معنى: {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى}

قوله تعالى: {وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى} [النجم: ٣٩] استدل به طائفة من العلماء على أن قراءة القرآن لا يصل ثوابها إلى الميت، وأجاب آخرون بأن المراد بالإنسان فيه: الكافر، أما المؤمن فله مع سعيه سعي إخوانه المؤمنين مما أهدوه إليه، ومنه قراءة القرآن، قالوا: لأن الإيمان رابطة قوية بين المؤمنين، يستطيع أن ينفع بعضهم بعضًا بسببها.

واستدلوا بما رواه أحمد وغيره عن عبد الله بن عمرو: أن العاصي نذر في الجاهلية أن ينحر مائة بدنة، فنحر هشام بن العاص خمسة وخمسين بدنة.

وأن عمرًا سأل النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم عن ذلك، فقال له النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «أما أبوك فإنه لو أقر بالتوحيد فصمت وتصدقت عنه نفعه ذلك». فالحديث يقرر بوضوح: أن الإيمان سبب في وصول عمل المؤمن إلى أخيه المؤمن.

وعندي في الآية وجه آخر. وهو: الإشارة إلى تحقيق العدل المطلق، بأنه لا ينقل سعي الخير من شخص إلى آخر، ولو كانت بينهما قرابة الأبوة أو الأخوة مثلًا، فكل واحد له عمله الصالح، لا ينقص منه شيء يزاد لغيره.

بدليل أن هذه الجملة ذكرت في مقابلة قوله تعالى: ﮋ  ﯽ ﯾ ﯿ   [النجم: ٣٨] فكما لا يؤخذ الشخص بذنب غيره، كذلك لا ينتفع بحسنة غير.

ولا علاقة للآية -على هذا- بإهداء عمل صالح كقراءة القرآن للميت، بل يستفاد حكمه من دليل آخر.

فقد صحَّ أنَّ النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم سمع في الجمع رجلا يقول: لبيك عن شبرمة. فقال: «من شبرمة؟» قال أخ لي مات، قال: «هل حججت عن نفسك؟» قال: لا. قال: «حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة».

وصح أيضًا أنه صلَّى الله عليه وآله وسلَّم أذن لرجل أن يحج عن أبيه، ولامرأة أن تحج عن أمها.

وصحَّ أيضًا عنه صلَّى الله عليه وآله وسلَّم أنه قال: «من مات وعليه صيام صام عنه وليه».

فأثبتت السنة الصَّحيحة وصول العبادة إلى الميت، وهل قراءة القرآن إلا عبادة؟ فهي تصل كما يصل غيرها من العبادات. لا سيما والحج المأذون في فعله عن الميت مشتمل على القراءة أيضًا، إذ من أفعاله صلاة ركعتين بعد الطواف عند مقام إبراهيم عليه السلام، هذه خلاصة المسألة، وبالله التوفيق.

من كتاب:" خواطر دينية" 

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين