التوفيق والرضا إن شاء الله تعالى وهذه أبرز كتبه:

1- سنن الاختلاف والتدافع بين الحق والباطل

2- مسجد الضرار( دراسة قرآنية لظاهرة النفاق في القرآن الكريم )

3-الجهاد والإرهاب( دراسة قرآنية في المصطلح والمفهوم ).

4-قابيل وهابيل ( قتال الإخوة في بيت النبوة )

5-مدخل إلى فلسفة الدين

6- فلسفة الأخلاق

7- مبادئ التسامح بين وثيقة المدينة ومبادئ منظمة اليونسكو

8- الرسالة اللدنية

9- تاريخ الفلسفة

10 - أسس المدينة الفاضلة عند الفارابي

11-الحرية في القرآن الكريم

12-التنوير في الفكر الإسلامي

13-دليل الحائرين في اختلاف المسلمين

14 - الفلسفة الإسلامية

وبعض هذه الكتب هي مقررات جامعية تُدرّس في بعض الجامعات التركية .

وقد كانت لديه مشاريع يعمل بها تتعلق بالسنن الربانية في القرآن الكريم نسأل الله عز وجل أن يكتب له أجرها.

وكانت هذه وصية أستاذنا الدكتور نور الدين عتر رحمه الله له كما أخبرني حين قال له: (( اشتغل بالسنن يادكتور )) .

كنا نتواصل معه انا وأخي الدكتور إبراهيم الديبو وقد لاحظنا كيف ازدادت في الفترة الأخيرة من حياته محبته للعزلة والقراءة فكان يستوحش من الناس إلى درجة كبيرة ، ودخل في أحوال من التقوى والزهد والخشوع، والرؤى فكان يرى منامات ومبشرات نكون فيها معا حدثني ببعضها، وحدث الدكتور إبراهيم ببعضها، وكان يقول لا يمر يوم إلا وأرى نفسي معكم في منام وفي موقف ما، (ولا أستطيع روايتها لأنني لا اتذكرها بشكل جيد) ما بين قوسين كلامي وليس كلام الدكتور بكار ، كان يقول لي نحن لسنا أصدقاء نحن إخوة، رجوته أن يأتي إلى كلس حين كان هناك احتمال لتركه جامعة يلوا ليدرس في جامعات الداخل، فقال لي مازحا إذا عندك شقة تنقسم قسمين آتي، يذكرني بحياتنا معا في مصر .

ارسل لي هذه الرسالة قبل عدة أشهر :

((جزاكم الله خيرا، توجد نية للانتقال الى الشرق. ومنذ ثلاثة أيام كنت أتحدث مع الديبو قلت له ما أكثر ما أرى نفسي معك ومع الطعان وكأننا سنجتمع على أمر.

فلعل هذا من الإرهاصات))

حدثته بمنام رأيته فقلت له :

(( السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

كنت نائما قبل قليل فرأيت الدكتور نور الدين عتر يقف في مكان انا وهو ومعنا آخرون لا أعرفهم ما يشبه جو المؤتمر ، فنظر إلى عنوان موجود في غلاف كتاب أو مجلة إعداد القوة في الإسلام لكم فُسرّ برؤيته، ثم قال أليس له غيره ؟

فقلت له : سيدي الدكتور بكار أصدر أربعة عشر كتابا.

فقال : هل وقف مع أهل الحق ؟

فقلت له : هو منذ بداية الأحداث اعتكف فكتب هذه الكتب، فرأيت السرور باديا على وجهه ثم قال لم تصلني أو بهذا المعنى .

فقلت له سيدي أنا أعطيك النسخة التي عندي وأطلب منه أن يرسل لي نسخة، فنظرت إلى وجهه وهو مسرور.))

فرد علي :

(( وعليكم السلام ورحمة الله

بشركم الله بكل خير

لفت نظري أنك في المنام لا تقصر، فورا تهدي

الله ينفعنا ويجمعنا بالصالحين. ويجعلنا مع أهل الحق

آخر لقاء كان مع أستاذنا في غرفة عميد الشريعة بدمشق وقبل سفري الأخير بيوم، كان وحده فقلت له أوصني ماذا أفعل؟ فقال: اشتغل بالسنن الإلهية، وحقا كانت هذه الكلمة مفتاح العمل.)) .

قبل وفاته بأسبوع تكلمت معه مرتين فكان هادئا مطمئنا لمست في صوته الرضا والطمأنينة، وأرسلت له رسالة صوتية فيها مواساة وتذكير بالصبر وأجر الابتلاء وأجر الصابرين وحديث أشد الناس بلاء، وأرسلت له كتاب إيقاظ الهمم في شرح الحكم لابن عجيبة وذكرته بقراءته ، فرد علي بقوله :

(( السلام عليكم ........

الحمد لله بخير

كلماتك تشرح الصدر...

وبفضل الله قرأت مع أم محمود نصف الكتاب في المشفى. ثم انقطعنا وكأنك تذكرنا تابعوا.

سمعت شرح بعضه من شيخنا الحبيب عمر بن حفيظ. وأحسبه من الربانيين

وكلماتك وتذكيرك توافق مع رؤيا رأيتها اليوم... كنا انا وانت وإبراهيم في صف دراسي درس رياضيات

تذكيراتك تدل على أن مشربنا واحد ...

الحمد لله )) .

فأجبته برسالة صوتية مطولة وكتبت له عن المنام المتعلق بدرس الرياضيات (( هذا يعني أن المرض هو رياضة للعودة إلى العافية بأفضل حال إن شاء الله)) .

كانت هذه آخر المراسلات بيننا .

وبعدها دخل أخي في العناية المشددة، ثم رحل إلى رب العالمين، الرحمن الرحيم .

نسأل الله عز وجل أن يختم لنا بالإيمان ويجمعنا به في أعلى الجنان .

اللهم ارحمه واغفر له وجاف الأرض عن مضجعه، وتقبله في عبادك الصالحين والعلماء العاملين ، اللهم اغسله من خطاياه بالماء والثلج والبرد ، اللهم نقه من خطاياه كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم باعد بينه وبين خطاياه كما باعدت بين المشرق والمغرب .

اللهم نور له في قبره واجعل قبره روضة من رياض الجنة. واجعله من رفقاء نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في الفردوس الأعلى.

وعلق الأخ الدكتور حسن خطاف:

صفات رائعة ذكرها أخي وزميلي الفاضل الدكتور أحمد إدريس الطعان لأخينا وزميلنا الدكتور بكار الحاج جاسم رحمه الله تعالى. وقد خبره

وأنا أشهد أنه كان صامتا سكوتيا يؤثر السلامة لدينه مجتهدا في ذلك وما كان يخل بالواجبات أبدا، ومن طبعه قلة المخالطة وعدم الظهور ولكن كما أسلفت ما كان يخل بالواجبات. وقلة تواصله ترجع في مجملها للتفرغ العلمي.

اللقاءات بينه رحمه الله وبيني قليلة بحكم سفري إلى تونس وسفر الثلاثة - ونحن من بلد واحد هو منبج- إلى مصر.

وبعد الرجوع من مصر استقر في دمشق واشترى بيتا وآثرت حلب للتدريس في كليتها و بعد أن بدأت الثورة لم نلتقي إلا مرة واحدة في الجامعة التي يدرس فيها لوجود مؤتمر وذلك في سنة 2017.

كنت أطمئن على صحته من خلال أخينا الدكتور إبراهيم الديبو لأنه في المراحل الأخيرة من حياته كانت ظروفه لا تسمح وكان أكثر الناس تواصلا معه.

نسأل الله تعالى أن يجمعنا به مع حبيبنا محمد عليه الصلاة والسلام. وأن يغفر لنا هفواتنا وأن يحفظ ابني بلدي وزميلي الدراسة الفاضلين الدكتور إبراهيم أحمد الديبو والدكتور أحمد الطعان.

صورة نادرة بعد مناقشة رسالة الماجستير في دار العلوم بالقاهرة للأخ الحبيب عبد الرحمن يوسف القرضاوي في يناير سنة 2001:
كتب لي الأخ أحمد إدريس الطعان :
العلامة القرضاوي حفظه الله، وعلى يمينه في الصورة د. ثائر حلاق، وبجوار ثائر على يمينه أحمد الطعان، وخلفه د. فريد الخطيب، ووراء فريد الخطيب عبد القادر الحسين، وصاحب النظارات على يمين عبد القادر اح مصري اسمه عمرو الورداني، وامامه شخص لا أعرفه.
وعلى يسار العلامة الشيخ القرضاوي دكتور بكار الحاج جاسم رحمه الله وامامه دكتور محمد الأسود، وأمامه دكتور إبراهيم الديبو، وامامه دكتور مدين هواري، وعلى يسار د. بكار د. عبد الإله الحوري وعلى يسار عبد الإله: خالد العدواني من الكويت .

من اليمين: د. أحمد إدريس الطعان ، وفي الوسط: د.إبراهيم الديبو ،وعن يمينه د. بكار الحاج جاسم رحمه الله تعالى.

جميع المواد المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين