مـن روائع البيان في سور القرآن (182)

﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [البقرة: 217]

السؤال الأول:

ما دلالة الآيات التي بدأت مثل هذه الآية بقوله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ ؟.

الجواب:

انظر الجواب في آية البقرة 189.

السؤال الثاني:

ما دلالة قوله تعالى في الآية: ﴿وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا ؟

الجواب:

أثير انتباهك أخي المؤمن إلى هذه اللفتة الإلهية، فالله تعالى أخبرنا بأنّ الكافرين مستمرُّون على زعزعةِ إيماننا وإخراجِنا من دوحةِ الإسلام ما قُدِّر لهم ذلك، ولاحظ قوله تعالى: ﴿إِنِ اسْتَطَاعُوا فقد قيّد قُدرَتهم على إخراجِكَ من الدين، بقوله: ﴿إِنِ اسْتَطَاعُوا وهذا احتراسٌ لئلا يظنَّ السامع أنّ المؤمن سهلٌ إخراجُه عن إيمانِه، فاستعملَ تعالى حرفَ الشَّرطِ ( إنْ ) وهو يدلُّ على الشَّكِّ لا اليقينِ ليطمئن أنّ استطاعتهم في ذلك ولو على آحاد المسلمين أمر بعيد المنال لهم؛ لقوة الإيمان التي تتغلغل في القلب فلا يفارقه.

السؤال الثالث:

قوله تعالى في الآية: ﴿وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ  لِمَ استعمل (الفاء) بدل (ثم)؟

الجواب:

استعمل حرف العطف (الفاء) في قوله: ﴿فَيَمُتْ وهو حرف يفيد الترتيب والتعقيب ولم يستعمل (ثم) التي تفيد التراخي والمهلة في الزمن؛ أي قال: ﴿فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ ولم يقل: (ثم يمت وهو كافر). فما السبب؟ ونحن نعلم أنّ معظم المرتدين لا تحضر آجالهم عقب الارتداد بل قد يعمّر المرتد طويلاً، والفاء تفيد الترتيب، والتعقيب: أنْ يقع الأمران متعاقبين متتاليين، فما وجه استعمال الفاء إذن؟ في هذا ارتباط بديع يتمثل في أنّ المرتد يُعاقب بالموت عقوبة شرعية، فإنْ ارتدّ يُقتل حدّاً. والله أعلم .

السؤال الرابع:

لماذا جاءت ﴿يَرْتَدِدْ بفك الإدغام؟

الجواب:

فكّ الإدغام يكون مع الجزم، كقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:217] وهذا يسري على جميع المضعّفات في حالة الجزم إذا أُسند إلى ضمير مستتر أو اسم ظاهر.

السؤال الخامس:

كلمة (قتال) تعرب بدلاً في قوله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ [البقرة:217]، فهل البَدَل يفيد التوكيد؟

الجواب:

للبدل أنواع منها: الاشتمال والتخصيص والمدح والذمّ والتوكيد والتفخيم والإيضاح و غيره.

وفي قوله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ    [البقرة:217] ( قتال )    تُعرب بدل اشتمال، ولا يجوز إعرابها عطف بيان، لأنهما اختلفا تنكيراً وتعريفاً وفُقِد الشرط.

السؤال السادس:

هل كل ما جاء عطف بيان يُعرب بدلاً؟

الجواب:

عطف البيان هو قريب من البدل، تقول مثلاً: أقبل أخوك محمد، (محمد) يمكن أنْ تُعرب بدلاً أو عطف بيان.

 لكنْ هنالك مواطن ينفرد فيها عطف البيان عن البدل، وقسم من النحاة يذكرون الفروق بين عطف البيان والبدل، ثم يقول أشهر النحاة بعد ذكر هذه الفروق:" لم يتبين لي فرق بين عطف البيان والبدل".

عطف البيان على أي حال قريب من البدل، ويصح أنْ يُعرب بدلاً إلا في مواطن:

آـ عطف البيان لا يمكن أنْ يكون فعلاً، بينما البدل قد يكون فعلاً.

ب ـ عطف البيان لا يمكن أنْ يكون مضمراً أو تابعاً لمضمر (ضميراً أو تابعا لضمير)، بينما البدل يصح أنْ يكون كذلك.

ج ـ عطف البيان لا يمكن أنْ يكون جملة ولا تابعاً لجملة، بينما البدل يمكن أنْ يكون كذلك.

وهناك مسألتان أساسيتان يركزون عليهما:

1.    البدل على نيّة إحلاله محل الأول.

2.   البدل على نية تكرار العامل أو على نية من جملة ثانية.

فإذا قلنا: (يا أيَّها الرجلُ غلامُ زيد) لا يمكن أنْ يكون (غلام) بدلاً، لأننا لو حذفنا (الرجل) تصير الجملة: يا أيها غلام زيد، وهذا لا يصحّ.

السؤال السابع:

قال هنا في الآية 217: ﴿وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وقال في الآية 191: ﴿وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ  

فما سبب ذلك؟ وما دلالته ؟

الجواب:

انظر الجواب في آية البقرة 191.

السؤال الثامن:

ما الدروس المستفادة من هذه الآية باختصار ؟

الجواب:

الذين سألوا الرسول صلى الله عليه وسلم هم المشركون ليعيِّروه بذلك بأنهم استحلوا القتال في الشهر الحرام والمسجد الحرام، وهذا هو قول الأكثرية من المفسرين.

وقيل: إنهم المسلمون سألوا الرسول عن ذلك ليعلموا الحكم، فأخبرهم الله أنّ الصد عن سبيل الله وإخراج أهل الحرم منه والفتنة في الدين أكبر من القتل والقتال في الشهر الحرام وفي الحرم.

المعنى المختصر للآية: لمّا كان الأمر بالقتال في الآية السابقة شاملاً عاماً لجميع الأشهر دون تحديد ، بيّن الله سبحانه في هذه الآية أنّ القتال في الشهر الحرام على سبيل الدفع جائز.

قوله تعالى في آية البقرة 217: ﴿وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا أي: سوف يبقون محاولين ردكم عن الإسلام، وقوله: (إنْ استطاعوا) استبعاد لاستطاعتهم.

لما بيّن تعالى غرضهم من تلك المقاتلة وهو أنْ يرتد المسلمون عن دينهم، ذكر بعده وعيداً شديداً على الردة، فقال في نفس الآية217: ﴿وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ.

السؤال التاسع:

نكّرت كلمة ﴿قِتَالٞفي الآية مرتين فما دلالة ذلك؟ وما إعراب ﴿قِتَالٖ؟

الجواب:

قوله تعالى: ﴿قِتَالٖ بدل اشتمال، وخفض على البدل من الشهر الحرام، ومثله قوله تعالى: ﴿قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ (4) النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ [البروج:4-5].

قوله تعالى: ﴿قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ فيه مسألتان:

آـ قتال مبتدأ وهو نكرة خُصصت بقوله ﴿فِيهِ و ﴿كَبِيرٞۚ خبر ومعنى كبير هنا هو عظيم.

ب ـ نكّر القتال في المرتين، واللفظ النكرة إذا تكرر كان المراد بالثاني غير الأول، نحو: رأيت رجلاً وأكرمت رجلاً، فالرجل الثاني غير الأول.

والقوم أرادوا بسؤالهم ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ أي ذلك القتال المعين الذي أقدم عليه عبد الله بن جحش فقال الله: ﴿قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وفيه تنبيه على أنّ القتال الكبير ليس هو الذي سألتم عنه؛ لأنّ هذا القتال كان الغرض منه نصرة الإسلام وإذلال الكفر، بل هو قتال آخر يهدف لهدم الإسلام وتقوية الكفر، فعبّر سبحانه بالتنكير في المرتين ليبين الفرق بين القتالين وأنهما ليسا متماثلين، ولو عرف الثاني لبطلت هذه الفائدة الجليلة.

وقوله تعالى: ﴿وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ كلها مرفوعة بالابتداء، والخبر: ﴿أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ .

والمعنى أنّ القتال الذي سألتم عنه وإنْ كان كبيراً إلا أنّ هذه الأشياء أكبر منه.

السؤال العاشر:

على أي شيء عطف قوله تعالى ﴿وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ في الآية ؟

الجواب:

عَطْف قوله تعالى ﴿وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ذكروا فيه وجوهاً:

آـ عطف على الهاء في ﴿ بِهِۦ .

ب ـ عطف على ﴿ سَبِيلِ ٱللَّهِ وهو قول الأكثرية، وهذا متأكد بقوله تعالى: ﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلمَسجِدِ ٱلحَرَامِ ٢٥[الحج: 25].

ج ـ عطف على ﴿ٱلشَّهرِ ٱلحَرَامِ بتقدير: يسألونك عن قتال في الشهر الحرام والمسجد الحرام.

د ـ بتقدير إضمار حرف جر، أي بتقدير: وكفر به وبالمسجد الحرام .

وعند البصريين وهو ما اختاره الزجاج أنّ قوله تعالى: ﴿وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ كلها مرفوعة بالابتداء، والخبر ﴿أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ .

والمعنى: أنّ القتال الذي سألتم عنه وإنْ كان كبيراً إلا أن هذه الأشياء أكبر منه.

السؤال الحادي عشر:

ما الصدُّ؟ وما الفتنة المذكورة في الآية ؟

الجواب:

الصد: هو الصد عن الإيمان بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم أو صدّ المسلمين بشكل عام.

الفتنة: هي الكفر أو ما كانوا يفتنون به المسلمين عن دينهم بالشبهات والتعذيب والإشاعات.

السؤال الثاني عشر:

قوله تعالى في الآية: ﴿حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ ما أصل الحبط في اللغة ؟

الجواب:

أصل الحبط في اللغة: أنْ تأكل الإبل شيئاً يضرها فتهلك، والمراد من إحباط العمل، أي: بطلانه لفساده.

السؤال الثالث عشر:

ما دلالة الصيغة الاسمية في قوله تعالى في الآية: ﴿وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ؟

الجواب:

جاء بالصيغة الاسمية للعذاب في الآخرة للدلالة على الاستمرار والثبات، وقال تعالى: ﴿هم لتخصيصهم ولتأكيد خلودهم في النار. والله أعلم.

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين