مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (133)

{وَإِلَٰهُكُمۡ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞۖ لَّآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلرَّحۡمَٰنُ ٱلرَّحِيمُ١٦٣}[البقرة: 163]

السؤال الأول:

ما دلالات هذه الآية؟

الجواب:

1 ـ هذه الآية تمثل قاعدة عظيمة في الإسلام وهي قاعدة التوحيد، وفيها تقرير للوحدانية بنفي غيره وإثبات ذاته سبحانه، فلا إله سواه، ولا يستحق العبادة إلا هو.

وهذه القاعدة الجليلة هي القاعدة الثالثة من قواعد الإيمان والتي بدأت في آية البقرة (158)، ثم في الآية (159)،ثم في هذه الآية (163).

2ـ لمّا ذكر الله الإلهية الأحدية، وهي تفيد القهر والعلوّ، أعقبهما بذكر المبالغة في الرحمة ترويحاً للقلوب عن هيبة الإلهية وعزّة الفردانية، وإشعاراً بأنّ رحمته سبقت غضبه، وأنه ما خلق الخلق إلا للرحمة والإحسان.

3ـ أعقب في الآية التي بعدها ببيان التوصل إلى الإيمان بالله الواحد الأحد بقراءة الكتاب المنظور وهو الكون الذي نراه، فوجّه إلى ثمانية أدلة من دلائل التوحيد نشاهدها في الكون الذي حولنا.

4ـ ورد: إنّ اسم الله الأعظم الذي إذا دُعي به أجاب، وإذا سُئل به أعطى موجود في هذه الآية وفي آية الكرسي وأول سورة آل عمران.

5 ـ الوحدة هي الانفراد، والواحد الذي لا يتبّعض ولا ينقسم، والواحد لا نظير له، وليس كمثله شيء، واحد في ألوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته لا شريك له.

6 ـ إنْ قيل: ما فائدة تقديم الرحمن على الرحيم؟ فالجواب: لما كانت رحمته في الدنيا عامة للمؤمنين والكافرين: قدّم (الرحمن) أولاً، وأمّا في الآخرة فهي دائمة لأهل الجنة لا تنقطع لذا قيل: (الرحيم) ثانياً، ولذلك يقال: رحمن الدنيا، ورحيم الآخرة.

7 ـ (ٱلرَّحۡمَٰنُ) على وزن فعلان، والرحيم على وزن فعيل، ومن المقرر في علم التصريف في اللغة العربية أنّ صفة (فعلان) تمثل الحدوث والتجدد والامتلاء والاتصاف بالوصف إلى حده الأقصى، فيقال: غضبان، بمعنى امتلأ غضباً كما في قوله تعالى: (فَرَجَعَ مُوسَىٰٓ إِلَىٰ قَوۡمِهِۦ غَضۡبَٰنَ أَسِفٗاۚ) [طه:86] لكنّ الغضب زال (وَلَمَّا سَكَتَ عَن مُّوسَى ٱلۡغَضَبُ) [الأعراف:154] ومثل ذلك عطشان، ريان، جوعان، فيكون عطشانَ فيشرب فيذهب العطش.

أمّا صيغة (فعيل) فهي تدل على الثبوت سواء كان خِلقة، مثل طويل، جميل، قبيح، فلا يقال: خطيب، لمن ألقى خطبة واحدة، وإنما تقال لمن يمارس الخطابة، وكذلك الفقيه.

هذا الإحساس اللغوي بصفات فعلان وفعيل لا يزال في لغتنا الدارجة إلى الآن فنقول لمن بدا عليه الطول (طولان) فيرد: هو طويل (صفة ثابتة)، فلان ضعفان (حدث فيه شيء جديد لم يكن) فيرد: هو ضعيف (هذه صفته الثابتة فهو أصلاً ضعيف).

ولذا جاء سبحانه وتعالى بصفتين تدلان على التجدد والثبوت معاً، فلو قال: (ٱلرَّحۡمَٰنُ) فقط لتوهم السامع أنّ هذه الصفة طارئة قد تزول كما يزول الجوع من الجوعان والغضب من الغضبان وغيره، ولو قال: (ٱلرَّحِيمُ) وحدها لفهم منها أنّ صفة رحيم مع أنها ثابتة لكنها ليست بالضرورة على الدوام ظاهرة إنما قد تنفك، مثلاً عندما يقال: فلان كريم، فهذا لا يعني أنه لا ينفك عن الكرم لحظة واحدة، إنما الصفة الغالبة عليه هي الكرم.

وجاء سبحانه بالصفتين مجتمعتين ليدل على أنّ صفاته الثابتة والمتجددة هي الرحمة، ويدل على أنّ رحمته لا تنقطع، وهذا يأتي من باب الاحتياط للمعنى، وجاء بالصفتين الثابتة والمتجددة لا ينفك عن إحداهما فهذه الصفات مستمرة ثابتة لا تنفك البتة وغير منقطعة. والله أعلم.

جميع المواد المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين