من شهادات المنصفين في عهد النبوّة (1)

تصديق المشركين العامّ برسول الله صلى الله عليه وسلم:

عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: " لَمَّا نَزَلَتْ: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِين}[الشعراء:214]، صَعِدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى الصَّفَا، فَجَعَلَ يُنَادِي: يَا بَنِي فِهْرٍ، يَا بَنِي عَدِيٍّ، لِبُطُونِ قُرَيْشٍ، حَتَّى اجْتَمَعُوا، فَجَعَلَ الرَّجُلُ إِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَخْرُجَ أَرْسَلَ رَسُولاً، لِيَنْظُرَ مَا هُوَ، فَجَاءَ أَبُو لَهَبٍ وَقُرَيْشٌ، فَقَالَ: ( أَرَأَيْتَكُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ: أَنَّ خَيْلاً بِالْوَادِي، تُرِيدُ أَنْ تُغِيرَ عَلَيْكُمْ، أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ.؟ ) قَالُوا: نَعَمْ، مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ إِلاّ صِدْقاًَ، قَالَ: فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ، فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: تَبّاً لَكَ سَائِرَ الْيَوْمِ، أَلِهَذَا جَمَعْتَنَا.؟! فَنَزَلَتْ: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَب}[المَسَد:1] رواه البخاري في كتاب تفسير القرآن 4397، ومسلم في كتاب الإيمان 307، عن ابن عباس رضي الله عنه.

شَهَادَةُ أبي جَهلٍ بالحقّ، واعترافه بكبره وعناده: روى الإمام البيهقيّ عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: " إنّ أوّل يوم عرفت فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّي أمشي أنا وأبو جهل في بعض أزقّة مكّة، إذ لقينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي جهل: يا أبا الحكم هلمّ إلى الله ورسوله أدعوك إلى الله، فقال أبو جهل: يا محمّد هل أنت منتهٍ عن سبّ آلهتنا؟ هل تريد إلاّ أن نشهد أنّك قد بلّغت.؟! فنحن نشهد أنّك قد بلّغت.. فوالله لو أنّي أعلم أنّ ما تقول حقّ لاتّبعتك، فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقبل عليّ فقال: والله إنّي لأعلم أنّ ما يقول حقّ، ولكن يمنعني شيء: أنّ بني قصيّ قالوا: فينا الحجابة، قلنا: نعم، ثمّ قالوا: فينا السقاية، قلنا: نعم، ثمّ قالوا: فينا الندوة، فقلنا: نعم، ثمّ قالوا: فينا اللواء، فقلنا: نعم، ثمّ أطعموا وأطعمنا، حتّى إذا تحاكّت الركب قالوا: منّا نبيّ.! والله لا أفعل.. " انظر: " الرسول صلى الله عليه وسلم " للشيخ سعيد حوّى ص/22/، وأخرجه ابن أبي شيبة بنحوه. أي فكيف له بهذه.؟! فهو يرى أنّهم لو آمنوا بِه واتّبعوه فقد أصبحت لهم التبعيّة لعشيرته، وهذا ما لا يمكن لهم أن يسلّموا به، وتلك هي الجاهليّة العمياء الرعناء.!

شَهَادَةُ الوليدِ بنِ المغيرةِ بالحقّ: يقول تعالى: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا * وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَّمْدُودًا * وَبَنِينَ شُهُودًا * وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيدًا * ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيد * كَلاَّ إِنَّهُ كَانَ لآيَاتِنَا عَنِيدًا * سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا * إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّر * فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّر * ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّر * ثُمَّ نَظَر * ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَر * ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَر * فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَر * إِنْ هَذَا إِلاَّ قَوْلُ الْبَشَر * سَأُصْلِيهِ سَقَر}[المدَّثر:11 ــ26].

نزلت هذه الآيات في الوليد بن المغيرة المخزوميّ، وكان يسمّى: " الوحيد في قومه ": رُوي أنّه لمّا نزل قوله تعالى: {حم * تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيم * غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِير}[غافر:1 ــ:3].

سمع الوليد النبيّ صلى الله عليه وسلم يقرؤه، فقال: والله لقد سمعت منه كلاماً، ما هو من كلام الإنس، ولا من كلام الجنّ، وإنّ له لحلاوة، وإنّ عليه لطلاوة ـ أي بهجة ـ وإنّ أعلاه لمثمر، وإنّ أسفله لمغدق، وإنّه ليعلو، ولا يعلى عليه، وما يقول هذا بشر.

فقالت قريش: صبأ الوليد ـ أي خرج عن دينه ـ لتصبونّ قريش كلّها، وكان يقال للوليد: ريحانة قريش، فقال أبو جهل: أنا أكفيكموه، فمضى إليه حزيناً، فقال له: ما لي أراك حزيناً؟ فقال له: وما لي لا أحزن.! وهذه قريش، يجمعون لك نفقة، يعينونك بها على كبر سنّك، ويزعمون أنّك زيّنت كلام محمّد، وتدخل على ابن أبي كبشة، وابن أبي قحافة ـ يعني أبا بكر ـ لتنال من فضل طعامهما.

فغضب الوليد، وتكبّر، وقال: أنا أحتاج إلى كسر محمّد وصاحبه، فأنتم تعرفون قدر مالي، واللات والعزى ما بي حاجة إلى ذلك، وإنما أنتم تزعمون أنّ محمّداً مجنون، فهل رأتموه قطّ يخنق؟ قالوا: لا والله، قال: وتزعمون أنّه شاعر، فهل رأيتموه نطق بشعر قطّ؟ قالوا: لا والله، قال: فتزعمون أنّه كذّاب، فهل جرّبتم عليه كذباً قطّ؟ قالوا: لا والله، قال: فتزعمون أنّه كاهن، فهل رأيتموه تكهّن قطّ؟ قالوا: لا والله.

وكان النبيّ صلى الله عليه وسلم يسمّى: الصادق الأمين، من كثرة صدقه وعظم أمانته، فقالت قريش للوليد: فما هو؟ ففكّر في نفسه، ثم عبس، فقال: ما هو إلاّ ساحر ! أما رأيتموه يفرّق بين الرجل وأهله، وولده ومواليه؟ فأنزل الله تعالى هذه الآيات في ذمّه ووعيده.

وشهادة أخرى من عتبة بن ربيعة: روي أنّ الملأ من قريش قالوا: قد التبس علينا أمر محمّد، فلو التمستم رجلاً عالماً بالشعر والكهانة والسحر، فكلّمه ثم أتانا ببيان أمره، فقال عتبة بن ربيعة: والله لقد سمعت الكهانة والشعر والسحر، وعلمت من ذلك علماً لا يخفى إن كان كذلك، فقالوا: ائته فحدّثه، فأتى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال له: يا محمّد ! أنت خير أم قصيّ بن كلاب؟ أنت خير أم هاشم؟ أنت خير أم عبد المطلب؟ أنت خير أم عبد الله؟ فبم تشتم آلهتنا، وتضلّل آباءنا، وتسفّه أحلامنا، وتذمّ ديننا؟ فإن كنت إنما تريد الرياسة، عقدنا إليك ألويتنا، فكنت رئيساً ما بقيت ! وإن كنت تريد الباءة ـ يعني النكاح ـ زوّجناك عشر نساء من أيّ بنات قريش شئت، وإن كنت تريد المال، جمعنا لك ما تستغني به أنت وعقبك ـ أي أولادك ـ من بعدك. وإن كان هذا الذي يأتيك رئيّاً من الجنّ، قد غلب عليك، بذلنا لك أموالنا في طلب ما تتداوى به، أو نغلب فيك.

والنبي صلى الله عليه وسلم ساكت، فلما فرغ قال: ( قد فرغت يا أبا الوليد؟ ) قال: نعم. قال: ( فاسمع مني ) قال: أفعل. فقال صلى الله عليه وسلم: {حم * تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم * كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُون}[فُصِّلَت:1 ــ3] حتّى بلغ قوله تعالى: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُود}[فُصِّلَت:13]. أي هلاكاً كهلاكهم، فوثب عتبة، ووضع يده على فم النبيّ صلى الله عليه وسلم، وناشده الله والرحم ليسكتنّ.

ورجع إلى أهله ولم يخرج إلى قريش، فجاء أبو جهل فقال: أصبوت إلى محمّد؟ أم أعجبك طعامه؟ فغضب عتبة، وأقسم ألاّ يكلّم محمّداً أبداً. ثمّ قال: والله لقد تعلمون أنّي من أكثر قريش مالاً، ولكني لمّا قصصت عليه القصة، أجابني بشيء، والله ما هو بشعر، ولا كهانة، ولا سحر، ثمّ تلا عليهم ما سمع منه إلى قوله: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُود}[فُصِّلَت:13] قال: فأمسكت بفيه، وناشدته بالرحم أن يكفّ، وقد علمتم أنّ محمّداً إذا قال شيئاً لم يكذب، فوالله لقد خفت أن ينزل بكم العذاب !

وفي رواية: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قرأ: حم فصلت حتّى انتهى إلى السجدة فسجد، وعتبة مصغ يستمع، وقد اعتمد على يديه وراء ظهره. فلمّا قطع رسول الله صلى الله عليه وسلم القراءة، قال له: يا أبا الوليد ! لقد سمعت الذي قرأت عليك، فأنت وذاك. فانصرف عتبة إلى قريش في ناديها، فقالوا: والله لقد جاءكم أبو الوليد، بغير الوجه الذي مضى من عندكم، ثم قالوا: ما وراءك يا أبا الوليد؟ قال: والله لقد سمعت كلاماً من مُحَمّد، ما سمعت مثله قطّ، والله ما هو بالشعر، ولا بالكهانة، فأطيعوني في هذه، وأنزلوها بي: خلّوا محمّداً وشأنه واعتزلوه، فو الله ليكوننّ لما سمعت من كلامه نبأ، فإن أصابته العرب، كفيتموه بأيدي غيركم، وإن كان ملكاً أو نبيّاً، كنتم أسعد الناس به؛ لأنّ ملكه ملككم، وشرفه شرفكم. فقالوا: هيهات ! سحرك مُحَمّد يا أبا الوليد ! قال: هذا رأيي لكم، فاصنعوا ما شئتم.

فما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم طالب ملك، ولا راغباً في مال، ولا ناشداً جاهاً، ولا سلطاناً، وإنّما هو نبيّ يوحى إليه من ربّه، ومبلّغ رسالة، ومنشئ أمّة، ومنقذ البشريّة من التردّي في هوّة سحيقة، وصانع تاريخ، ومؤصّل حضارة، إنّها لشهادة حقّة، لأنّها من عدوّ لا يؤمن بالقرآن، وإنما آمن بسلطان اللغة والبيان.

ومن شهادات بعض عظماء عصر النبيّ صلى الله عليه وسلم: شهادة مَلِك عُمان وإسلامه، فقد بعث النبيّ صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص رضي الله عنه إلى الجُلَندَى مَلِك عُمان يدعوه إلى الإسلام، فعلم طرفاً من أخبار النبيّ صلى الله عليه وسلم وسيرته الشريفة ثمّ أسلم، وعندما سئل عن سبب إسلامه قال: " لقد دلّني على هذا النبيّ الأمّيّ: أنّه لا يأمر بخير إلاّ كان أوّل آخذ به، ولا ينهى عن شرّ إلاّ كان أوّل تارك له، وأنّه يغلب فلا يبطر، ويُغلَبُ فلا يُهجِر ـ أي: لا يقول القبيح من الكلام ـ وأنّه يفي بالعهد، ويُنجزُ الوَعدَ، وأشهد أنّه نبيّ ".

شَهَادَةُ ثُمَامَةَ بْنِ أُثَالٍ بالحقّ وإسلامُه: عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه يَقُولُ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَيْلاً قِبَلَ نَجْدٍ، فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ، يُقَالُ لَهُ: ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ، سَيِّدُ أَهْلِ الْيَمَامَةِ، فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي المَسْجِدِ.

فَخَرَجَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: مَاذَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟ فَقَالَ: عِنْدِي يَا مُحَمَّدُ خَيْرٌ، إِنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ، وَإِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ المَالَ فَسَلْ تُعْطَ مِنْهُ مَا شِئْتَ.

فَتَرَكَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى كَانَ بَعْدَ الْغَدِ، فَقَالَ: مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ: قَالَ: مَا قُلْتُ لَكَ: إِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ، وَإِنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ المَالَ فَسَلْ تُعْطَ مِنْهُ مَا شِئْتَ.

فَتَرَكَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى كَانَ مِنْ الْغَدِ، فَقَالَ: مَاذَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟ فَقَالَ: عِنْدِي مَا قُلْتُ لَكَ: إِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ، وَإِنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ المَالَ فَسَلْ تُعْطَ مِنْهُ مَا شِئْتَ.

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ، فَانْطَلَقَ إِلَى نَخْلٍ قَرِيبٍ مِنْ المَسْجِدِ فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ دَخَلَ المَسْجِدَ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاّ اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، يَا مُحَمَّدُ وَاللهِ مَا كَانَ عَلَى الأَرْضِ وَجْهٌ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ وَجْهِكَ، فَقَدْ أَصْبَحَ وَجْهُكَ أَحَبَّ الْوُجُوهِ كُلِّهَا إِلَيَّ، وَاللهِ مَا كَانَ مِنْ دِينٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ دِينِكَ، فَأَصْبَحَ دِينُكَ أَحَبَّ الدِّينِ كُلِّهِ إِلَيَّ، وَاللهِ مَا كَانَ مِنْ بَلَدٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ بَلَدِكَ، فَأَصْبَحَ بَلَدُكَ أَحَبَّ الْبِلادِ كُلِّهَا إِلَيَّ، وَإِنَّ خَيْلَكَ أَخَذَتْنِي وَأَنَا أُرِيدُ الْعُمْرَةَ، فَمَاذَا تَرَى؟

فَبَشَّرَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَمَرَهُ أَنْ يَعْتَمِرَ، فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ قَالَ لَهُ قَائِلٌ: أَصَبَوْتَ؟ فَقَالَ: لا، وَلَكِنِّي أَسْلَمْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَلا وَاللهِ لا يَأْتِيكُمْ مِنْ الْيَمَامَةِ حَبَّةُ حِنْطَةٍ حَتَّى يَأْذَنَ فِيهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم " رواه البخاريّ في كتاب المغازي برقم/4024/، ومسلم وهذا لفظه في كتاب الجهاد والسير برقم/3310/.

شَهَادَةُ الحبرِ اليهوديّ زَيْدِ بنِ سَعْنَةَ بالحقّ وإسلامُه: قَالَ زَيْدُ بن سَعْنَةَ، وكان حَبراً من أحبار يهود: مَا مِنْ عَلامَاتِ النُّبُوَّةِ شَيْءٌ إِلاّ وَقَدْ عَرَفْتُهَا فِي وَجْهِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، حِينَ نَظَرْتُ إِلَيْهِ إِلاّ اثْنَتَيْنِ لَمْ أَخْبُرْهُمَا مِنْهُ، يَسْبِقُ حِلْمُهُ جَهْلَهُ، وَلا تَزِيدُ شِدَّةُ الجَهْلِ عَلَيْهِ إِلاّ حِلْماً، فَكُنْتُ أَلْطُفُ لَهُ لأَنْ أُخَالِطَهُ، فَأَعْرِفَ حِلْمَهُ مِنْ جَهْلِهِ.

قَالَ زَيْدُ بن سعْنَةَ: فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْماً مِنَ الحُجُرَاتِ، وَمَعَهُ عَلِيُّ بن أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه، فَأَتَاهُ رَجُلٌ عَلَى رَاحِلَتِهِ كَالْبَدَوِيِّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ بُصْرَى قَرْيَةَ بني فُلانٍ قَدْ أَسْلَمُوا، وَدَخَلُوا فِي الإِسْلامِ، وَكُنْتُ حَدَّثَتْهُمْ: إِنْ أَسْلَمُوا أَتَاهُمُ الرِّزْقُ رَغَداً، وَقَدْ أَصَابَتْهُمْ سَنَةٌ وَشِدَّةٌ وقُحُوطٌ مِنَ الْغَيْثِ، فَأَنَا أَخْشَى يَا رَسُولَ اللهِ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ الإِسْلامِ طَمَعاً كَمَا دَخَلُوا فِيهِ طَمَعاً، فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُرْسِلَ إِلَيْهِمْ بِشَيْءٍ تُعِينُهُمْ بِهِ فَعَلْتَ.

فَنَظَرَ إِلَى رَجُلٍ إِلَى جَانِبِهِ أُرَاهُ عَلِيّاً رضي الله عنه، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا بَقِيَ مِنْهُ شَيْءٌ.

قَالَ زَيْدُ بن سَعْنَةَ: فَدَنَوْتُ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ: يَا مُحَمَّدُ، هَلْ لَكَ أَنْ تَبِيعَنِي تَمْراً مَعْلُوماً مِنْ حَائِطِ بني فُلانٍ إِلَى أَجْلِ كَذَا وَكَذَا؟

فَقَالَ: لا يَا يَهُودِيُّ، وَلَكِنِّي أَبِيعُكَ تَمْراً مَعْلُوماً إِلَى أَجْلِ كَذَا وَكَذَا، وَلا تُسَمِّي حَائِطَ بني فُلانٍ، قُلْتُ: بَلَى، فَبَايَعَنِي فَأَطْلَقْتُ هِمْيَانِي، فَأَعْطَيْتُهُ ثَمَانِينَ مِثْقَالاً مِنْ ذَهَبٍ فِي تَمْرٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجْلِ كَذَا وَكَذَا، فَأَعْطَاهَا الرَّجُلَ، فَقَالَ: اغْدُ عَلَيْهِمْ فَأَعِنْهُمْ بِهَا.

فَقَالَ زَيْدُ بن سَعْنَةَ: فَلَمَّا كَانَ قَبْلَ مَحَلِّ الأَجَلِ بِيَوْمَيْنِ أَوْ ثَلاثٍ، أَتَيْتُهُ فَأَخَذْتُ بِمَجَامِعِ قَمِيصِهِ وَرِدَائِهِ، وَنَظَرْتُ إِلَيْهِ بِوَجْهٍ غَلِيظٍ، فَقُلْتُ لَهُ: أَلا تَقْضِيَنِي يَا مُحَمَّدُ حَقِّي؟ فَوَاللهِ مَا عَلِمْتُكُمْ بني عَبْدِ المُطَّلِبِ لَمَطْلٌ، وَلَقَدْ كَانَ لِي بِمُخَالَطَتِكُمْ علِمٌ، وَنَظَرْتُ إِلَى عُمَرَ، وَإِذَا عَيْنَاهُ تَدُورَانِ فِي وَجْهِهِ كالْفَلَكِ المُسْتَدِيرِ، ثُمَّ رَمَانِي بِبَصَرِهِ، فَقَالَ: يَا عَدُوَّ اللهِ أَتَقُولُ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَا أَسْمَعُ، وَتَصْنَعُ بِهِ مَا أَرَى، فَوَالَّذِي بَعَثَهُ بِالحَقِّ لَوْلا مَا أُحَاذِرُ فَوْتَهُ لَضَرَبْتُ بِسَيْفِي رَأْسَكَ، وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَنْظُرُ إِلَى عُمَرَ فِي سُكُونٍ وتُؤَدَةٍ.

ثُمَّ قَالَ: يَا عُمَرُ، أَنَا وَهُوَ كُنَّا أَحْوَجَ إِلَى غَيْرِ هَذَا، أَنْ تَأْمُرَنِي بِحُسْنِ الأَدَاءِ، وتَأْمُرَهُ بِحُسْنِ التِّبَاعَةِ، اذْهَبْ بِهِ يَا عُمَرُ وأَعْطِهِ حَقَّهُ، وَزِدْهُ عِشْرِينَ صَاعاً مِنْ تَمْرٍ مَكَانَ مَا رَوَّعْتَهُ.

قَالَ زَيْدٌ: فَذَهَبَ بِي عُمَرُ رضي الله عنه، فَأَعْطَانِي حَقِّي، وَزَادَنِي عِشْرِينَ صَاعاً مِنْ تَمْرٍ، فَقُلْتُ: مَا هَذِهِ الزِّيَادَةُ يَا عُمَرُ؟ فَقَالَ: أَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ أَزِيدَكَ مَكَانَ مَا رَوَّعْتُكَ.

قُلْتُ: وتَعْرِفُنِي يَا عُمَرُ؟ قَالَ: لا، مَنْ أَنْتَ؟ قُلْتُ: أَنَا زَيْدُ بن سَعْنَةَ، قَالَ: الحَبْرُ، قُلْتُ: الحَبْرُ، قَالَ: فَمَا دَعَاكَ أَنْ فَعَلْتَ بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَا فَعَلْتَ، وَقُلْتَ لَهُ مَا قُلْتَ؟

قُلْتُ: يَا عُمَرُ، لَمْ تَكُنْ مِنْ عَلامَاتِ النُّبُوَّةِ شَيْءٌ إِلاّ وَقَدْ عَرَفْتُهُ فِي وَجْهِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ نَظَرْتُ إِلَيْهِ إِلاّ اثْنَتَيْنِ لَمْ أَخْبُرْهُمَا مِنْهُ، يَسْبِقُ حِلْمُهُ جَهْلَهُ، وَلا يَزِيدُهُ الجَهْلُ عَلَيْهِ إِلاّ حِلْماً، فَقَدْ أُخْبِرْتُهُمَا، فَأُشْهِدُكَ يَا عُمَرُ أَنِّي قَدْ رَضِيتُ بِاللهِ رَبّاً، وَبِالإِسْلامِ دِيناً، وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيّاً، وَأُشْهِدُكَ أَنَّ شَطْرَ مَالِي، وَإِنِّي أَكْثَرُهَا مَالاً صَدَقَةٌ عَلَى أُمَّةِ مُحَمَّدٍ.

فَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: أَوْ عَلَى بَعْضِهِمْ، فَإِنَّكَ لا تَسَعُهُمْ. قُلْتُ: أَوْ عَلَى بَعْضِهِمْ، فَرَجَعَ عُمَرُ وَزَيْدٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ زَيْدٌ: أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صلى الله عليه وسلم "[ قال الهيثميّ في مجمع الزوائد: رواه الطبرانيّ ورجاله ثقات، وروى ابن ماجة بعضه، وأخرجه أيضاً ابن حبّان في صحيحه، والحاكم، وأبو الشيخ في كتاب أخلاق النبيّ صلى الله عليه وسلم، وأبو نعيم في دلائل النبوّة، وغيرهم، وانظر الإصابة 1/566، وحياة الصحابة 1/148].

وآمن زَيْدٌ رضي الله عنه بالنبيّ صلى الله عليه وسلم وصدّقه وبايعه، وشهد معه مشاهد كثيرة، ثمّ توفّي في غزوة تبوك مقبلاً غير مدبر رضي الله عنه وأجزل مثوبته.

ومن أروع الشهادات المعاصرة للعهد النبويّ الشريف: شهادة النجاشيّ، واتّباعه للنبيّ صلى الله عليه وسلم، وإسلام عمرو بن العاص رضي الله عنه على يديه:

عَن أُمِّ المؤمِنينَ أُمِّ سَلَمَةَ ابنَةِ أَبِي أُمَيَّةَ بنِ المُغِيرَةِ زَوجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَت رضي الله عنها: " لَمَّا نَزَلنَا أَرضَ الحَبَشَةِ، جَاوَرنَا بِهَا خَيرَ جَارٍ النَّجَاشِيَّ، أَمِنَّا عَلَى دِينِنَا، وَعَبَدنَا الله تَعَالَى، لا نُؤذَى، وَلا نَسمَعُ شَيئاً نَكرَهُهُ، فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ قُرَيشاً، ائتَمَرُوا أَن يَبعَثُوا إِلَى النَّجَاشِيِّ فِينَا رَجُلَينِ جَلدَينِ، وَأَن يُهدُوا لِلنَّجَاشِيِّ هَدَايَا مِمَّا يُستَطرَفُ مِن مَتَاعِ مَكَّةَ، وَكَانَ مِن أَعجَبِ مَا يَأتِيهِ مِنهَا إِلَيهِ الأَدَمُ، فَجَمَعُوا لَهُ أَدَماً كَثِيراً، وَلَم يَترُكُوا مِن بَطَارِقَتِهِ بِطرِيقاً إلا أَهدَوا لَهُ هَدِيَّةً، ثُمَّ بَعَثُوا بِذَلِكَ عَبدَ الله بنَ أَبِي رَبِيعَةَ بنِ المُغِيرَةِ المَخزُومِيَّ، وَعَمرَو بنَ العَاصِ بنِ وَائِلٍ السَّهمِيَّ، وَأَمَرُوهُمَا أَمرَهُم، وَقَالُوا لَهُمَا: ادفَعَا إِلَى كُلِّ بِطرِيقٍ هَدِيَّتَهُ قَبلَ أَن تُكَلِّمُوا النَّجَاشِيَّ فِيهِم، ثُمَّ قَدِّمُوا لِلنَّجَاشِيِّ هَدَايَاهُ، ثُمَّ سَلُوهُ أَن يُسَلِّمَهُم إِلَيكُم قَبلَ أَن يُكَلِّمَهُم.

قَالَت: فَخَرَجَا فَقَدِمَا عَلَى النَّجَاشِيِّ، وَنَحنُ عِندَهُ بِخَيرِ دَارٍ وَخَيرِ جَارٍ، فَلَم يَبقَ مِن بَطَارِقَتِهِ بِطرِيقٌ إلا دَفَعَا إِلَيهِ هَدِيَّتَهُ قَبلَ أَن يُكَلِّمَا النَّجَاشِيَّ، ثُمَّ قَالَ لِكُلِّ بِطرِيقٍ مِنهُم: إِنَّهُ قَد صَبَا إِلَى بَلَدِ المَلِكِ مِنَّا غِلمَانٌ سُفَهَاءُ، فَارَقُوا دِينَ قَومِهِم، وَلَم يَدخُلُوا فِي دِينِكُم، وَجَاءُوا بِدِينٍ مُبتَدَعٍ، لا نَعرِفُهُ نَحنُ وَلا أَنتُم، وَقَد بَعَثَنَا إِلَى المَلِكِ فِيهِم أَشرَافُ قَومِهِم، لِنَرُدَّهُم إِلَيهِم، فَإِذَا كَلَّمنَا المَلِكَ فِيهِم، فَأَشِيرُوا عَلَيهِ بِأَن يُسَلِّمَهُم إِلَينَا، ولا يُكَلِّمَهُم، فَإِنَّ قَومَهُم أَعلَى بِهِم عَيناً، وَأَعلَمُ بِمَا عَابُوا عَلَيهِم.

فَقَالُوا لَهُمَا: نَعَم، ثُمَّ إِنَّهُمَا قَرَّبَا هَدَايَاهُم إِلَى النَّجَاشِيِّ، فَقَبِلَهَا مِنهُمَا، ثُمَّ كَلَّمَاهُ، فَقَالا لَهُ: " أَيُّهَا المَلِكُ ! إِنَّهُ قَد صَبَا إِلَى بَلَدِكَ مِنَّا غِلمَانٌ سُفَهَاءُ، فَارَقُوا دِينَ قَومِهِم، وَلَم يَدخُلُوا فِي دِينِكَ، وَجَاءُوا بِدِينٍ مُبتَدَعٍ، لا نَعرِفُهُ نَحنُ وَلا أَنتَ، وَقَد بَعَثَنَا إِلَيكَ فِيهِم أَشرَافُ قَومِهِم مِن آبَائِهِم وَأَعمَامِهِم وَعَشَائِرِهِم، لِتَرُدَّهُم إِلَيهِم، فَهُم أَعلَى بِهِم عَيناً، وَأَعلَمُ بِمَا عَابُوا عَلَيهِم، وَعَاتَبُوهُم فِيهِ.

قَالَت: وَلَم يَكُن شَيءٌ أَبغَضُ إِلَى عَبدِ الله بنِ أَبِي رَبِيعَةَ وَعَمرِو بنِ العَاصِ مِن أَن يَسمَعَ النَّجَاشِيُّ كَلامَهُم.

فَقَالَت بَطَارِقَتُهُ حَولَهُ: صَدَقُوا أَيُّهَا المَلِكُ ! قَومُهُم أَعلَى بِهِم عَيناً، وَأَعلَمُ بِمَا عَابُوا عَلَيهِم، فَأَسلِمهُم إِلَيهِمَا، فَليَرُدَّانِهِم إِلَى بِلادِهِم وَقَومِهِم.

قَالَ: فَغَضِبَ النَّجَاشِيُّ، ثُمَّ قَالَ: لا هَايمُ الله، إِذاً لا أُسلِمَهُم إِلَيهِمَا ـ وَلا أَكَادُ ـ قَوماً جَاوَرُونِي، وَنَزَلُوا بِلادِي، وَاختَارُونِي عَلَى مَن سِوَايَ، حَتَّى أَدعُوَهُم، فَأَسأَلَهُم مَا يَقُولُ هَذَانِ فِي أَمرِهِم، فَإِن كَانُوا كَمَا يَقُولانِ أَسلَمتُهُم إِلَيهِمَا، وَرَدَدتُهُم إِلَى قَومِهِم، وَإِن كَانُوا عَلَى غَيرِ ذَلِكَ مَنَعتُهُم مِنهُمَا، وَأَحسَنتُ جِوَارَهُم مَا جَاوَرُونِي.

قَالَت: ثُمَّ أَرسَلَ إِلَى أَصحَابِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَدَعَاهُم، فَلَمَّا جَاءَهُم رَسُولُهُ اجتَمَعُوا، ثُمَّ قَالَ بَعضُهُم لِبَعضٍ: مَا تَقُولُونَ لِلرَّجُلِ إِذَا جِئتُمُوهُ.؟ قَالُوا: نَقُولُ وَالله مَا عَلِمنَا، وَمَا أَمَرَنَا بِهِ نَبِيُّنَا صلى الله عليه وسلم كَائِنٌ فِي ذَلِكَ مَا هُوَ كَائِنٌ.

فَلَمَّا جَاءُوهُ، وَقَد دَعَا النَّجَاشِيُّ أَسَاقِفَتَهُ، فَنَشَرُوا مَصَاحِفَهُم حَولَهُ لِيَسأَلَهُم، فَقَالَ: مَا هَذَا الدِّينُ، الَّذِي فَارَقتُم فِيهِ قَومَكُم، وَلَم تَدخُلُوا فِي دِينِي، وَلا فِي دِينِ أَحَدٍ مِن هَذِهِ الأُمَمِ.؟

قَالَت: فَكَانَ الَّذِي كَلَّمَهُ جَعفَرُ بنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه، فَقَالَ لَهُ:

أَيُّهَا المَلِكُ ! كُنَّا قَوماً أَهلَ جَاهِلِيَّةٍ، نَعبُدُ الأَصنَامَ، وَنَأكُلُ المَيتَةَ، وَنَأتِي الفَوَاحِشَ، وَنَقطَعُ الأَرحَامَ، وَنُسِيئُ الجِوَارَ، ويَأكُلُ القَوِيُّ مِنَّا الضَّعِيفَ، فَكُنَّا عَلَى ذَلِكَ، حَتَّى بَعَثَ الله إِلَينَا رَسُولاً مِنَّا، نَعرِفُ نَسَبَهُ وَصِدقَهُ، وَأَمَانَتَهُ وَعَفَافَهُ، فَدَعَانَا إِلَى الله تَعَالَى لِنُوَحِّدَهُ وَنَعبُدَهُ، وَنَخلَعَ مَا كُنَّا نَعبُدُ نَحنُ وَآبَاؤُنَا مِن دُونِهِ مِنَ الحِجَارَةِ وَالأَوثَانِ، وَأَمَرَنا بِصِدقِ الحَدِيثِ وَأَدَاءِ الأَمَانَةِ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ وَحُسنِ الجِوَارِ، وَالكَفِّ عَنِ المَحَارِمِ وَالدِّمَاءِ، وَنَهَانَا عَنِ الفَوَاحِشِ وَقَولِ الزُّورِ، وَأَكلِ مَالِ اليَتِيمِ، وَقَذفِ المُحصَنَةِ، وَأَمَرَنَا أَن نَعبُدَ الله وَحدَهُ، لا نُشرِكُ بِهِ شَيئاً، وَأَمَرَنَا بِالصّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ ـ قَالَ: فَعَدَّدَ عَلَيهِ أُمُورَ الإِسلامِ ـ فَصَدَّقنَاهُ، وَآمَنَّا بِهِ، وَاتَّبَعنَاهُ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ، فَعَبَدنَا الله وَحدَهُ، فَلَم نُشرِك بِهِ شَيئاً، وَحَرَّمنَا مَا حَرَّمَ عَلَينَا، وَأَحلَلنَا مَا أَحَلَّ لَنَا، فَعَدَا عَلَينَا قَومُنَا، فَعَذَّبُونَا، فَفَتَنُونَا عَن دِينِنَا، لِيَرُدُّونَا إِلَى عِبَادَةِ الأَوثَانِ مِن عِبَادَةِ الله، وَأَن نَستَحِلَّ مَا كُنَّا نَستَحِلُّ مِنَ الخَبَائِثِ، وَلَمَّا قَهَرُونَا وَظَلَمُونَا، وَشَقُّوا عَلَينَا، وَحَالُوا بَينَنَا وَبَينَ دِينِنَا، خَرَجنَا إِلَى بَلَدِكَ، وَاختَرنَاكَ عَلَى مَن سِوَاكَ، وَرَغِبنَا فِي جِوَارِكَ، وَرَجَونَا أَن لا نُظلَمَ عِندَكَ أَيُّهَا المَلِكُ. [ما أروع هذا البيان من جعفر رضي الله عنه، وما أجمعه.؟! إنّه بيان بأعلى درجات اللغة " الدبلوماسيّة " باصطلاح العصر؛ فقد جمع الحقائق وأوجز، وقدّم الحجّة وتلطّف، وكان مترفّعاً في عرض الخصومة مع قومه، راقياً في لغته وأسلوبه، سامياً في بيانه، مادحاً للملك بما هو فيه، غير مسرف في مدحه، ولا مقصّر في ثنائِه].

قَالَت: فَقَالَ لَهُ النَّجَاشِيُّ: هَل مَعَكَ مِمَّا جَاءَ بِهِ عَنِ الله مِن شَيءٍ؟

قَالَت: فَقَالَ لَهُ جَعفَرٌ: نَعَم، فَقَالَ لَهُ النَّجَاشِيُّ: فَاقرَأهُ عَلَيَّ، فَقَرَأَ عَلَيهِ صَدراً مِن: {كهيعص}[مريم:1]، قَالَت: فَبَكَى وَالله النَّجَاشِيُّ حَتَّى أَخضَلَ لِحيَتَهُ، وَبَكَت أَسَاقِفَتُهُ حَتَّى أَخضَلُوا مَصَاحِفَهُم حِينَ سَمِعُوا مَا تَلا عَلَيهِم. ثُمَّ قَالَ النَّجَاشِيُّ: إِنَّ هَذَا وَالَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى لَيَخرُجُ مِن مِشكَاةٍ وَاحِدَةٍ، انطَلِقَا، فَوَالله لا أُسلِمُهُم إِلَيكُم أَبَداً، ولا أَكَادُ.

قَالَت أُمُّ سَلَمَةَ رَضِي الله عَنهَا: فَلَمَّا خَرَجَا مِن عِندِهِ قَالَ عَمرُو بنُ العَاصِ: وَالله لآتِيَنَّهُ غَداً بما أَعِيبُهُم عِندَهُ، ثُمَّ أَستَأصِلُ بِهِ خَضرَاءَهُم.

قَالَت: فَقَالَ لَهُ عَبدُ الله بنُ أَبِي رَبِيعَةَ ـ وَكَانَ أَتقَى الرَّجُلَينِ فِينَا ـ: لا تَفعَل، فَإِنَّ لَهُم أَرحَاماً، وَإِن كَانُوا قَد خَالَفُونَا.

قَالَ: وَالله لأخبِرَنَّهُ أَنَّهُم يَزعُمُونَ أَنَّ عِيسَى ابنَ مَريَمَ عَلَيهِمَا السَّلام عَبدٌ.

قَالَت: ثُمَّ غَدَا عَلَيهِ الغَدَ، فَقَالَ لَهُ: أَيُّهَا المَلِكُ ! إِنَّهُم يَقُولُونَ فِي عِيسَى ابنِ مَريَمَ قَولاً عَظِيماً، فَأَرسِل إِلَيهِم، فَسَلهُم عَمَّا يَقُولُونَ فِيهِ.

قَالَت أُمُّ سَلَمَةَ: فَأَرسَلَ إِلَيهِم، يَسأَلُهُم عَنهُ، قَالَت: وَلَم يَنزِل بِنَا مِثلُهَا، فَاجتَمَعَ القَومُ، فَقَالَ بَعضُهُم لِبَعضٍ: مَاذَا تَقُولُونَ فِي عِيسَى إِذَا سَأَلَكُم عَنهُ؟ قَالُوا: نَقُولُ وَالله فِيهِ مَا قَالَ الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى، وَمَا جَاءَ بِهِ نَبِيُّنَا صلى الله عليه وسلم، كَائِناً فِي ذَلِكَ مَا هُوَ كَائِنٌ. [إنّه الثبات على الحقّ مهما كَلّف من ثمنٍ.. وبمثل هذا فليكن حوارنا مع المحاورين في الأديان]

فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيهِ قَالَ لَهُم: مَا تَقُولُونَ فِي عِيسَى ابنِ مَريَمَ؟

فَقَالَ لَهُ جَعفَرُ بنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه: نَقُولُ فِيهِ الَّذِي جَاءَ بِهِ نَبِيُّنَا صلى الله عليه وسلم: هُوَ عَبدُ الله وَرَسُولُهُ، وَرُوحُهُ وَكَلِمَتُهُ أَلقَاهَا إِلَى مَريَمَ العَذرَاءِ البَتُولِ.

قَالَت: فَضَرَبَ النَّجَاشِيُّ يَدَهُ عَلَى الأَرضِ، فَأَخَذَ مِنهَا عُوداً، ثُمَّ قَالَ: مَا عَدَا عِيسَى ابنُ مَريَمَ مَا قُلتَ هَذَا العُودَ، فَنَخَرَت بَطَارِقَتُهُ حَولَهُ حِينَ قَالَ مَا قَالَ، فَقَالَ: وَإِن نَخَرتُم، وَالله، اذهَبُوا فَأَنتُم سُيُومٌ بِأَرضِي ـ وَالسُّيُومُ الآمِنُونَ ـ مَن سَبَّكُم غَرِمَ، ثُمَّ مَن سَبَّكُم غَرِمَ، ثُمَّ مَن سَبَّكُم غَرِمَ، فَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِي دَبرَ ذَهَبٍ، وَأَنِّي آذَيتُ رَجُلاً مِنكُم ـ وَالدَّبرُ بِلِسَانِ الحَبَشَةِ الجَبَلُ ـ رُدُّوا عَلَيهِمَا هَدَايَاهُمَا، فَلا حَاجَةَ لَنَا بِهَا، فَوَالله مَا أَخَذَ الله مِنِّي الرِّشوَةَ حِينَ رَدَّ عَلَيَّ مُلكِي، فَآخُذَ الرِّشوَةَ فِيهِ، وَمَا أَطَاعَ فِيَّ النَّاسَ فَأُطِيعَهُم فِيهِ.

قَالَت: فَخَرَجَا مِن عِندِهِ مَقبُوحَينِ، مَردُوداً عَلَيهِمَا مَا جَاءَا بِهِ، وَأَقَمنَا عِندَهُ بِخَيرِ دَارٍ مَعَ خَيرِ جَارٍ.

قَالَت: فَوَالله إِنَّا عَلَى ذَلِكَ، إِذ نَزَلَ بِهِ يَعنِي مَن يُنَازِعُهُ فِي مُلكِهِ، قَالَت: فَوَالله مَا عَلِمنَا حُزناً قَطُّ كَانَ أَشَدَّ مِن حُزنٍ حَزِنَّاهُ عِندَ ذَلِكَ، تَخَوُّفاً أَن يَظهَرَ ذَلِكَ عَلَى النَّجَاشِيِّ، فَيَأتِيَ رَجُلٌ لا يَعرِفُ مِن حَقِّنَا مَا كَانَ النَّجَاشِيُّ يَعرِفُ مِنهُ.

قَالَت: وَسَارَ النَّجَاشِيُّ، وَبَينَهُمَا عُرضُ النِّيلِ، قَالَ: فَقَالَ أَصحَابُ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم: مَن رَجُلٌ يَخرُجُ حَتَّى يَحضُرَ وَقعَةَ القَومِ، ثُمَّ يَأتِيَنَا بِالخَبَرِ؟ قَالَت: فَقَالَ الزُّبَيرُ بنُ العَوَّامِ رضي الله عنه: أَنَا، قَالَت: وَكَانَ مِن أَحدَثِ القَومِ سِنّاً قَالَت: فَنَفَخُوا لَهُ قِربَة، فَجَعَلَهَا فِي صَدرِهِ، ثُمَّ سَبَحَ عَلَيهَا، حَتَّى خَرَجَ إِلَى نَاحِيَةِ النِّيلِ، الَّتِي بِهَا مُلتَقَى القَومِ، ثُمَّ انطَلَقَ حَتَّى حَضَرَهُم، قَالَت: وَدَعَونَا الله تَعَالَى لِلنَّجَاشِيِّ بِالظُّهُورِ عَلَى عَدُوِّهِ، وَالتَّمكِينِ لَهُ فِي بِلادِهِ، وَاستَوثَقَ عَلَيهِ أَمرُ الحَبَشَةِ، فَكُنَّا عِندَهُ فِي خَيرِ مَنزِلٍ، حَتَّى قَدِمنَا عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ بِمَكَّةَ " رواه أحمد في المسند /21460/.

ولم يقف أمرُ عَمرو بن العاص عند هذا الحدّ، فقد كان له خبر آخر مع النجاشيّ بعد غزوة الأحزاب: فقد رُوي عَن حَبِيبِ بنِ أَبِي أَوسٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عَمرُو بنُ العَاصِ رضي الله عنه مِن فِيهِ قَالَ: لَمَّا انصَرَفنَا مِنَ الأحزَابِ عَنِ الخَندَقِ، جَمَعتُ رِجَالاً مِن قُرَيشٍ، كَانُوا يَرَونَ مَكَانِي، وَيَسمَعُونَ مِنِّي، فَقُلتُ لَهُم: تَعلَمُونَ وَالله إِنِّي لأرَى أَمرَ مُحَمَّدٍ يَعلُو الأمُورَ عُلُوًّا كَبِيرًا مُنكَرًا، وَإِنِّي قَد رَأَيتُ رَأياً فَمَا تَرَونَ فِيهِ؟ قَالُوا: وَمَا رَأَيتَ؟ قَالَ: رَأَيتُ أَن نَلحَقَ بِالنَّجَاشِيِّ فَنَكُونَ عِندَهُ، فَإِن ظَهَرَ مُحَمَّدٌ عَلَى قَومِنَا كُنَّا عِندَ النَّجَاشِيِّ، فَإِنَّا أَن نَكُونَ تَحتَ يَدَيهِ أَحَبُّ إِلَينَا مِن أَن نَكُونَ تَحتَ يَدَي مُحَمَّدٍ، وَإِن ظَهَرَ قَومُنَا، فَنَحنُ مَن قَد عُرِفَ، فَلَن يَأتِيَنَا مِنهُم إِلا خَيرٌ، فَقَالُوا: إِنَّ هَذَا الرَّأيُ، قَالَ: فَقُلتُ لَهُم: فَاجمَعُوا لَهُ مَا نُهدِي لَهُ، وَكَانَ أَحَبَّ مَا يُهدَى إِلَيهِ مِن أَرضِنَا الأدَمُ، فَجَمَعنَا لَهُ أُدماً كَثِيراً، فَخَرَجنَا حَتَّى قَدِمنَا عَلَيهِ، فَوَالله إِنَّا لَعِندَهُ إِذ جَاءَ عَمرُو بنُ أُمَيَّةَ الضَّمرِيُّ، وَكَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم قَد بَعَثَهُ إِلَيهِ فِي شَأنِ جَعفَرٍ وَأَصحَابِهِ، قَالَ: فَدَخَلَ عَلَيهِ، ثُمَّ خَرَجَ مِن عِندِهِ، قَالَ: فَقُلتُ لأصحَابِي: هَذَا عَمرُو بنُ أُمَيَّةَ الضَّمرِيُّ، لَو قَد دَخَلتُ عَلَى النَّجَاشِيِّ فَسَأَلتُهُ إِيَّاهُ، فَأَعطَانِيهِ فَضَرَبتُ عُنُقَهُ، فَإِذَا فَعَلتُ ذَلِكَ رَأَت قُرَيشٌ أَنِّي قَد أَجزَأتُ عَنهَا، حِينَ قَتَلتُ رَسُولَ مُحَمَّدٍ.

قَالَ: فَدَخَلتُ عَلَيهِ، فَسَجَدتُ لَهُ كَمَا كُنتُ أَصنَعُ، فَقَالَ: مَرحَباً بِصَدِيقِي، أَهدَيتَ لِي مِن بِلادِكَ شَيئًا؟ قَالَ: قُلتُ: نَعَم ! أَيُّهَا المَلِكُ، قَد أَهدَيتُ لَكَ أُدماً كَثِيرًا، قَالَ: ثُمَّ قَدَّمتُهُ إِلَيهِ فَأَعجَبَهُ وَاشتَهَاهُ.

ثُمَّ قُلتُ لَهُ: أَيُّهَا المَلِكُ ! إِنِّي قَد رَأَيتُ رَجُلاً خَرَجَ مِن عِندِكَ، وَهُوَ رَسُولُ رَجُلٍ عَدُوٍّ لَنَا، فَأَعطِنِيهِ لأقتُلَهُ، فَإِنَّهُ قَد أَصَابَ مِن أَشرَافِنَا وَخِيَارِنَا.

قَالَ: فَغَضِبَ ثُمَّ مَدَّ يَدَهُ، فَضَرَبَ بِهَا أَنفَهُ ضَربَةً، ظَنَنتُ أَن قَد كَسَرَهُ، فَلَوِ انشَقَّت لِيَ الأرضُ لَدَخَلتُ فِيهَا فَرَقاً مِنهُ.

ثُمَّ قُلتُ: أَيُّهَا المَلِكُ، وَالله لَو ظَنَنتُ أَنَّكَ تَكرَهُ هَذَا مَا سَأَلتُكَهُ، فَقَالَ لَهُ: أَتَسأَلُنِي أَن أُعطِيَكَ رَسُولَ رَجُلٍ يَأتِيهِ النَّامُوسُ الأكبَرُ، الَّذِي كَانَ يَأتِي مُوسَى لِتَقتُلَهُ؟

قَالَ: قُلتُ: أَيُّهَا المَلِكُ ! أَكَذَاكَ هُوَ؟ فَقَالَ: وَيحَكَ يَا عَمرُو أَطِعنِي وَاتَّبِعهُ، فَإِنَّهُ وَالله لَعَلَى الحَقِّ، وَلَيَظهَرَنَّ عَلَى مَن خَالَفَهُ كَمَا ظَهَرَ مُوسَى عَلَى فِرعَونَ وَجُنُودِهِ.

قَالَ: قُلتُ: فَبَايِعنِي لَهُ عَلَى الإِسلامِ، قَالَ: نَعَم، فَبَسَطَ يَدَهُ، وَبَايَعتُهُ عَلَى الإِسلامِ، ثُمَّ خَرَجتُ إِلَى أَصحَابِي، وَقَد حَالَ رَأيِي عَمَّا كَانَ عَلَيهِ.

وَكَتَمتُ أَصحَابِي إِسلامِي، ثُمَّ خَرَجتُ عَامِداً لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم لأُسلِمَ، فَلَقِيتُ خَالِدَ بنَ الوَلِيدِ، وَذَلِكَ قُبَيلَ الفَتحِ، وَهُوَ مُقبِلٌ مِن مَكَّةَ، فَقُلتُ: أَينَ يَا أَبَا سُلَيمَانَ؟ قَالَ: وَالله لَقَدِ استَقَامَ المَنسِمُ [المنسم: الطريق، يقال: قد استبان المنسم، وأين مَنسِمك: متوجّهك ومذهبك]، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَنَبِيٌّ، أَذهَبُ وَالله أُسلِمُ، فَحَتَّى مَتَى؟ قَالَ: قُلتُ: وَالله مَا جِئتُ إِلاّ لأُسلِمَ.

قَالَ: فَقَدِمنَا عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَقَدِمَ خَالِدُ بنُ الوَلِيدِ، فَأَسلَمَ وَبَايَعَ، ثُمَّ دَنَوتُ فَقُلتُ: يَا رَسُولَ الله ! إِنِّي أُبَايِعُكَ عَلَى أَن تَغفِرَ لِي مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِي، وَلا أَذكُرُ وَمَا تَأَخَّرَ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: ( يَا عَمرُو بَايِع، فَإِنَّ الإِسلامَ يَجُبُّ مَا كَانَ قَبلَهُ، وَإِنَّ الهِجرَةَ تَجُبُّ مَا كَانَ قَبلَهَا )، قَالَ: فَبَايَعتُهُ، ثُمَّ انصَرَفتُ.

قَالَ ابنُ إِسحَاقَ: وَقَد حَدَّثَنِي مَن لا أَتَّهِمُ أَنَّ عُثمَانَ بنَ طَلحَةَ بنِ أَبِي طَلحَةَ كَانَ مَعَهُمَا، أَسلَمَ حِينَ أَسلَمَا " رواه الإمام أحمد في المسند برقم /17109/.

[للمقالة تتمة في الجزء التالي].

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين