{يَوْمَ يَقُولُ المُنَافِقُونَ وَالمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ
آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءكُمْ
فَالتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ
الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ العَذَابُ * يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُن
مَّعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ
وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الأَمَانِيُّ حَتَّى جَاء أَمْرُ اللهِ وَغَرَّكُم
بِاللهِ الغَرُورُ}[الحديد:13ــ 14].
تصوّر
هاتان الآيتان مشهداً حواريّاً من مشاهد الآخرة بين المؤمنين والمنافقين.. حين
يسعى المؤمنون بنورهم، ويتوسّل إليهم المنافقون، وهم في ظلمات ما كانوا عليه في
الدنيا، من خداع وكذب، وتلبيس وتضليل.. يتوسّلون إليهم: «
انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ »،
فيقال لهم: « ارْجِعُوا وَرَاءكُمْ فَالتَمِسُوا
نُورًا » إنّ نور الآخرة هو نور الإيمان الصادق،
والعمل الصالح، ولم تكونوا حريصين عليه في الدنيا.. ولكنّ المنافقين لا يستيئسون
من إدراك شيء من النور، فيقولون للمؤمنين: «
أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ.؟! » في حال من أحوال الدنيا،
فيجيئهم الجواب الحاسمُ: « بَلَى،
وَلَكِنَّكُمْ: انتكستم عن الهدى، وسرتم في طريق الردى، ثمّ يُعدّدُونَ لهُمْ
أربعة أسباب لما آلوا إليه من خزي وحسرة يوم القيامة:
فَتَنتُمْ
أَنفُسَكُمْ... بإيثار الدنيا ومغرياتها على مرضاة الله والآخرة..
وَتَرَبَّصْتُمْ...
تطلّعتم إلى انتصار الكافرين، وفرحتم بنزول البلاء بالمؤمنين..
وَارْتَبْتُمْ...
بوعد الله بانتصار الحقّ على الباطل، وأنّ العاقبة للمتّقين..
وَغَرَّتْكُمُ
الأَمَانِيُّ.. وما أكثر الأمانيّ الخدّاعة، التي يلقي بها الشيطان إلى أوليائه: {يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ
إِلاَّ غُرُورًا} [النساء:120]
حَتَّى
جَاء أَمْرُ اللهِ... بالموت، أو الآخرة، وما فيها من أهوَال الحساب والجزاء..
وَغَرَّكُم بِاللهِ الغَرُورُ »: فسقطتم في شباك
الشيطان، وكنتم من أهل الخزي والخسران..
إنّه
مشهد من مشاهد الآخرة، وكأنّه يتجسّد اليوم فيما يجري من أحوال الناس وتقلّباتهم،
وانتكاساتهم التي قد تفاجئ بعض الناس، ولكنّها لا تخرج عن طبيعة هذه الحياة، التي
تقوم على الفتنة والابتلاء.. والحسَابُ عندَ البَيدر، كما يقول الحسن البصريّ رضي
الله عنه.. ولا يغترّ ويفتن بهذه الدار إلاّ جاهل أحمق..
اللهم
يا مقلّب القلوب والأبصار ثبّت قلوبنا على دينك، ونعوذ بك اللهم من النفاق، ومن
مضلاّت الفتن.
التعليقات
يرجى تسجيل الدخول