ملامح سور القرآن: سورة غافر

وسورة غافر أو سورة المؤمن هي في ذكر المؤمن يكون من قوم كافرين، يدعو قومه، ويجادلونه بالباطل، ثم يمكرون به، وهذا بمناسبة إخلاص الله بعض عباده لكرامته، فهذا نموذج لذلك، ينزع نفسه من قوم كافرين، فيُخلِص ويُخلَص، ومن هنا سميت سورة غافر.

وذِكْر دعاء الملائكة في أولها يشير إلى أن هذا المنفرد عن قومه له من الملأ الأعلى مؤازر وأنيس، لنفي الوحشة عنه، فالملائكة يدعون له ولأمثاله ويثنون عليه. ويقابله أن الكافرين من ضلالهم كأنهم يمقتون أنفسهم، إذ أوردوها المهالك، ومقت الله أكبر من مقتهم أنفسهم.

وتردَّد ذكر الجدل في السورة من أجل أن هذا المؤمن يجادل قومه، وهم يفسحون له مجالًا طويلًا في الجدل لأنه يكتم إيمانه، فيأملون في تسفيه رأيه واستمالته إليهم. والجدل في آيات الله، فهو يذكر لهم سنن الماضين وما يؤولون إليه يوم القيامة، وعَدْل الله في مجازاة المحسنين، وعقوبة الظالمين في الدنيا والآخرة، فهذه الآيات القَدَرية، ومن هذا الباب ذكر المشاهد الكونية في السورة، فهي أيضًا من مادة الجدل. ويتصل بذلك قول فرعون: (ما أريكم إلا ما أرى)، فهذا استدعاه السجال القائم.

ويصطنع فرعون أنه يبحث عن الحق ويأمر هامان أن يجعل له صرحًا لينظر في صحة الإله الذي يدعو إليه موسى والرجل المؤمن، وما ذلك إلا لقطع الجدل، والإيهام أن فرعون جاد في البحث عن الحقيقة لولا أنه لم يجد دلائلها.

ثم تكون خاتمة حال هذا المؤمن مع قومه أن يَظهَر إيمانه فيمكروا به فيقيه الله مكرهم، وينتقل السياق بسرعة إلى الدار الآخرة، ليعرض عذاب آل فرعون في النار، وجدل الضعفاء والمستكبرين، حيث لا ينفعهم ذلك، إلا في زيادة حسرتهم. وهذا الانتقال يشبه الانتقال في قصة الرجل الداعية جاء من أقصى المدينة في سورة يس مع قومه الذين أُرسل إليهم ثلاثة من الأنبياء.

وقوله: (فاصبر إن وعد الله حق) مرتين في السورة وما تلاه من وصية ومن وعد، هو للنبي -صلى الله عليه وسلم- ولمن كان في مثل حاله وحال مؤمن آل فرعون، وهو أن يكون داعيًا منفردًا أو في قلة من العدد في كثرة من الملأ المكذبين والمجادلين والماكرين.

وذكر آيات الأنعام ومنافعها بعد ذلك استتمام للآيات الكونية في الخلق، وفيه إشارة إلى الهجرة، وألمح إليه بقوله: (ولتبلغوا عليها حاجة في صدوركم وعليها وعلى الفلك تحملون)، وللآيات صلة بحديث الصحيحين: «إنما الناس كالإبل المائة، لا تكاد تجد فيها راحلة»، فمؤمن آل فرعون من القليل الذي لا يكاد يوجد في الكثير.

وفي كل آيات الأمر بالسير للنظر في عاقبة الذين من قبلهم لم يذكر كثرة العدد إلا هنا في آخر السورة: (كانوا أكثر منهم وأشد قوة) بمناسبة مؤمن آل فرعون.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين