من شموع الذكريات:في صحبة أستاذنا العلامة الجليل نور الدين عتر (4 ، 5، 6)

من مقروءاتي على الأستاذ

1- في حلب بعض دروس من نزهة النظر في منزله، مع بعض الأساتذة. 

2- دروسه في جامع الرشيد، وهي في الشتاء تقلّ، ربما كل شهر درس واحد، إذ إن الأستاذ مستقر بدمشق،

وأما في الصيف فالدرس أسبوعي غالبا. 

كان درّس كتابه شرح الفاتحة، ثم استمر في إعلام الأنام. 

3- في دمشق، لازمت دروسه في كلية الشريعة السنة الرابعة، وكنت أجلس دائما في المقعد الأول، المواجه لأستاذنا، قرأ علينا مقرر مادة الحديث الشريف، وهو جزء من كتابه إعلام الأنام، وكتاب النكاح من سنن النسائي. 

4- دروسه في جامع ظبيان قرب منزله بالمهاجرين، يقرأ فيها صحيح البخاري، وموطأ الإمام محمد. 

5- تمهيد الماجستير في فرع الأزهر بمعهد الفتح

قرأنا عليه كتابا من نيل الأوطار للشوكاني، في السنة الأولى، ومادة أخرى أنسيتها، لعلها نزهة النظر. 

وفي السنة الثانية أجزاء من شرح علل الترمذي، وأجزاء من إعلام الأنام. 

ثم كان هو المشرف في الماجستير

قرأ الخطة ووافق عليها، (تحقيق الفرع الأثيث في أصول الحديث) لرضي الدين بن الحنبلي، وهو شرح للمؤلف على كتابه قفو الأثر. 

لكن للأسف كان إشراف أستاذنا شكليا، إذ كان ثمة مشرفان، مشرف أصيل من الأزهر، ومشرف رديف من معهد الفتح. 

كان تسجيل الرسالة 2002

والمناقشة 2012!!

رحم الله أستاذنا ومشايخنا

وجزاهم عنا خيرا

من شموع الذكريات: في صحبة أستاذنا العلامة الجليل نور الدين عتر (5)

مشهد في كلية الشريعة

وآخر في فرع الأزهر

في السنة الرابعة

دخل أستاذنا ذات يوم قاعة المحاضرات، وبيده أوراق في مصنف..

ألقى السلام كالعادة، وجلس في مجلسه. 

وكنت أجلس في المقعد الأول مواجهَه، كما أسلفت،

ما إن جلس، حتى ابتدأ كلامه بصوته الهادئ المعهود، فقال: 

فتحُ الجليل

فأكملتُ مباشرة فقلت: 

للعبد الذليل

فتعجب وقال: تعرف الكتاب؟

قلت: نعم. 

قال: أين رأيتَه؟

قلت: عندي نسخة منه

قال: ايتني به. 

قلت: إن شاء الله. 

ثم بدأ درسه.

وكان مراد الأستاذ رسالة للسيوطي

اسمها (فتح الجليل للعبد الذليل في الأنواع البديعية المستخرجة من قوله تعالى: {الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور}

حين عدت إلى حلب، أخذت له الكتاب إلى منزله في الإذاعة،

رده لي بعد أيام وقال: كنت عزمت على تحقيقه وإخراجه، فلما رأيته مطبوعا، عزفت عن ذلك.

كان لي مكتبة عامرة لا بأس بها، ومما كانت تعمر به كتب السيوطي، لا أجد في السوق كتابا له إلا اشتريته، وقرأته، (ما خلا الدر المنثور في التفسير بالمأثور، وكنز العمال، اشتريتهما، لكن لم أقرأهما فهما مرجعان ضخمان)

فكان مما قرأته في الثانوية الإتقان في علوم القرآن، والتحبير في علم التفسير،

ثم تدريب الراوي، وكتب كثيرة له في شتى العلوم. 

ومنها في الأدب شقائق الأترنج في رقائق الغنج!

بل كنت أحيانا أشتري نسخة أخرى لمحقق آخر، فأقارن بين المطبوعتين. 

في السنة الأولى من تمهيد الماجستير في فرع الأزهر بمعهد الفتح

كنا أحد عشر طالبا تقريبا،

وأما في السنة الثانية فكنا ثلاثة فقط! 

وبما أني كنت لا أغيب، إذ كنت أسافر أسبوعيا من حلب،

فكم من درس حضرته وحدي فقط! 

أنا وأستاذنا نور الدين عتر

أو شيخنا الأستاذ كريم راجح (يدرّس مادة التفسير)

أو بديع السيد اللحام. 

فكانت تتشعب الموضوعات، وأسمع منهم إضافة إلى الدروس: قصصا وعبرا وحكايات تمثل جزءا مهما من تاريخ هؤلاء الأعلام وغيرهم. 

وإن من جملة ما أندم عليه في أول سِنِيْ الطلب

أني لم أكن أهتم باصطحاب الكناش،

ولو كنت فعلتُ لسجلتُ تاريخا عبقا مما كنت أسمعه من أساتذتنا، نور الدين عتر وأحمد مهدي الخضر ومحمد عدنان الغشيم وكريم راجح وغيرهم

لكن قدر الله وماشاء فعل

من شموع الذكريات: في صحبة أستاذنا العلامة الجليل نور الدين عتر (6)

أُمنيّة ورجاء

في السنوات الأخيرة قبل سفري إلى الكويت أواخر سنة 2004

قمت بفضل الله ببعض النشاط العلمي في مدينة حلب، عبر إقامة درس في شرح النووي على صحيح مسلم، كنت أتعب في تحضيره كثيرا،

فأقرأ شرح النووي والمازري والقاضي عياض، ثم شرح الحديث في فتح الباري في كل المواضع التي يكررها،

ومراجعة لفظ الحديث في الكتب الستة

ومراجعة طرح التثريب، ونيل الأوطار، وسبل السلام، والتعليق الممجد على موطأ محمد، وإعلام الأنام شرح بلوغ المرام، وغيرها،

وفي أثناء ذلك أضبط الأعلام بالعودة لتقريب التهذيب وأصوله، كتهذيب الكمال للمزي وغيره،

وأضبط الغريب من معجمات اللغة كمختار الصَّحاح والمصباح المنير والمغرب في ترتيب المعرب للمطرّزي. 

وكان يحضره ثلة من أهل العلم والفضل. 

ودرس آخر في معرفة علوم الحديث لابن الصلاح. 

وكنت درّست سنة في الثانوية الشرعية بأعزاز، ثم في الثانوية الشرعية بحلب (الخُسرُوية)، 

ووقع تفاعل من الطلاب بفضل الله، وكان من جراء ذلك أن أعلنت في المدرسة عن دورة نقيمها في العطلة الانتصافية، قرأنا فيها كتاب الأدب من صحيح البخاري، وشرح المنظومة البيقونية لشيخنا العلامة الأستاذ عبدالله سراج الدين رحمه الله تعالى.

وكنت أفكر وأرجو بأن يكون في حلب دار للحديث الشريف، تقرأ فيها كتب السنة قراءة فهم وتحقيق وكتب علوم الحديث،

ولكن ظروفا مباشرة وغير مباشرة جعلتني أسافر إلى الكويت وأخلف ورائي هذه الأمنيّة (والكلام عن سبب السفر في الرسالة اللاحقة إن شاء الله)

فكان من جملة ما يدور في خلدي تلك الأيام أني كنت أقول: 

لماذا ليس لأستاذنا نور الدين عتر رحمه الله تعالى دور بارز في حلب؟!

كنت أتمنى لو أن أستاذنا نور الدين بمكانته المرموقة وعلمه المعروف يكون له نشاط ملموس في حلب، فيخصص دروسا دورية دائمة لأهل علم الحديث، فيقرئهم كتب السنة وكتب المصطلح، وما يتعلق بذلك… 

إذن لانتعش أهل حلب، وانتشر فيهم علم الحديث، وقلّت الأحاديث الموضوعة التي كانت وما تزال يرميها من على المنابر خطباء مفوهون! 

ولعل من الأسباب التي حالت دون أستاذنا رحمه الله، استقراره في دمشق، واشتغاله بالتدريس الجامعي الذي يستهلك العالِم ووقته، ولعل هناك أسبابا أمنيّة أيضا، أو غير ذلك. 

لا شك أن أستاذنا رحمه الله رغم اشتغاله بالتدريس الجامعي، كان غزير الإنتاج نسبيا في تأليف الكتب وتحقيقها، 

ولا شك أنه تخرّج على يديه ثلة كبيرة من تلاميذه في حلب ودمشق،

وكان له بعض دروس يقيمها في دمشق وحلب.. 

ولكن كان المأمول أن يكون نشاطه في حلب بارزا مؤثرا وأوسع مما كان.

رحمه الله تعالى

وقد ذكر بعض الإخوة في منشور له من قريب عن أستاذنا نور الدين أن سبل العلم في دمشق متوفرة ومهيأة أكثر من حلب. 

فنسأل الله أن يفرج عن أهلنا في حلب وفي بلاد الشام، ويخلصهم من الظلمة المجرمين، ويعيد المجد، ويحقق ذلك الرجاء، ويجعلنا من خدمة قرآنه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين