من مآثر العلامة الشيخ محمد الحامد الحموي رحمه الله (1)

 
 
 
بقلم / د. خلدون عبد العزيز مخلوطة
 
كنت في السابعة من عمري ، أرى أبي يذهب مع أصدقائه لحضور جنازة الشيخ محمد الحامد والصلاة عليه ، ولكن الشيء الذي بقي عالقا في مخيلتي أنه بعد ذهابهم كانت الشمس ساطعة في جو السماء ، وإذا بالأمطار تنهمر وتتساقط ، وبعدما كبرت علمت أن جنازة الشيخ عندما خرجت من جامع السلطان في يوم الثلاثاء الساعة الثالثة بعد الظهر ، في شهر أيار من شهور الصيف ، ووضعوا للشيخ على مكبرات الصوت شريطا مسجلا بصوته لخطبة له في صلاة الاستسقاء ويدعو: اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، فأجاب الله دعوته في حياته وبعد مماته ، فانهمر المطر على المشيعين ، وقد حدث مثل ذلك للحافظ أبي موسى المديني رحمه الله ، حيث أورد الحافظ الذهبي في سير أعلام النبلاء 21/156 ( أنه لما مات أبو موسى المديني لم يكادوا أن يفرغوا منه ، حتى جاء مطر عظيم في الحر الشديد ، وكان الماء قليلا بأصبهان فما انفصل أحد عن المكان مع كثرة الخلق إلا قليلا ، وكان قد ذكر في آخر إملاء أملاه : "أنه متى مات من له مَنْزِلة عند الله فإن الله يبعث سحابا يوم موته علامة للمغفرة له ، ولمن صلى عليه").
 
 
شغفه بالعلم منذ صغره فكان التحقيق العلمي والتوسع به دأبه وديدنه:
 
عشق العلم من صغره فكان شغفه ولذته وهو القائل: (إني لأوثر العلم على اللذائذ المادية التي يقتتل الناس عليها ، ولو أني خيرت بين الملك والعلم ، لاخترت العلم على الملك والسلطان)، وكم أثـَّرت فيه كملة أخيه شاعر حماة بدر الدين الحامد عندما ودعه مسافرا للأزهر لطلب العلم : (أعوذ بالله من نصف عالم)، فحفزته وضاعفت من همته، ثم تسخيره العلم لخدمة أمته ، وتفانيه في الدفاع عن قضاياها ، وحرصه على الرد والتصدي لكل الأفكار الهدامة ، والمعتقدات الباطلة.
 
 
جمعه بين الصوفية النقية ، والسلفية الحقة:
 
جمع رحمه الله بين الربانية في السلوك ، والانضباط بالشرع ، فكان شعاره (العلم أمير على التصوف )، وكان يقول : (السلفية الحقة مجتمعة مع الصوفية الصحيحة ، متى حسن الفهم ، وصح العزم ..، وإذا زخرفت الصوفية بالروحانية ، الغامرة، والرقة العميقة ، فليست بمنكرة على أختها السلفية تحريها تنقية الإسلام مما لابسه من الغرائب عنه ، كي يعود إلى صفائه).
 
 
قلب حاضر في خشية وإخبات:
 
الكلمة المؤثرة تسري في كيانه ، وتفعل في نفسه الأفاعيل، حدثني أخي السيد عبد الرزاق قاقات وكان شابا يافعا ، ومنَّ الله علينا بمرائي عجيبة ، قال رأيت رؤيا فأتيت الشيخ محمد لأحدثه بها ، وكان ذلك في الصباح بعد شراء الشيخ الخبز من أحد المخابز، فاستأذنته لأقص عليه الرؤيا، فقال تفضل ، فقلت : رأيت كأن القيامة قد قامت، والنيران تستعر ويتقاذف حممها ، ثم رأيت سيدنا موسى عليه السلام في السماء السادسة ، وكأنه يتصبب عرقا، ثم قال لي: (بلغ سلامي للشيخ محمد الحامد)، يقول: فما أن سمع ذلك وكأن صاعقة وقعت على الشيخ ، وحال عجيب أصابه، فبدأ النحيب والبكاء، ووقع الخبز من يده، وسقط الشيخ على الأرض وغاب عن وعيه، فعندما رأيته على هذه الحال، هربت خشية أن أتهم أني آذيت الشيخ أو أسأت له ، وفي صباح اليوم التالي جاء الشيخ محمد إلى بيت الشيخ محمود الشقفة رحمه الله وقال: شاب رأيته عندكم اسمه عبد الرزاق أريد مقابلته، فأرسل الشيخ إلي، ثم بدأ الشيخ محمد يعتذر مني ، خشية أن يكون أفزعني، ثم قال لي : (يا بني كيف تحدثني بمثل هذه الرؤيا وأنا في الطريق ، لقد خشيت على نفسي أن تزهق).