مصادر التفسير الموضوعي

مقدمة البحث:

أما بعد: فإن موضوع هذا الكتاب هو مصادر التفسير الموضوعي ، ومن البديهي - لكى نتحدث عن المصادر - أن نقول كلمة في الهدف من الكتابة عن المصادر .

 

إن مصادر أي علم تُعد في الواقع هي المنابع التي يزود بها القارئ نفسه عند الحاجة لكي يطمئن إلى المعارف التي يحملها أو التي يريد تقديمها للقراء أو طلاب المعرفة على المستوى الجامعي أو المستوى المعرفي العام.

 

ومصادر التفسير بصفة عامة كثيرة تضرب بجيرانها في أعماق تاريخ التفسير عند المسلمين بدءًا من عهد الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة رضوان الله عليهم من بعده إلى يومنا هذا، ولكن مصادر التفسير الموضوعي قليلة وربما كانت حديثة العهد نسبيا، ذلك لأن التفكير في التفسير الموضوعي بصفة خاصة، وبالاعتماد على منهج خاص كان مقرونا بظهور مصطلح « التفسير الموضوعي » وهو حديث العهد إذ هو وليد الثمانينات من هذا القرن .

 

ولعل الفترة التي استخدم فيها هي الفترة التي بدأ الحديث فيه عن الوحدة الموضوعية في القرآن الكريم.

 

ولكن تطبيق منهج التفسير الموضوعي بمواصفات قريبة جدا مما هو عليه الآن تعد قديمة نسبيا ، فنحن نجدها في القرن الثامن عند البقاعي واضحة لا سيما في تفسيره (نظم الدرر في تناسب الآيات والسور) إذ كان قد اعتنى بمسألة التناسب بين السور مركزا على ترتيب أجزاء السورة مستهدفا الوقوف " على معرفة مقصود السورة " كما يقول ، بل لقد عد العلم المهتم بمسألة التناسب غاية في النفاسة.

 

ويمكن كذلك أن نعد دراسة ابن القيم الجوزية رحمه الله التي خصص لها فصلا في كتابه " شفاء العليل " تحت عنوان ( الطبع والختم والقفل والغل والسد والغشاوة والحائل بين الكافر وبين الإيمان ) من أهم الدراسات التي استخدمت منهج التفسير الموضوعي.

 

ولكن هناك فرقا بين منهج البقاعي رحمه الله وبين منهج ابن القيم، إذ أن الأول يعنى بوحدة الموضوع في السورة بينما الثاني يُعنى بموضوع في القرآن كله، وسنسمى منهج الأول: المنهج الكشفي، ومنهج الثاني: المنهج التجميعي، ولا شك أن كليهما مهم في مجاله، وكلاهما قد حددت معالمه بشكل أساسي في العصر الحديث.

 

غير أن مرحلة التنظير لهذا التفسير الموضوعي بمنهجيه تعد مرحلة عصرية أنتجت مصادرها بعد الثمانينات من هذا القرن، ولها السبب سنركز أساسا على مصادر التفسير الموضوعي عند المعاصرين، ولئن كنا سنقدم نموذجا من هذا التفسير عند القدماء فما ذلك إلا لكي نبين من كثب علاقة حاضر هذا التفسير بماضيه. إن المصادر التي سنعرض لها في هذا الكتاب بالدراسة والتحليل متنوعة، وقد قصدنا من ذلك إعطاء صورة واضحة عن التأليف والبحث في هذا المجال.

 

وربما كان من المفيد أن نعتمد بعض الرسائل الجامعية التي تتعلق بهذا الموضوع لكي نعطى صورة واضحة عن طبيعة البحث في هذا المجال.

 

ومن أهم الدراسات التي سنعرضها هنا : نظم الدرر في تناسب الآيات والسور للبقاعي ، والعرب في القرآن للشيخ عبد الحميد بن باديس ، ومقدمات في التفسير الموضوعي لباقر الصدر ، ومدخل إلى التفسير الموضوعي لعبد الستار فتح الله سعيد ، ومباحث في التفسير الموضوعي لمصطفى مسلم ، والتفسير الموضوعي لحكمت على حسين الخفاجي ، ونحو تفسير موضوعي لسور القرآن الكريم للشيخ الغزالي ، وسنقوم بعد ذلك بقراءة موجزة لنموذج من تفسير الشيخ سعيد حوى الموسوم بـ : " الأساس في التفسير " وإنما خصصنا هذا التفسير دون غيره لنبين اهتمامه بفكرة الوحدة الموضوعية في القرآن الكريم، من جهة، ولنبين مواطن المبالغة في النظرية التي انطلق منها في تفسير القرآن من جهة ثانية.

 

 

 

وعلى الجملة فإن حديثنا عن المصادر هنا يستهدف تقديم صورة واضحة المعالم عن هذا المنهج الجديد في التفسير، لذلك لابد أن نعتمد في تقديم هذه المصادر خطة تقوم على ثلاث خطوات أساسية؛ فنعرض الكتاب أولا، ثم نحلله، ثم نقوم بتقييمه ونقده باختصار يتناسب مع الغرض من الكتاب، وهو تقديم المصادر الأساسية في التفسير الموضوعي، ولا شك أن هذا العرض سوف لن يلم بكل ما كتب في هذا المجال لأن الهدف ليس هو الفحص الكلى لها وإنما الهدف هو تقديم صورة واضحة المعالم عن هذا الاتجاه في التفسير .


تحميل الملف