مقاربات

يرصد هذا البحث مقاربات "مقاصد القرآن" تاريخياً لدى المتقدمين من المفسرين وغيرهم، وكذلك لدى المتأخرين بدءاً من تفسير المنار وصولاً إلى الدراسات المعاصرة، ويحلل البحث دلالة عبارة "مقاصد القرآن" وتطور استعمالها في المصنفات، وكذلك عبارة "التفسير المقاصدي"، وينبه على المحطات المهمة التي قاربت "مقاصد القرآن"، وبالأخص الغزالي والرازي والمهايمي والبقاعي ورشيد رضا وابن عاشور وعزت دروزة، كما يسجل على الدراسات المتأخرة عدم تمييزها بين موضوعات القرآن وغايات إنزاله، نظراً لتأثرها باستعمال المتقدمين، أو خلطها بين "مقاصد القرآن" و"مقاصد الشريعة" متأثرة بشيوع دراسات المقاصد، وحصرها النظر في الموضوع من مدخل التعبير المباشر عنه، ويقترح ألا تنحصر دراسة "مقاصد القرآن" بهذه العبارة، وأن تتجه الدراسات لمقاصد القرآن إلى تحليل حكاية القرآن عن نفسه لتحديد غايات إنزاله، ووظيفة هذه المقاصد في التأويل.

مقدمة

شهدت الدراسات المقاصدية، خلال نصف قرن مضى، نمواً وتطوراً ملحوظاً فرضته عوامل عدة، فالدرس المقاصدي يعدّ من أهم الدعائم المنهجية في الاجتهاد المعاصر، ومقاربة القضايا المستجدة، ومراجعة التراث الإسلامي، ولئن كان مجال اشتغال "مقاصد الشريعة" يتردد بين علوم الفقه وأصول الفقه والفكر الإسلامي، إلا أن "المقاصد" فرضت نفسها في عموم الدراسات الإسلامية لما يتوسم بها من إمكانات تأويلية وتمكين من الصوغ النظري لقضايا أدى تفرقُ فروعها في مختلف المباحث إلى ضياع الرابط الكلي الذي يجمعها، والرؤية التشريعية التي تثوي وراءها، وإذ ارتبطت فكرة المقاصد بالاجتهاد فإنها بالضرورة سترتبط بالنص موضوع الاجتهاد، وهذا ما أدى إلى البحث عن دور للمقاصد في فهم النص عموماً بغض النظر عن القضايا الاجتهادية، فصدرت دراسات تبحث في "مقاصد القرآن الكريم"، وتفترض لها تراثاً وأغراضاً تشبه "مقاصد الشريعة"، وأغراهم في ذلك استعمال المفسرين لتعبير "مقاصد القرآن" أو ما يشبهه، وتطور هذا الادعاء إلى افتراض نمط "التفسير المقاصدي".

تحاول هذه الدراسة البحث التاريخي عن جذور فكرة "مقاصد القرآن"، ودلالات هذا التعبير لدى المتقدمين والمتأخرين وفي الدراسات المعاصرة، ونقد المقاربات المتصلة بالموضوع، ولن تتطرق الدراسة إلى "مقاصد السور" إلا في سياق تأريخ استعمال مفردة "مقاصد" للدلالة عليها، فمقاصد السور مصطلح مستقر في علم التفسير وله دلالته، أما "مقاصد القرآن" فهو تعبير ملتبس ومتداخل، وهو ما تسعى هذه الدراسة إلى تجليته، وهي لا تقصد إلى درس مدى اهتمام المفسرين بفكرة وجود أهداف للقرآن سواء سميت "مقاصد القرآن" أو شيئاً آخر، إنما الهدف تحليل مقاربات هذا التعبير حصراً "مقاصد القرآن"، فتسعى الدراسة لرصده تاريخياً في كتب التفسير أو غيرها (أولاً-"مقاصد القرآن" عند المتقدمين)، وصولاً إلى الدراسات الحديثة التي تناولته بدءاً من مدرسة الإصلاح (ثانياً-"مقاصد القرآن" عند المتأخرين)، فالدراسات المعاصرة (ثالثاً- مقاربات بعض المعاصرين لـ"مقاصد القرآن")، وأخيراً نقد مقاربات التعريف ( رابعاً-"مقاصد القرآن" و"التفسير المقاصدي": مقاربة التعريف)، وقد حرصت ما أمكن على الحفاظ على تضمين عبارات المصادر وتنصيصها لإيصال الفكرة كما هي للقارئ.

تحميل الملف