من مداخل الشيطان على الإنسان (5) والأخيرة

وقاية الإنسان من مكايد الشيطان

الاعتصام بالله تعالى:

وذلك بالإيمان والتقوى؛ لأنَّ اللهَ ولي الذين آمنوا، ومع المتقين، فمن كان الله وليَّه ومعه استحال على الشيطان أن يجد إليه سبيلاً، قال تعالى: [اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ] {البقرة:257} .

وقال تعالى: [إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ] {النحل:128}.

وقال تعالى: [إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ] {النحل:99}.

الاستعاذة بالله من الشيطان على كل حال:

قال تعالى:[وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ] {الأعراف:200}.

وقال تعالى: [وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ] {المؤمنون:97}.

الاستعاذة بالله عند قراءة القرآن:

قال تعالى: [فَإِذَا قَرَأْتَ القُرْآَنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ] {النحل:98}.

الاستعاذة بالله عند الصلاة:

روى مسلم في صحيحه عن يزيد بن عبد الله بن الشخير ([1]) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعثمان بن أبي العاص حين اشتكى إليه ما يجده من الشيطان: (ذاك شيطان يقال له خنزب فإذا أحسسته فتعوَّذ بالله منه واتفل على يسارك ثلاثاً ).

وعن جبير بن مطعم عن أبيه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دخل في الصلاة قال: الله أكبر كبيراً، ثلاثاً، الحمد لله كثيراً، ثلاثاً، سبحان الله بكرة وأصيلاً ثلاثاً، (اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه) ([2]).

التعوذ بالله عند الغضب:

عن سليمان بن صرد رضي الله عنه قال: كنت جالساً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورجلان يستبان، فأحدهما احمرّ وجهه، وانتفخت أوداجه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إني لأعلم كلمة لو قالها ذهب عنه ما يجد، لو قال: (أعوذ بالله من الشيطان ) ذهب عنه ما يجد، فقالوا له: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: تعوَّذ بالله من الشيطان، فقال: وهل بي جنون([3]).

الاستعاذة بالله عند دخول الخلاء:

عن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن هذه الحشوش محتضرة، فإذا دخل أحدُكم فليقل: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث) ([4]).

عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يعجز أحدكم إذا دخل مرفقة أن يقول: (اللهم إني أعوذ بك من الرجس والنجس، الخبيث المخبث، الشيطان الرجيم) ([5]).

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء قال: (أعوذ بالله من الخبث والخبائث) ([6]).

الاستعاذة بالله عند النوم:

عن عائشة رضي الله عنها قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أخذ مضجعه نفث في يديه، وقرأت بالمعوذات، ومسح بهما جسده. وفي رواية: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه، ثم نفث فيهما، فقرأ فيهما: قل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس، ثم مسح بهما ما استطاع من جسده، يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده، يفعل ذلك ثلاث مرات) ([7]).

عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: (إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي، لن يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (صدقك وهو كذوب ذاك شيطان) ([8]).

الاستعاذة بالله عند الجماع:

عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أما إنَّ أحدكم إذا أتى أهله، وقال: بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا، فرزقا ولداً لم يضره الشيطان) ([9]).

الاستعاذة من مكاره الأحلام:

عن قتادة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الرؤيا الصالحة من الله، والحلم من الشيطان، فإذا حلم أحدُكم حُلُماً يخافه فليبصق عن يساره، وليتعوذ بالله من شرها فإنها لا تضره) ([10]).

ذكر الله تعالى:

قال الله تعالى: [إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ] {الأعراف:201}.

عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الشيطان قال: وعزَّتك يا رب لا أبرح أُغوي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم، فقال الربُّ: وعزَّتي وجلالي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني) ([11]).

(الشيطان يلتقم قلب ابن آدم، فإذا ذكر الله خَنَس عنده، وإذا نسي الله التقم قلبه) ([12]).

 فالقلب المشغول بذكر الله يخلو من جولان الشيطان ولو غفل عنه سلط الله عليه شيطانا عقابا له ليزداد إثما فيزداد عقابه ، وإن الشياطين ليمنعون عن سبيل الخير: [وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ] {الزُّخرف:36}.

أي : فمن يتعام ويعرض عن ذكر الله نهيئ له شيطاناً من شياطين الإنس والجن فهو له صاحب ملازم .

 قال حجة الإسلام: والتطارد الذي بين ذكر الله ووسوسة الشيطان كالتطارد بين النور والظلمة، وبين الليل والنهار، ولتطاردهما قال تعالى: [اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللهِ] {المجادلة:19}.(فيض القدير 4/186).

عن الحارث الأشعري رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنَّ الله سبحانه وتعالى أمر يحيى بن زكريا عليه السلام  بخمس كلماتٍ أن يعمل بهنَّ، وأن يأمرَ بني إسرائيل أن يعملوا بهن..  ومنها: وآمركم أن تذكروا الله تعالى، فإنَّ مثل ذلك كمثل رجل خرج العدو في أثره سِراعاً، حتى إذا أتى على حصن حصين، فأحرز نفسه منهم، كذلك العبد لا يُحرز نفسه من الشيطان إلا بذكر الله تعالى...) ([13]).الحديث.

غض البصر:

 والنظر إلى ما نهى الله عنه من العورات من أشدِّ مداخل الشيطان، وبسبه يضعف الإيمان، وتنعدم الفراسة وصفاء الفكر...

