من روائع البيان في سور القرآن (186)


الحكم التشريعي السادس عشر : تجنّب النساء في المحيض

﴿وَيَسۡ‍َٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡمَحِيضِۖ قُلۡ هُوَ أَذٗى فَٱعۡتَزِلُواْ ٱلنِّسَآءَ فِي ٱلۡمَحِيضِ وَلَا تَقۡرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطۡهُرۡنَۖ فَإِذَا تَطَهَّرۡنَ فَأۡتُوهُنَّ مِنۡ حَيۡثُ أَمَرَكُمُ ٱللَّهُۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلتَّوَّٰبِينَ وَيُحِبُّ ٱلۡمُتَطَهِّرِينَ٢٢٢ [البقرة: 222 ]

السؤال الأول:

ما الوجه البلاغي لكلمة (أذى) في الآية: ﴿وَيَسۡ‍َٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡمَحِيضِۖ قُلۡ هُوَ أَذٗى ؟

الجواب:

انظر إلى هذه الدقة والإعجاز العلمي، فقد أطلق الله سبحانه وتعالى الأذى ولم يقيّده، فقال (هو أذى) ولم يقل (هو أذى لكم) أو (لهنّ) فهل لهذا التعبير من سبب؟ نعم لأنّ جماع المرأة أثناء حيضها أذى للرجل يسببه الدم الفاسد، وفيه أذى للمرأة ومرض، وفيه أذى للطفل، والأطباء يقولون: إنّ الجنين إذا تكوّن بجماع خلال الحيض قد يصاب بمرض الجذام.

السؤال الثاني:

ما دلالة المتطهّرين في قوله تعالى في هذه الآية: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلتَّوَّٰبِينَ وَيُحِبُّ ٱلۡمُتَطَهِّرِينَ٢٢٢ ؟

الجواب:

الذي يبدو والله أعلم أنّ ﴿ ٱلۡمُطَهَّرُونَ٧٩ [الواقعة:79] هم الملائكة؛ لأنه لم ترد في القرآن كلمة (المطهرين) لغير الملائكة، (والمُطهّر) اسم مفعول وهي تعني: مُطهّر من قِبَل الله تعالى.

 وبالنسبة للمسلمين يقال لهم: (متطهرين أو مطّهّرين) كما في هذه الآية، و(متطهرين) هي بفعل أنفسهم، أي: هم يطهرون أنفسهم.

السؤال الثالث:

قال تعالى في هذه الآية البقرة: 222 ﴿ٱلۡمُتَطَهِّرِينَ بالتاء، وقال في آية التوبة: 108 ﴿ ٱلۡمُطَّهِّرِينَ١٠٨ بالتشديد. فما الفرق؟

الجواب:

قال في آية البقرة: ﴿ ٱلۡمُتَطَهِّرِينَ٢٢٢ وفي آية التوبة ﴿ ٱلۡمُطَّهِّرِينَ١٠٨ وذلك:

1 ـ آية البقرة 222:

 آ ـ هي في الطهر من الحيض والتطهر منه وهو متكررٌ متطاولٌ في العمر، فجاء به على صيغة الفك لأنها أطول.

 ب ـ كذلك التطهر هنا أمر بدني للنساء والرجال، فالنساء ينبغي أن يتطهرن من الحيض والرجال ينبغي أن يعتزلوا النساء حتى يتطهرن .

 ج ـ الآية في عموم المؤمنين والمؤمنات إلى يوم الدين.

2ـ آية التوبة 108:

 آ ـ التطهر فيها منظور به إلى التطهر القلبي؛ لأنها نزلت في المنافقين الذين اتخذوا مسجداً ضراراً وكفراً وتفريقاً بين المؤمنين، وهذا من فساد الباطن وسوء السريرة ودنس القلب، كما قال الله ﴿ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٞ فَزَادَهُمُ ٱللَّهُ مَرَضٗاۖ [البقرة:10] وأمر الله رسوله بترك ذاك المسجد .

ثم ذكر بإزاء أولئك المنافقين أصحاب القلوب الدنسة رجالاً آخرين هم أصحاب القلوب الطاهرة، فقال فيهم: ﴿ فِيهِ رِجَالٞ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْۚ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلۡمُطَّهِّرِينَ١٠٨ ومعناه: أنه يحب الذين يبالغون في التطهر .

 ب ـ الآية هي في صحابة رسول الله .

3ـ لذلك استعمل الصيغة الطويلة في المدة المتطاولة فاستعمل ﴿  ٱلۡمُتَطَهِّرِينَ٢٢٢ للبدن ، بينما استعمل ﴿ ٱلۡمُطَّهِّرِينَ١٠٨ للقلب، وهو أبلغ وخاصة مع الصحابة؛ لأنهم أكمل الناس طهارة ظاهراً وباطناً.

4 ـ قد تقول: ولكنّ الله قال: ﴿ فِيهِ رِجَالٞ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْۚ  [التوبة:108] فجاء بالفك ولم يقل (يطّهروا)؟ والجواب: أنّ الله جمع لهم بين التطهُّرَين القلبي والبدني، وذلك أبلغ وأمدح من أنْ يذكرهما بنوع واحد فإنه يحب المتطهرين جميعاً.  

السؤال الرابع:

من الذين يحبهم الله تعالى؟

الجواب:

من يحبهم الله تعالى:

1ـ ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلتَّوَّٰبِينَ وَيُحِبُّ ٱلۡمُتَطَهِّرِينَ٢٢٢ [البقرة:222].

2ـ ﴿ فَإِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُتَّقِينَ٧٦ [آل عمران:76].

3ـ ﴿ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِينَ١٣٤   [آل عمران:134].    

4ـ ﴿ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلصَّٰبِرِينَ١٤٦ [آل عمران:146].

5ـ ﴿   إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُتَوَكِّلِينَ١٥٩ [آل عمران:159].

6ـ ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِينَ ٤٢ [المائدة:42].

7ـ ﴿ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلۡمُطَّهِّرِينَ١٠٨ [التوبة:108].

8ـ ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلَّذِينَ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِهِۦ صَفّٗا كَأَنَّهُم بُنۡيَٰنٞ مَّرۡصُوصٞ٤ [الصف:4].

اللهم اجعلنا ممن تحبهم يا رب العالمين، وكذلك كل من يقول: آمين .

السؤال الخامس:

ما دلالة هذه الآية؟

الجواب:

1ـ كان اليهود يعزلون النساء إذا حاضت ويعتبرونها نجسة ، فلا يخالطوها ولا يأكلون أو يشربون معها مدة الحيض ، وكان النصارى لا يفرّقون بين المرأة وهي حائض أو غير حائض ، فيفعلون معها كل شيء حتى الجماع ، وحيث كان المسلمون قد امتزجوا باليهود في المدينة المنورة فقلدوهم في كثير من الأشياء ، فأنزل الله تعالى يبيّن أنه لا يحرم على الحائض إلا الجماع فقط ، كما حرّم الإسلام إتيان المرأة في دبرها .

2ـ يحرم على الحائض والجنب والنفساء : الصلاة والصوم ، ودخول المسجد ومس المصحف وحمله ، والطواف بالبيت ، وتفعل المرأة كل هذه الأمور بعد أن تطهر وتغتسل ، والصلاة لا تُقضى تخفيفاً ورحمة من الله لها لتكررها كل شهر ، والصوم يُقضى لأنه يأتي مرة واحدة بالعام .

3ـ  ختم الله الآية بقوله: ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلتَّوَّٰبِينَ وَيُحِبُّ ٱلۡمُتَطَهِّرِينَ٢٢٢ أي يحب كثيري التوبة والاستغفار، وجاء بالتشديد لاحتمال تكرر المخالفات  ، ويحب أيضاَ المتطهرين الذين يبتعدون عن الفواحش والأقذار .

4 ـ يستنتج من قوله تعالى : ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلتَّوَّٰبِينَ وَيُحِبُّ ٱلۡمُتَطَهِّرِينَ٢٢٢ أنه ليس هناك نظام أرضي اهتم كل هذا الاهتمام بجمال الجسم وطهارته مثل الإسلام! وإنّ نقاء المسلمين البدني شارة تميزوا بها بين الشعوب الأخرى.( الغزالي ) .

5 ـ قال النبي عليه السلام في حديث ابن عمر : ( مَنْ توضَّأَ فأحْسَنَ الوضوءَ ، ثُمَّ قال : أشهَدُ أن لَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لَا شريكَ لَهُ ، وأنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ ، اللهمَّ اجعلْنِي مِنَ التوَّابينَ ، واجعلْنِي منَ المتطهِّرينَ ، فُتِحَتْ لَهُ ثمانيةُ أبوابِ الجنَّةِ ، يدخلُ مِنْ أيِّهَا شاءَ) [ أخرجه مسلم  234 ] .

6 ـ ما أجمل صوت أنين التائبين وما أعظم دموعهم على خدهم، يكفي التائبين فخراً قول الله فيهم : ﴿  إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلتَّوَّٰبِينَ وَيُحِبُّ ٱلۡمُتَطَهِّرِينَ٢٢٢   والله أعلم .

 

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين