﴿ إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ
هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ
وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [البقرة: 218]
السؤال الأول:
قال تعالى عن المهاجرين: ﴿ هَاجَرُواْ ﴾ ولم يقل: (هجروا) مثلاً فهل من فرق بين اللفظين؟
الجواب:
استعمل القرآن كلمة (هاجروا) دون (هجروا)؛ لأنّ (هاجر) تنشأ عن عداوة بين الجانبين، فكلٌّ من المنتقِل وهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والمنتقَل
عنهم وهم المشركون في مكة، كلٌّ قد هجر الآخر وقلاه وطلب بُعده.
السؤال الثاني:
ما دلالة قوله تعالى في الآية: ﴿أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ ﴾ ؟
الجواب:
عددت الآية ثلاثة أصناف من الناس:
1- ﴿ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ﴾ 2- ﴿ وَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ ﴾ 3- ﴿ وَجَٰهَدُواْ ﴾ .
والذين آمنوا إيماناً خالصاً لوجه الله وهاجروا لنصرة الدين وجاهدوا لإعلاء كلمة الإسلام، هؤلاء قد فعلوا كل ذلك وهم يرجون رحمة الله .ولا شك أنّ هذه الأمور الثلاثة هي مدار العبادة وعُنوان السعادة .
ولقائل يسأل: أليست الرحمة مسألة يقينية عندهم؟
والجواب: ليس للعبد عند الله أمر متيقن، فما أدراك أنك لم تُحسن التوبة أو أنك لم تتيقن من استحضار نية الإخلاص لله في عملك ، أو حدثتك نفسك بشيء أفسد عليك عملك، ورسول الله صلى الله عليه وسلم وهو سيد الخلق وسيد الموصولين بربهم يقول: «اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع وعمل لا يُرفع ودعاء لا يُسمع».[ رواه النسائي في صحيحه 5470 ] .وعظمة الرب أنك تدعوه خوفاً وطمعاً، إنْ رغبت فيه ولم ترهبه فأنت ناقص الإيمان، وإنْ رهبت فيه ولم ترغب فإيمانك ناقص أيضاً، لذلك لا بدّ من تلازم الرهبة والرغبة.
ولقد علّمنا رسول الله
صلى الله عليه وسلم أنّ دخول الجنة لا يكون بالأعمال وحدها ولكن بفضل الله ورحمته ومغفرته، فهو يقول:
« لَنْ يُدْخِلَ أحَدًا مِنكُم عَمَلُهُ الجَنَّةَ
قالوا: ولا أنْتَ؟ يا رَسولَ اللهِ، قالَ: ولا أنا، إلَّا أنْ يَتَغَمَّدَنِيَ
اللَّهُ منه بفَضْلٍ ورَحْمَةٍ ». [ صحيح مسلم 2816] .
لذلك فالمؤمن يرجو رحمة ربه، ولا يشترط على الله وهو يتجه بعمله خالصاً لله ويرجو التقبل والمغفرة والرحمة.
السؤال الثالث:
ما دلالة الفرق في رسم كلمتي : ﴿ هَاجَرُواْ ﴾ بالألف الصريحة و﴿ وَجَٰهَدُواْ ﴾ بحذف الألف الوسطية في الآية ؟
الجواب:
ورد
الفعل ﴿ هَاجَرُواْ ﴾ و﴿
يُهَاجِرُواْ ﴾ وملحقاته في القرآن الكريم (17) مرة كلها بالألف الصريحة ، ويوحي وجود الألف الوسطية في الفعل أنّ الهجرة تستلزم الانتقال والانفصال عن المكان ، فكأنّ وجود الألف الوسطية الفاصلة في منتصف الكلمة تعبر عن هذا الانفصال .
أمّا الفعل﴿ وَجَٰهَدُواْ ﴾ و﴿
يُجَٰهِدُواْ ﴾ وملحقاته فقد ورد في القرآن الكريم حوالي (27) مرة كلها بدون ألف ، و يوحي عدم وجود ألف وسطية في الفعل بأنّ الجهاد لا يعني فقط القتال والانتقال إلى مكان المعركة ، إنما يعني في الدرجة الأولى قرب وارتباط فريضة الجهاد إلى قلب المؤمن ، إضافة إلى جهاد النفس ، الذي بينه حديث الرسول عليه السلام في جهاد النفس ، والله أعلم .
السؤال الرابع:
ما دلالة رسم كلمة ﴿ رَحمَتَ ﴾ الواردة في الآية بالتاء المفتوحة ، علماً أنها رسمت بالتاءالمربوطة
﴿ رَحمَةًۚ ﴾ في مواضع أخرى من القرآن الكريم ؟
الجواب:
وردت كلمة﴿ رَحمَةًۚ ﴾ بالتاء المربوطة (72) مرة في القرآن الكريم ،
ووردت ﴿رَحمَتَ﴾ بالتاء المفتوحة (7) مرات فقط
في القرآن الكريم في الآيات :[ البقرة 218 ـ الأعراف 56 ـ هود 73 ـ مريم 2 ـ الروم
50 ـ الزخرف 32 (مرتان ) ] .
وعندما ترد﴿ رَحمَتَ﴾ بالتاء المفتوحة ، فإنّ ذلك يعني خصوصية هذه
الكلمة وأهميتها ودلالتها غير العادية حين تدبر الآية التي وردت بها والسياق
المحيط بها وتعني الرحمة الخاصة لبعض
الخلق ،وهم الذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله ، والمحسنون ، وأهل البيت ، وزكريا
، وإحياء الأرض بعد موتها . أمّا بالتاء المربوطة﴿ رَحمَةًۚ ﴾ فهي توحي بالرحمة العامة .
ومن الجدير بالذكر أنّ جميع السور التي جاءت فيها كلمة بالتاء المفتوحة ﴿ رَحمَتَ ﴾ يوجد في
أولها الحروف المقطعة ، وكأنّ هذه الحروف المقطعة قد يكون من ضمن معانيها الرحمة
الخاصة لعباد الله المؤمنين .
وللعلم فإنّ كلمتي : ﴿ رَحمَتَ ٱللَّهِۚ﴾ و﴿ رَحمَتِ رَبِّكَ ﴾ معاً عددها (7) في القرآن الكريم كله ، وهو يساوي
عدد كلمة ﴿ رَحمَتَ﴾ بالتاء
المفتوحة .
وشبيه بهذا رسم كلمة: [﴿لَعنَةَ ﴾ ﴿ لَّعنَتَ ﴾] و كلمة: [﴿ٱمرَأَةٞ ﴾ ﴿ ٱمرَأَتُ ﴾ ] و كلمة: [﴿كَلِمَةٞ﴾ ﴿ كَلِمَتُ ﴾ ]. والله أعلم .
التعليقات
يرجى تسجيل الدخول