يقول الإمام ابن القيم في الجواب الكافي ص 106: (والنظر أصل عامة الحوادث التي تصيب الإنسان، فالنظرة تولد خطرة، ثم تولد الخطرة فكرة، ثم تولد الفكرة شهوة، ثم تولد الشهوة إرادة، تقوى فتصير عزيمة جازمة فيقع الفعل ولابد ما لم يمنع منه مانع، وفي هذا قيل: الصبر على غض البصر أيسر من الصبر على ألم ما بعده).

عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ يعني عن ربه عزَّ وجل ـ (النظرة سهمٌ مسمومٌ من سهام إبليس، من تركها من مخافتي أبدلته إيماناً يجد حلاوته في قلبه) ([14]).

إمساك فضول الكلام واستبداله بالصمت:

 روى البخاري قال صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت).

 وكل لفظة مسجلة على الإنسان: [مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ] {ق:18}.

 والقول الحسن هو العلاج لما يُلقيه الشيطان من نزغات: [وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا] {الإسراء:53}.

تنقية الأسماع وصون الأذن عن سماع الباطل:

[وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آَيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ القَوْمِ الظَّالِمِينَ] {الأنعام:68}.

آية الكرسي:

  روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: وكَّلني رسول الله صلى الله عليه و سلم بحفظ زكاة رمضان ، فأتاني آتٍ فجعل يحثو من الطعام، فأخذته وقلت: والله لأرفعنَّك إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم، قال: إني محتاج وعليَّ عيال ولي حاجة شديدة قال: فخليت عنه، فأصبحت فقال النبي صلى الله عليه و سلم: ( يا أبا هريرة ما فعل أسيرك البارحة )؟.

قال: قلت يا رسول الله شكا حاجة شديدة وعيالا فرحمته فخليت سبيله، قال: (أما إنه قد كذبك وسيعود ). فعرفت أنه سيعود لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إنه سيعود ).

فرصدته فجاء يحثو من الطعام فأخذته، فقلت: لأرفعنَّك إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: دعني فإني محتاج وعلي عيال لا أعود فرحمته فخليت سبيله، فأصبحت، فقال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم: ( يا أباهريرة ما فعل أسيرك )؟. قلت: يا رسول الله شكا حاجة شديدة وعيالا فرحمته فخليت سبيله، قال: ( أما إنه كذبك وسيعود ).

فرصدته الثالثة فجاء يحثو من الطعام فأخذته، فقلت :لأرفعنك إلى رسول الله وهذا آخر ثلاث مرات تزعم لا تعود ثم تعود.

 قال: دعني أعلمك كلمات ينفعك الله بها. قلت: ما هو؟ قال: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي { الله لا إله إلا هو الحي القيوم } حتى تختم الآية فإنك لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربنَّك شيطان حتى تصبح. فخليت سبيله ،فأصبحت فقال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم: ( ما فعل أسيرك البارحة ). قلت: يا رسول الله زعم أنه يعلمني كلمات ينفعني الله بها فخليت سبيله ،قال: (ما هي)؟.

 قلت قال لي: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم {الله لا إله إلا هو الحي القيوم }، وقال لي: لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح - وكانوا أحرص شيء على الخير –

فقال النبي صلى الله عليه و سلم: ( أما إنه قد صدقك وهو كذوب تعلم من تخاطب منذ ثلاث ليال يا أبا هريرة ؟). قال: لا. قال :( ذاك شيطان ).

خاتمة سورة البقرة:

 روى مسلم من حديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قرأ هاتين الآيتين من آخر سورة البقرة كفتاه).

قال النووي في شرح مسلم 6/91: كفتاه من قيام الليل، وقيل: من الشيطان، وقيل: من الآفات، ويحتمل الجميع.

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.

 

تمت بحمد الله تعالى وتوفيقه الحلقة الخامسة والأخيرة

في صباح الجمعة جمادى الأولى 1405هـ

([1]) في كتاب السلام 7/21  .

([2]) رواه أبو داود في كتاب الصلاة 1/206، والترمذي 2/9، وأحمد 4/80 .

([3]) رواه البخاري في صحيحه في كتاب بدء الخلق 4/151 ومسم في كتاب البر والصلة 8/30

([4]) رواه أبو داود في كتاب الطهارة 1/2، وابن ماجه 1/108 .

([5]) رواه ابن ماجه 1/109 .

([6]) رواه أبو داود 1/2، والترمذي 1/10ـ،12 والنسائي 1/20، وابن ماجه 1/4

([7]) رواه أحمد في مسنده 6/116، وأبو داود في كتاب الأدب 4/313، والترمذي في كتاب الدعوات 5/473

([8]) رواه البخاري في كتاب بدء الخلق 4/149، والترمذي في فضائل القرآن 5/158

([9])رواه البخاري في كتاب بدء الخلق 4/149

([10])رواه البخاري في كتاب بدء الخلق 4/152

([11])رواه الإمام أحمد وأبو يعلى والحاكم

([12])رواه الحكيم الترمذي عن أنس وأبو نعيم والديلمي

([13]) رواه الإمام أحمد والترمذي وصحَّحه.

([14])  قال المنذري في الترغيب 3/34: رواه الطبراني والحاكم من  حديث حذيفة وقال صحيح الإسناد وقال المنذري: خرجاه من رواية عبد الرحمن بن إسحاق الواسطي وهو واهٍ

نشرت 2009 وأعيد نشرها وتنسيقها 25/10/2021

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين