تعريف بكتاب: معالم السياسة الشرعية في سورة النمل
هذا البحث محاولةٌ جادة لاستنباط معالم المنظومة السياسية الشرعية، وعواقب التزامها أو التفريط فيها، من خلال سورةٍ حافلةٍ بأصول هذه المنظومة وجزئياتها، والأسس العقدية الراسخة التي تستند إليها، وتوجه مسيرها، إضافةً إلى اشتمالها على نماذج تطبيقية تطمئن الفرد والجماعة إلى أن هذا التأصيل القرآني ليس مجرد نظريات أو مثالياتٍ غير واقعية، بل هو تأصيلٌ قرآني عِلمي عَمَلي، يخاطب المكلَّفين بما هو ممكن، ليهيِّج الهِمم، ويشحذ العزائم، فتقوم الأمة المسلمة بانتزاع زمام الريادة الأممية من جديد، متحاكمةً إلى دين الله، وداعيةً الناس جميعاً لتفيؤ ظلاله ونبذ ما سواه.
إن سورة النمل تعبيرٌ قرآني محكم عن صورةٍ عِلمية عَملية لمقصد الله تعالى من خلق الإنسان، واستخلافه في الأرض لعمارتها عمارةً ربّانية، وتوجيهٌ قرآني بديعٌ لاستكشاف موارد هذا الكون الفسيح اعتقاداً بأن الله واهب نِعَمِه، وتعبيراً بالشكر على ذلك، وعملاً دؤوباً بالجوارح لتوظيف هذه الموارد في تحقيق الريادة الأممية في الدنيا، والشهود الأممي في الآخرة.
وإن التدبر في مسائل السياسة الشرعية في مظانها من كتاب الله عز وجل وسيرة رسوله صلى الله عليه وسلم والقرون الفاضلة من بعده لهو واجب الساعة، حيث تعصف بالأمة الإسلامية رياح الفتنة التي تسعى لسلخ الأمة عن هويتها، وتجريدها من ثقتها ببارئها وخالقها جل وعز. ولقد يسر الله تعالى من خلال استقراء هذه السورة الكريمة التعرفَ على أهم المعالم والخطوط العريضة للسياسة الشرعية، واستعراض أنموذجي الدولة المسلمة والدولة الكافرة، والوقوف موقف العبرة والعظة من المجتمعات التي أهلكها الله تعالى باستشراء الفساد فيها، والسكوت عن مفسديها، وتلك التي نكست فطرة الله تعالى وقننت الجريمة البشعة، واضطهدت أهل الحق الطاهرين أتباع شرع رب العالمين، ثم وجهت بإطلاقٍ واسعٍ إلى آفاق الكون الفسيح حثاً على الجد والاجتهاد في طلب أسباب بناء الدولة والأمة، لتنتظم الأسباب الكونية التي خلقها الله مع الأسباب الشرعية التي نزَّلها الله، فتتم بذلك منظومة البناء الأممي الرباني، فيشتد بنيان الإيمان، وتستغلظ ساقه، ويفيء إليه كل مؤمن، ويسترشد به كل ضال، وتقوم الحجة به على كل جاحدٍ معاند، ثم تجتمع الخصوم للفصل العظيم؛ فمن كان في محراب العبودية في الدنيا خاضعاً لله كان في الآخرة مع الفائزين، ومن استنكف واستكبر عن الانقياد لشرع الله في الدنيا كان في الآخرة من الخاسرين النادمين، والحمد لله رب العالمين.
تحميل الملف
التعليقات
يرجى تسجيل الدخول